هو بزوجته وأولاده الأربعة.
وهي بزوجها وخمسة أطفال.
وبدأ حديثهما عن المستقبل، وقد نحى كل منهما الحاضر من تفكيره، وراحا يلتقيان كما يلتقي العشاق ويبنيان الآمال ... وحين تحدث أصدقاء مصطفى إليه في أمر هذا التطور في حياته، بدأ يفكر جديا في المأساة، دون أن يخطر بباله أن ينقذ نفسه من شباكها. كان جوابه لكل من صارحه بخطئه أنه يحبها حبا قويا جارفا، لا يملك معه البعد عنها.
وقال سعيد، وهو أقدمنا عهدا بصداقة مصطفى: وأين كان هذا الحب من عشرة أعوام؟
وأجاب حامد: كان موجودا، ألا تعرف أنهما كانا حبيبين منذ الطفولة؟ - أعرف، ولهذا أسأل. - لا أفهم ما تعنيه؟ - هل قص عليك مصطفى كيف بدأ غرامه القديم، وكيف انتهى؟ - لقد انتهى بزواجها طبعا، إنني لا أعرف ما حدث بالضبط؛ فصلتي بمصطفى لا تعدو خمسة أعوام. - أما أنا فأعرف مصطفى منذ عرف الحب، منذ عشرين عاما! حين كان الطفلان يعبثان بالنظرات وهمسات الشفاه، وحين بدأت العيون تجد والشفاه تدفأ، فالطفل فتى والطفلة فتاة، والشفاه الدافئة تنطق كلمات الهوى في ألفاظ ساذجة، ثم تتشجع وتقوى فتصوغ الهوى آمالا، في الزواج، وفي المستقبل.
وراح سعيد يقص ما يعرف عن هذا الحب: إن هذا الحب الجارف طالما عبث بمصطفى، ففجر قلبه بالسعادة أحيانا، حين كانت تبسم له وتشاركه الآمال، وأغرق فراشه أحيانا أخرى بالدموع، حين كانت تثير في قلبه الشكوك والمخاوف، وما أكثر ما أثارت هذه الشكوك، وأوشكت أن تجسمها في خياله حقائق.
وذات يوم أقبل مصطفى على صديقه متجهم الوجه، توشك أن تطفر من عينيه الدموع، وأخذ يقص عليه كيف رأى حبيبته تساير شابا رقيعا، يعرفه تمام المعرفة، على شاطئ النيل قريبا من منزلها.
وقص سعيد علينا كيف هدأ من خاطره، وكيف علل له ما حدث بأنه لا يعدو مغازلة الشاب، وعجزها عن صد هذا الغزل، وكيف استطاع الحب الجارف - لا دفاع سعيد - أن يقلب الحقيقة وهما يضيفها إلى قائمة الشكوك الظالمة، واستراح مصطفى ومضى في حبه هادئ البال، يستعد لامتحان الليسانس.
ومرت الأيام وحل الامتحان.
لم يكن امتحان مصطفى، وإنما امتحان الحب القوي الجارف! حل في صورة رجل ثري، تسير أمامه رثبة أنيقة، وتمشي خلفه عدة فدادين، وبضعة ألوف من الجنيهات.
Неизвестная страница