وهنا سألت إيفا طربة: «عروس من؟ عروس من؟»
وقف ديفيد - ابن فاليري، طالب التاريخ البالغ من العمر 21 عاما - في مدخل غرفة المعيشة وعلى محياه ابتسامة تسامح ومودة استجابة للجلبة. وديفيد طويل القامة، نحيل البدن، داكن شعر الرأس، أسمر البشرة - شأنه شأن أمه وأخته - لكنه رزين خفيض الصوت وبعيد كل البعد عن التهور والطيش. في هذه الأسرة التي يتقيد أفرادها بكثير من الضوابط، يلاحظ أن السيدتين المفعمتين بالحيوية طليقتي اللسان تذعنان لديفيد بطريقة رسمية ما وكأنهما تلتمسان حمايته، مع أنه من المستبعد أن تحتاجا إلى الحماية تحديدا.
عندما خفتت حدة مراسم الترحاب، قال ديفيد: «دعوني أعرفكم بكمبرلي.» وعرفهم جميعا الواحد تلو الآخر بالفتاة المتأبطة ذراعه. كمبرلي فتاة أنيقة جدا وحسنة المظهر، كانت ترتدي تنورة بيضاء وقميصا ورديا بأكمام قصيرة. وهي ترتدي نظارة ولا يزدان وجهها بأي زينة؛ شعرها قصير ومنسدل وأنيق، ويميل لونه إلى البني الفاتح المحبب إلى النفس. صافحت كلا منهم ناظرة إلى أعينهم عبر نظارتها، ومع أن سلوكها مهذب جدا، بل وحتى يكاد يكون فيه مسحة تحفظ، ثمة إحساس طفيف - وهي تصافحهم - بأنها مسئول رسمي يرحب بأعضاء وفد طائش وعجيب.
تمتد علاقة فاليري بكل من جورج وروبرتا سنوات طويلة، وكانت تعرفهما قبل أن تجمع بينهما أية علاقة منذ فترة طويلة؛ فقد كانت هي وجورج ضمن العاملين بالمدرسة الثانوية نفسها بتورونتو. وكان جورج رئيس قسم الفنون، بينما كانت فاليري استشارية المدرسة، وكانت تعرف زوجة جورج عصبية المزاج الأنيقة التي قضت نحبها في حادث سقوط طائرة بولاية فلوريدا. إبان تلك الفترة كان جورج وزوجته منفصلين.
وبطبيعة الحال تعرف فاليري روبرتا لأن روبرتا هي زوجة ابن عمها آندرو. لم تهتم فاليري كثيرا لأمر زوج روبرتا، ولا هو اهتم لأمرها، وكل منهما وصف الآخر لروبرتا على أنه شخص يبعث على الضجر. فكان آندرو يقول دائما إن فاليري غريبة الهيئة مملة، وغير مثيرة بالمرة. وعندما أسرت روبرتا لفاليري بأنها ستهجره، قالت فاليري: «حسنا فعلت؛ فهو إنسان ممل.» سعدت روبرتا إذ وجدت هذا التعاطف، وشعرت بالسرور لأنها لن تضطر إلى التنقيب عن أسباب وجيهة لهجره؛ يبدو أنها حدثت نفسها بأن كونه مملا سبب وجيه بالقدر الكافي. وفي الوقت نفسه، كانت روبرتا تحدوها رغبة في الدفاع عن زوجها ومعرفة السبب وراء رأي فاليري أنه يبعث على الضجر، بل ولا تستطيع أن تتخطى فكرة رغبتها في الدفاع عنه حيث كانت تشعر بأن زواجه منها كان من سوء طالعه هو.
عندما رحلت روبرتا عن زوجها وغادرت هاليفاكس، أقامت لدى فاليري في تورونتو. وهنالك التقت بجورج الذي دعاها لزيارة مزرعته. وتزعم فاليري الآن أنهما يدينان لها بعلاقتهما التي هي ثمرة التوفيق بينهما بمحض الصدفة.
قالت فاليري: «كانت تلك المرة الأولى التي أشهد فيها الحب وهو يترعرع أمام عيني؛ بدا الأمر وكأنني أراقب ثمار الأمارليس وهي تنمو. يا له من أمر مذهل!»
لكن روبرتا - بقدر حبها لهما وتمنياتها لهما بالخير - كانت تتبنى فكرة أن الحب شيء تستطيع فاليري حقا أن تحيا دون أن يذكرها أحد به. في حضرة فاليري، يتساءل المرء أحيانا عن سبب الجلبة. فاليري نفسها تتساءل. فحياتها ووجودها، أكثر من أي رأي تعرب عنه، هما ما يذكران المرء بأن الحب ليس بالعاطفة الحميدة المخلصة وليس من المضمون أن يفضي إلى السعادة.
عندما تحدثت مع روبرتا عن جورج (قبل أن تعرف أن روبرتا واقعة في حبه)، قالت فاليري: «إنه رجل غامض بحق. أراه مثاليا جدا، وإن كان قد لا يروق له وصفي هذا. إنه مثالي؛ أقصد هذه المزرعة التي اشتراها، وهذه الحياة المثمرة النائية التي تكفيه ذاتيا في الريف.» واصلت حديثها عن طفولته وكيف ترعرع في تيمنس ابنا لصانع أحذية مجري، وكان أصغر إخوته الستة، وأول من أنهى المرحلة الثانوية منهم، ناهيك عن الجامعة. «إنه الشخص الذي يعلم تمام العلم كيف يقاتل أحدهم في الشارع، لكنه لا يعلم كيف يسبح. ولقد أحضر أباه العجوز سيئ الطباع محني الظهر إلى تورونتو وتعهده بالرعاية حتى وافته المنية. أعتقد أنه يعامل النساء بقسوة نوعا ما.»
أنصتت روبرتا إلى كل ذلك بأذن مصغية ولكن بلامبالاة في الأساس لأن ما يعرفه الآخرون عن جورج بدا بالنسبة لها غير ذي أهمية. كانت تشعر بالخطر والسعادة؛ فهي لم تكن تضع في حسبانها الوقوع في الحب. وجل ما كانت تعقد الآمال عليه هو أن تحيا حياة فاليري؛ فقد رسمت صور كتابين للأطفال، وظنت أنها تستطيع الحصول على عمولات أكثر؛ وحينئذ سيتسنى لها استئجار غرفة في حي بيتشيز شرقي تورونتو، وتدهن الجدران باللون الأبيض، وتجلس على وسادات بدلا من المقاعد، وتتعلم كيف تنظم نفسها وتفعل ما تحب في آن واحد، هكذا هي حياة المنعزلين بحسب ظنها. •••
Неизвестная страница