في يوم آخر، تحدثت معي عن دورتها الشهرية التي كانت غزيرة ومؤلمة، وسألتني عن دورتي. تبدت على وجهها تعبيرات عدم الارتياح، والحرج، والاضطراب. أنقذتني أيرين التي تصادف وجودها في دورة المياة حينها، وصاحت: «افعلي مثلي، وستتخلصين من كل مشاكلك فترة من الوقت.» كانت أيرين تكبرني ببضعة أعوام، لكنها تزوجت مؤخرا - وفي سن متأخرة - وكانت في الأشهر الأخيرة من حملها.
تجاهلتها جلاديس، وتركت الماء البارد ينساب على يديها. كانت أيادينا جميعا حمراء ملتهبة من العمل. قالت جلاديس: «لا أستطيع استخدام هذا الصابون. لو استخدمته، فسيصيبني بالطفح الجلدي. ولو أحضرت الصابون الخاص بي هنا، فلن أتحمل تكلفة استخدام الآخرين له؛ لأنني أدفع ثمنا باهظا في شرائه؛ إنه صابون خاص مضاد للحساسية.»
أعتقد أن الفكرة التي طرحتها ليلي ومارجوري - بخصوص سعي جلاديس وراء هيرب آبوت - نبعت من اعتقادهما بأنه لا بد من مضايقة العزباوات وإحراجهن كلما أمكن ذلك، وأيضا من اهتمامهما بهيرب، الذي دفعهما إلى الشعور بأنه لا بد وأن يكون مطاردا من قبل إحدى النساء. كانتا تسألان عنه، ومن بين أسئلتهما: كيف يمكن لرجل أن يكون زاهدا هكذا؟ لا زوجة، ولا عائلة، ولا بيت. كانت تفاصيل حياته اليومية وأدق تفضيلاته محط اهتمامهما. أين ترعرع؟ إلى أي مرحلة وصل في تعليمه؟ أين حبيبته؟ هل سيشرب القهوة أم الشاي لو خير بينهما؟
عندما كانتا تتحدثان عن سعي جلاديس خلفه، لا بد وأنهما كانتا تريدان حقا التحدث عن الجنس - ما يريده وما لديه ليعطيه. لا بد وأنهما شعرتا بفضول شهواني تجاهه، مثلما حدث معي. لقد أثار لدينا هذا الإحساس بسبب تحفظه، وعدم المزاح كغيره من الرجال، وفي نفس الوقت بسبب عدم إفراطه في الاحتشام أو التأدب. بعض الرجال - أثناء استخراج الخصيتين من ديك الحبش أمامي - إما أن يتصرفوا كما لو كان وجود الخصيتين مزحة سخيفة بعض الشيء يمارسونها علي، أو شيئا يوفر سببا للسخرية من فتاة مثلي؛ بينما هناك نوع آخر من الرجال ربما يشعر بالحرج وبضرورة رفع الحرج عني؛ ولذا فإن رجلا لا ينتمي لهذا النوع أو ذاك كان مثيرا للفضول في نظري، وربما في نظر النساء الأكبر مني سنا. لكن الأمر الذي كان محل ترحيب كبير لدي كان في الوقت نفسه مزعجا لزميلتي. لقد أرادتا أن تحفزاه؛ بل وأن تحفزه جلاديس إن استطاعت.
لم تكن هناك أية فكرة وقتئذ - على الأقل في لوجان بأونتاريو في نهاية الأربعينيات - بوجود الجنسية المثلية إلا في أضيق الحدود. كانت النساء يعتقدن في ندرتها واقتصارها على نطاقات معينة. كان هناك شواذ نعرفهم في المدينة، شخص أنيق أجعد الشعر هادئ الصوت يعمل في تركيب أوراق الحائط ويسمي نفسه مصمم ديكور داخلي؛ والابن الوحيد المدلل والسمين لأرملة القس، الذي وصل به الأمر إلى حد الاشتراك في مسابقات الخبز، فضلا عن حياكته مفرش مائدة باستخدام الكروشيه؛ وعازف الأرغن بالكنيسة المصاب بالوسواس المرضي الذي يعمل مدرس موسيقى، والذي كان يجعل أفراد الجوقة الموسيقية وتلاميذه يتبعونه في نوبات غضب يغلب عليها الصراخ. ما إن يشتهر أحد باللقب حتى ينال قدرا كبيرا من التساهل من جانب الآخرين، وتصبح موهبته سواء في التصميم أو الكروشيه أو الموسيقى محط تقدير، خصوصا من جانب النساء اللائي يقلن: «المسكين. إنه لا يؤذي أحدا.» على ما يبدو كان الناس يعتقدون - أو هكذا كانت النساء - أن الولع بالخبز أو الموسيقى هو العامل المحدد لأن يكون المرء شاذا، وأن هذا النشاط هو ما يجعله كذلك، وليس أي منعطفات أخرى قد يسلكها أو يتمنى أن يسلكها. كانت الرغبة في عزف الكمان تؤخذ دليلا على الانحراف عن السلوك الرجولي لا كرغبة في اجتناب النساء. والحقيقة أن الفكرة السائدة كانت أن أي رجل يتمتع بالرجولة يجتنب النساء، لكن اكتشف أمر معظمهم وإلى الأبد.
