وأجابت فاطمة وهي تلمح وراء كل كلمة من كلمات أمها أشباح أفراد الأسرة - أسرة أبيها المتحفزة: لا شيء بالطبع، وسأحدثه.
وانتوت أن تحدثه فعلا، وحددت لذلك يوما قريبا سوف تلقاه فيه على موعد، وذهب إلى صديقة لها تزورها، فوجدت سيارة سيد تقف أمام باب عمارة أنيقة، فراق لها أن تفاجئه، وظلت تذرع الشارع ذهابا وإيابا، ولكن فوجئت هي! فوجئت بسيد يخرج متأبطا ذراع فتاة، ولم تع شيئا مما حولها، إلا أنها سارت إلى بيت صديقتها وألقت بنفسها بين ذراعيها وجعلت تنتحب.
وقالت صديقتها تخفف عنها: كلهم يفعلون ما يفعله سيد، ما دمنا نحبهم كما تحبين سيد. إنهم لا يخلصون لنا إلا حين يرون في أعيننا الغدر، أنت غلطانة؛ لأنك جعلته يثق أنه كل شيء في حياتك، إنك لم تفقديه بعد، ولكنك ستفقدينه إن لم تجعليه يفهم أنه ليس وحده الذي يطرق أبواب قلبك.
وكفكفت فاطمة عبراتها بعد حين، وآمنت بدرس صديقتها، وكان موعدها مع سيد يوم الخميس، فخرجت يوم الأربعاء مع زميل له، ولم ترفض دعوته لتوصيلها بسيارته، ولم ترفض بعد ذلك دعوته الخجلة إلى نزهة قصيرة، ولم ترفض بعد ذلك دعوته لها إلى نزهة أخرى مساء السبت، ولم تتعجل ثمرة الدرس، ولكن الأيام تعجلت عمر غرامها؛ فقد شاءت الظروف أن تحتجز سيد يوم الخميس لعلاج مريض، فيعتذر لها بالتليفون فتقبل اعتذاره، في غير اكتراث، استجابة لدرس الصديقة.
ويأتي يوم السبت، وتخرج مع زميلها، وتمضي بالسيارة في طريق الأهرام، وتقف في مكان هادئ، وتلتف ذراع الزميل حول خصرها، فتمد يدها في رقة تحرك ذراعه بعيدا، وتلتقي عيناها بعيني سيد يرمقها في غضب واحتقار، وقد أوشك أن يفلت من يده زمام سيارته، نظرة غضب واحتقار لن تنساها أبدا.
كان من الطبيعي أن يلقاها سيد بعد ذلك، وأن يعاتبها أو يتشاجرا، وكان من الطبيعي أن تبرئ نفسها لديه، فيؤمن ببراءتها ويصفو هواهما من جديد، أو لا يؤمن فيفترقا على خصام، ولكن سيد لم يلقها ولم يعاتبها، وإنما لقيها نبأ زواجه بعد ذلك بيومين، سمعته يتردد على الألسن، ورأت العيون ترنو إليها في رثاء وعطف.
وجرؤت صديقة لها فجاءت تسألها: كيف تزوج سيد؟ ألم تكونا مخطوبين؟ هل فسخت أنت الخطبة؟
وأجابت دون وعي: نعم!
ودارت الألسن تردد الحديث من جديد، دون أن ترنو العيون إليها في عطف ورثاء، بل لعل بعضها كان يخالسها النظر الشرز كأنها امرأة غادرة، وسمعت بأذنيها همسا يردد علاقتها مع زميلها ويصف هواهما، وهي التي لم تره بعد ذلك اليوم ولم تدعه ذلك اليوم يطوق خصرها، بأنه حب جارف عميق، جرف في طريقه عهدها وخطبتها، ألم تقل لمن سألوها إنها هي التي فسخت خطبتها؟
وكانت شجاعتها تعاونها بالنهار، وتتخلى عنها في الليل حين تأوي إلى المنزل وترى أمها، وتسمع في حديثها نبرة الأسى والحزن، وتلمح في عينيها العتاب الحنون الذي لا يبلغ مبلغ الغضب، كانت أمها قد عرفت كل شيء منها، وكانت تسألها دائما وكأنها لا تصدق: لكن كيف تزوج بهذه السرعة دون أن يسألك عن تصرفك معه؟ أينتقم منك بأن يتزوج في يوم وليلة؟
Неизвестная страница