Великаны-карлики

Марун Аббуд d. 1381 AH
50

Великаны-карлики

أقزام جبابرة

Жанры

كانوا يعملون صاخبين تحت نقط المطر، وكان لسان حالهم يقول للشمس: تخبي، وللغيوم: أمطري ما شئت، فلا بد من إتمام نهارنا وقبض الأجرة كاملة، لو جرى هذا الخندق كالنهر ما خرجنا منه قبل الغياب، علينا أن ننقب من الفجر إلى النجر،

4

فلننقب، ليس الإنسان طينا فيذوب.

وهكذا ظلوا يعملون تحت رذاذ المطر، ولو تركوا معاولهم وكفوا عن عملهم ربع ساعة للحقهم الحسم والحط من أجرة يومهم، كلها ربع مجيدي، فما يبقى إذا امتد إليها قلم أبو فارس البارع في الجمع والطرح؟ له عليهم عادة يعرفونها: إذا كفوا عن العمل قبل المغرب بنصف ساعة شطب قلمه ربع النهار ليكون الحساب مقوما لا عوج فيه.

رأى أبو فارس شجرات جاره غضة ترشح الماوية من فروعها وجذوعها، فأدرك أنها تسابق شجراته العزيزة على السماد الذي يكدسه في أرضه كل سنة، فهو لا يستحي أن يلمه عن الطريق، وإذا عابه أحد هز رأسه وقال مبررا عمله: لو كان الحرامي يفهم ما سرق غير الزبل.

رأى أبو فارس أن يحفر خندقا على الحد ينتفع به من جهات: أولها تقطيع جذور أشجار جاره واستئصالها، وثانيها بناء حائط يصون به أرضه؛ لأن جاره لا يراعي شجرات أبي فارس عند الفلاحة، فكثيرا ما يكسر غصونها حين يحرث أرضه، ناهيك بأنه لا يكم

5

فدانه، فينتش رأس غصن من هنا وورقة من هنالك ... وثالثها حفظ التراب فلا تذهب حبة من عنده إلى أرض جاره، فقد كادت أرضه أن تحفى لأنها منحدرة غير مستوية.

قطع الفعلة جذورا واهية فور الشروع في العمل، فتهلل أبو فارس كأنه ملك البصرة ... ولما تعمقوا في النقب رأوا مشهدا لم يكن في الحساب: كانوا يحسبون أن الأشجار تعرف التخوم والحدود، فإذا بظاهر الأرض مقسوم، أما قلبها فمشاع، تسرح فيه الجذور وليس من يقول لها: قفي عندك، هذا حدك. إنها لا تخضع لنواميس الناس وعرفهم.

رأوا الجذور رائحة جائية، متشابكة متعانقة في قلب الأرض كأنها تقول في نفسها: إن سطح الأرض للناس فليقتتلوا عليه، أما قلبها فلنا، نحن الجذور، نعيش فيه بسلام واطمئنان حتى يفرقنا هادم اللذات ...

Неизвестная страница