Географические районы Египта в фараонову эпоху
أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني
Жанры
أما في الدلتا فإن الأحوال كانت مختلفة تمام الاختلاف؛ إذ أن الأرض الخصبة فيها كانت شاسعة الأرجاء، ويمكن بشيء من المجهود القليل اكتساب أرض منها للزراعة وضمها إلى رقعة الجهات المعمورة؛ ومن أجل ذلك نجد ترتيب المقاطعات وعددها مختلفا في كل القوائم التي وصلت إلينا من العهد الفرعوني، وهذا خلافا لما نجده في الوجه القبلي؛ إذ نرى أن المقاطعات مرتبة من الجنوب إلى الشمال كأنها عقد نظمت حباته، كل في مكانها الأصلي، على حين أننا نجد حتى في القوائم القديمة جدا أن الترتيب في الوجه البحري في وضع المقاطعات مفقود، وبخاصة في القسم الشرقي من الدلتا؛ فنجد مثلا أن المقاطعة الأولى منها تجاور المقاطعة الثالثة عشرة، والمقاطعة العشرين تجاور المقاطعة الرابعة عشرة وهكذا.
كل هذا يدل على أن تنظيم الدلتا الإداري والسياسي لم يتم إلا ببطء كبير، وأن عدد مقاطعاتها كان لا يزال 16 حتى عهد الأسرة الثانية عشرة، وحتى في الأسرة التاسعة عشرة لم تتجاوز هذا العدد، وذلك إذا صدقنا ما جاء في قائمة «سيتي» الأول - أما من جهة الترتيب فكان كذلك يختلف من قائمة لأخرى، اللهم إلا في القائمتين اللتين عثرنا عليهما حديثا؛ فيظهر لنا أن الترتيب فيهما كان متفقا في كليهما، ولا يمكننا الجزم بذلك؛ لأن بعض المقاطعات في كل قد وجد مفقودا، ولكن شواهد الأحوال تشعرنا بأنهما كانتا متفقتين في الترتيب تقريبا.
ومع أن عدد المقاطعات في الوجه القبلي كان ثابتا في العهد الفرعوني، فإننا على الرغم من ذلك نجد فيه أحيانا بعض الشذوذ؛ فنجد العدد قد يزيد أو ينقص ولو ظاهرا؛ فمثلا نجد في بعض القوائم أن المقاطعتين 11، 19 قد حذفتا من العدد الأصلي؛ ويرجع ذلك لأسباب دينية، وتفسيرها أن هاتين المقاطعتين كانتا تنسبان للإله «ست» الذي يمثل الشر؛ فكان الكاتب يحذفهما تشاؤما، وعاصمة المقاطعة الأولى منهما هي بلدة «شطب» الحالية، وعاصمة المقاطعة الثانية بلدة «البهتا». كذلك من جهة أخرى نجد في قائمة «رعمسيس الثاني» بالعرابة المدفونة أنه قد زيد إقليمان جديدان على عدد المقاطعات الاثنتين والعشرين، واحد منهما بين المقاطعة الرابعة والخامسة؛ أي بين «الأقصر» و«قفط»، والثاني بين المقاطعتين 14، 15؛ أي بين «القوصية» و«الأشمونين».