لا أريد أن أخوض في مسألة ما إذا كان هيرب شاذا أم لا؛ لأن تحديد ذلك أمر لا يهمني. أعتقد أنه ربما كان كذلك، لكن قد لا يكون. (لن أغير اعتقادي هذا حتى بالنظر إلى ما حدث لاحقا.) هيرب ليس باللغز الذي يحل اعتباطيا. •••
كان العامل الآخر - الذي يعمل مع أيرين في نتف الريش - أحد جيراننا ويدعى هنري ستريتس. لم يكن هناك ما يميزه باستثناء أنه في السادسة والثمانين من العمر ولا يزال شعلة نشاط في عمله - حسب وصفه لنفسه. كان يضع الويسكي في الوعاء الحافظ للبرودة، ويحتسي منه من وقت إلى آخر على مدار اليوم. هنري هو من قال لي في مطبخنا: «يمكنك الحصول على وظيفة في حظيرة الحبش؛ فهم يريدون شخصا آخر يقوم على استخراج الأحشاء.» قال أبي فورا: «دعك منها يا هنري، فأصابعها كلها قصيرة.» وقال هنري إنه كان يمزح؛ إذ كان يراه عملا مقززا. لكنني كنت قد قررت بالفعل خوض التجربة؛ إذ كنت في أمس الحاجة للنجاح في عمل كهذا. كدت أشعر في ذلك الحين بنفس شعور شخص يافع يخجل من أنه لم يتعلم القراءة؛ هكذا كان شعوري حيال عجزي عن إتقان الأعمال اليدوية. وكان العمل - بالنسبة إلى جميع من أعرفهم - يعني أداء المهام التي لم أكن أجيدها، وكان العمل هو ما يفتخر به الناس ويقيم بعضهم بعضا عليه. (من المنطقي أن تكون الأعمال التي أجيدها - مثل واجبات المدرسة - محل ظنون، أو ينظر إليها بازدراء تام.) لذا كان مفاجأة وانتصارا لي فيما بعد ألا أفصل من العمل، وأن أستطيع تنظيف الديوك نظافة لا بأس بها. لا أعلم ما إذا كنت أدرك تماما مدى مسئولية هيرب آبوت عن هذا، لكنه كان يقول أحيانا: «أحسنت.» أو يربت على خصري ويقول: «أنت تبلين بلاء حسنا في هذا العمل.» وعندما أشعر بلمسته الرقيقة والسريعة فوق سترتي الثقيلة وثوبي الملطخ بالدماء، كانت وجنتاي تتوردان وأود أن أميل نحوه وهو يقف ورائي. أردت أن أريح رأسي على كتفه الممتلئة العريضة. وعندما أخلد للفراش في المساء، وأرقد على جانبي، كنت أحرك وجنتي على الوسادة وأتخيلها كتف هيرب.
كنت مهتمة بطريقة حديثه مع جلاديس، والطريقة التي ينظر بها إليها. لم يكن اهتمامي بدافع الغيرة. أعتقد أنني أردت أن يحدث شيء بينهما. كنت أرتعد في ترقب فضولي، مثلما كانت ليلي ومارجوري تفعلان. كلنا أردنا رؤية بصيص الشبق في عينيه، وسماعها في صوته، ليس من منطلق ظننا أن هذا سيجعله يبدو كغيره من الرجال، لكن لأننا كنا نعرف أن الأمر معه سيكون مختلفا تماما؛ فقد كان أكثر عطفا وصبرا من معظم النساء، وفي الوقت نفسه جادا وانعزاليا - في بعض النواحي - كأي رجل. أردنا أن نرى كيف يكون تحريك مشاعره.
لم تبد جلاديس أي أمارة على أنها تريد ذلك هي الأخرى، حتى وإن كانت هذه هي حالها. من المستحيل أن أقول عن النساء مثلها إن كن متبلدات الإحساس فاترات العاطفة كما يبدو عليهن، لا يردن شيئا سوى مناسبة تثير غضبهن وتشعرهن بالامتهان، أو كن يكتوين بنيران الكآبة والولع الذي لا طائل منه.
تحدثت مارجوري وليلي عن الزواج. لم يكن لديهما الكثير لتقولاه بهذا الشأن، رغم إحساسهما بأنه حالة لا يجب السماح لأي أحد بالابتعاد عنها. قالت مارجوري إنه بعد زواجها بفترة قصيرة ذهبت إلى كوخ تخزين الحطب بنية تناول مركب «أخضر باريس» السام.
Неизвестная страница