الضيعة خاشعة صامتة، والحزن يملأ كل بيت، لا يحيون بنهارك سعيد، ولا يصبحون ولا يمسون بالخير، سلامهم «يتمجد اسم الرب يسوع»، ورده «السلام لستنا مريم العضرا»، والكنيسة كخلية النحل، ناس تجيء وناس تروح، الجدران تتنهد، والحنية
3
تتأوه، والقبة تولول مهدودة الحيل، الصلوات خمس كل يوم، وعن الصوم لا تسأل، لا يفطر إلا الزنديق، ولا يأكل اللحم والبيض واللبن إلا القليل الدين ...
في ذلك الزمان، جاء الخوري تيموتاوس الهيكل قبل الغروب، ودق الجرس حزنا، ثم أخرج من عبه مسبحة الوردية
4
ليصلي للراكب على المشارق والمغارب، أخذ يذرع ساحة الكنيسة بجلال ووقار كأنما يمشي على البيض، يتنهد أحيانا، وينظر إلى مسبحته ليرى أي مسافة قطع، إن صلاة مساء الخميس طويلة والناس أبطأوا. غريب شكل هذا الخوري! لو عرفه داروين لما احتاج إلى برهان آخر: حاجباه قاعدان تحت جبين نافر كأنه رفراف مطفف فوق نقرتين في صخر منقوش، يمتد بينهما أنف أفطس مشلوق، وتحت هذا الينبوع شاربان كقرني الكبش، تتدلى تحتهما لحية طويلة لو لم تكن سوداء كجناح الغراب لحسبتها مكنسة.
سبحان الخالق ما أكرمه! أعطاه بشاعة بغير حساب، وكأنه شاء أن يجعله آية فابتلاه بالجدري الذي قلل هيبته كثيرا. وبلوته الكبيرة أنه أخيف، فإحدى عينيه خروبية، والثانية زرقاء يحسبها الرائي خرزة عين، لهذا غلب لقب «بليق» على اسمه بطرس، قبل أن مسح بالزيت المقدس كاهنا لله. ثم زاد سمنه في بشاعته، فهو بعد كهنوت الخبز مربوع ثخين أسود لماع.
كان الخوري مرحا في شبابه، يفرفر فلا يستقر بمكان، لا شغل له إلا النط بالضيعة، فما تسمع إلا راح بليق جا بليق. الولد عجزة أبيه،
5
ولد صيفي، مات أبوه والأم لا تربي، فركب رأسه، ما نجت بنت في الضيعة من مداعبة أو سهرة عندها، وكثيرا ما كان يدق عدة أبواب في الليلة الواحدة، وحيث يحل يمتلئ البيت هرجا وضحكا، وإذا خرج نبح أو نهق، فترد عليه كلاب الضيعة وجحاشها.
Неизвестная страница