ويمكننا من كل ما سبق أن نستخلص أن العدد الرسمي للمقاطعات وهو 42، قد يجوز أنه كان موجودا في العهد الفرعوني في صورة دينية، وإن لم نعثر عليه بصورة كاملة في العهد الفرعوني في القوائم التي وصلت إلينا إلى الآن. على أن القوائم التي ذكرت لنا أسماء المقاطعات كاملة ترجع كلها للعهد الإغريقي الروماني، ولا بد أنها ترتكز على أصل ديني توارثه القوم منذ أقدم العهود، كما هو شأن المصري يحافظ على القديم ويضيف إليه ما يستجد دون مساس به. ولا أدل على ذلك مما حدث في عهد «بطليموس التاسع» وهو الإسكندر الأول؛ إذ قد وصل عدد المقاطعات في عهده إلى تسعين مقاطعة؛ فقد دون هذا الملك على الجزء الأسفل من واجهة السور الداخلي لمعبد «إدفو» قائمة بأسماء المقاطعات التي انقسم إليها القطر المصري، غير أننا نجد أنه قد أضاف إلى العدد التقليدي - وهو ال 42 للوجهين القبلي والبحري - 28 إقليما، منها 14 للوجه القبلي و14 للوجه البحري. ومما يلفت النظر في ذلك أن المصري قد راعى في ذلك الموازنة في القسمة بين الأرضين - أي الوجه القبلي والبحري - كما كان يفعل في كل الأمور. على أن هذه الأقسام الجديدة أو المراكز كما يسميها بعض الجغرافيين ليست إلا أقاليم انتزعت من المقاطعات الأصلية، ثم أصبحت مستقلة في إدارتها، وربما قد حدث هذا التغيير لأسباب اقتصادية وزراعية استلزمتها أحوال البلاد؛ فيلاحظ من هذا أن المصري كان يعمل كل تغيير يريده مع المحافظة على التقاليد، وبخاصة ما كان يمس الدين.
على أن هذا التغيير المستمر في عدد المقاطعات كان أمرا طبيعيا؛ فقد ذكر لنا كتاب الإغريق أعدادا مختلفة تزيد وتنقص حسب الأحوال الاقتصادية؛ فقد ذكر لنا «استرابون» مثلا أن عدد المقاطعات كان 36، وذكر «بليني» أنه كان 48، وقال «بطليموس»: إنه وصل إلى 47.
وإذا كانت القوائم التقليدية التي وجدناها بأسماء المقاطعات على جدران معابد البطالسة ترجع في أصلها إلى منبع فرعوني ديني قديم - وهذا لا شك فيه - فإن التفسيرات الملحقة بهذه القوائم تكشف لنا النقاب عن حقائق جغرافية ودينية واجتماعية لم نعثر على جميعها بعد في نقوش العهد الفرعوني التي وصلت إلينا حتى الآن. ونحن نستقي تلك المعلومات من القوائم التي نقلها الأثري العظيم «هنري بركش» في قاموسه الجغرافي عن قوائم بمعبد «إدفو» وغيره ص1358؛ فهو يذكر لنا أولا الأسماء الرسمية لمقاطعات الوجه القبلي، كل بشارتها، وعاصمة كل منها، والعضو الذي دفن فيها من جسم الإله «أوزير»، والآلهة المحلية التي كانت تعبد في المقاطعة، ثم أسماء معابدها، ولقب الكاهن الأعظم، والكهنة الآخرين الذين كانوا يخدمون في المعبد، ثم يذكر لنا اسم الكاهنة العظيمة، ثم اسم سفينة الإله التي كان يحمل فيها وقت الأعياد، واسم الشجرة المقدسة التي كانت تقدس في عاصمة المقاطعة، ثم يذكر لنا قائمة بأسماء الأعياد المحلية التي كانت تقام احتراما للآلهة، ثم يذكر لنا أسماء الأشياء المحرم إتيانها، ثم اسم الثعبان المقدس الخاص بكل مقاطعة، وهو الذي كان يقوم بحراستها من الأعداء.
أما عن طبيعة المقاطعة نفسها فتذكر لنا تلك القوائم أولا: اسم القناة أو الترعة التي تروي المقاطعة، ثانيا : الإقليم الزراعي، ويتألف من حقول وكروم تزرع، وهذا الإقليم هو أرض تروى بالنيل، وبعضها يكون مرتفعا وبعضها منخفضا، حسب موقعها من النيل؛ فكأنه إذن يعطينا صورة طبيعية للإقليم. ثم تذكر لنا الأراضي الواقعة على حدود المقاطعة عند حافة الصحراء، وتشتمل على مناطق للرعي وأخرى لصيد البر وصيد الماء؛ لأنها غالبا تكون مستنقعات؛ فالمقاطعة في الواقع هي منطقة تستغل زراعيا من جهة، ومن جهة أخرى تصرف منها الأمور الإدارية، حيث كانت السلطة التقليدية في يد إله العاصمة الذي كان يحمل لقب «نب»؛ أي رب المدينة، ويدير شئون حكومة هذا الإله حاكم المقاطعة أو الفرعون حسب الأحوال السياسية التي كانت تسود في البلاد. والواقع أن السلطة في كل مقاطعة كانت في جوهرها دينية، وكان حاكم المقاطعة أو الملك يمثل في هذه الحالة الإله.
كل هذه التفسيرات وجدناها ملحقة بقوائم المقاطعات التي وجدت منقوشة على جدران معابد عصر البطالسة والعصر الروماني، غير أننا لم نعثر على مثلها مجتمعة في العصور الفرعونية كما ذكرت من قبل، وقد أخذها علماء الآثار على أنها كانت كلها بتفصيلاتها منقولة عن أصول مصرية عريقة في القدم؛ أي أن المصري كان جامدا لم يتزحزح قيد شعرة عما كان عليه منذ عصر ما قبل التاريخ. والواقع أن المصري كان في الحقيقة محافظا على القديم، غير أنه في الوقت نفسه كان يتمشى مع الزمن وما تقتضيه الأحوال وسنن الرقي، وإلا ما وصل إلى ما وصل إليه من الحضارة التي تعد بحق الآن المنبع الأصلي لكل مدنيات العالم القديمة، وهي تلك الحضارة التي بني عليها مجد العالم الحديث، ولا أدل على تمشي المصري مع مقتضيات الأحوال والزمان والمكان في رقيه وحضارته بخطى ثابتة تدرج نحو الرقي، من أننا إذا قرنا أحواله في عصر من العصور بما يليه لوجدنا أن الفرق شاسع، وأنه ليس بالفرد الجامد الذي رسم لنفسه دائرة منذ القدم ولم يخرج عن طوقها طوال عصور تاريخية.
ولدينا وثيقة هامة عن نظام المقاطعات المصرية في عهد الأسرة الثانية عشرة تثبت لنا صحة هذا الرأي. وقد أمكننا بعد نظرة خاطفة أن نستخلص منها بعض حقائق هامة ذات علاقة وثيقة بالبلاد المصرية من الوجهة الجغرافية والدينية والزراعية، غير أن هذه النواحي لا تزال تحتاج إلى درس طويل عنيف، ربما استغرق زمنا طويلا، ولكني بعد محاولات شاقة في درس متون هذه الوثيقة سأجتهد في أن أضع أمامكم أهميتها، وما يمكن أن يؤدي إليه درسها دراسة وافية من نتائج جديدة لتاريخ البلاد من الوجهة الجغرافية والدينية والزراعية.
والوثيقة التي أشير إليها، هي قائمة فريدة في بابها بأسماء مقاطعات القطر المصري في أوائل حكم الأسرة الثانية عشرة، وقد عثر عليها في ظروف غريبة في بابها جاءت عن طريق محض الصدفة. وتفصيل ذلك أن المهندس «شفرييه» - مدير أعمال معبد «الكرنك» - عندما كان يشتغل في إصلاح البوابة الثالثة التي أقامها الفرعون «أمنحوتب الثالث» في معبد «الكرنك» للإله آمون، اتضح له أن حشو هذه البوابة كان يتألف من أحجار معبدين: الأول منهما كان قد أقامه الفرعون «سنوسرت الأول» ثاني ملوك الأسرة الثانية عشرة، والثاني أقامته الملكة «حتشبسوت وتحتمس الثالث» زوج ابنتها حتشبست لنفس الإله «آمون» في الأسرة الثامنة عشرة. وقد وجدت أحجار المعبد الأول الذي يرجع إلى الأسرة الثانية عشرة كاملة تقريبا، وقد عثر على أحجار كثيرة من المعبد الثاني. ولا ندري لماذا استعمل «أمنحوتب» أحجار هذين المعبدين في بناء بوابة لنفس هذا الإله، أكان ذلك خوفا على أحجارهما من الضياع على يد العابثين أم كان ذلك اقتصادا في قطع الأحجار؟
Неизвестная страница