لعدم فهم مَذْهَب الْقَائِل بالجهة فَإِن الْقَائِل بالجهة يَقُول إِن الْجِهَات تَنْقَطِع بِانْقِطَاع الْعَالم وتنتهي بإنتهاء آخر جُزْء من الْكَوْن وَالْإِشَارَة إِلَى فَوق تقع على أَعلَى جُزْء من الْكَوْن حَقِيقَة كَمَا مر
قَالُوا وَمِمَّا يُحَقّق هَذَا أَن الْكَوْن الْكُلِّي لَا فِي جِهَة لِأَن الْجِهَة عبارَة عَن الْمَكَان والكون الْكُلِّي لَا فِي مَكَان فَلَمَّا عدمت الْأَمَاكِن من جوانبه لم يقل إِنَّه يَمِين وَلَا يسَار وَلَا قُدَّام وَلَا وَرَاء وَلَا فَوق وَلَا تَحت
وَقَالُوا إِن مَا عدا الْكَوْن الْكُلِّي وَمَا خلا الذَّات الْقَدِيمَة لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يشار إِلَيْهِ وَلَا يعرف بخلاء وَلَا ملاء وَانْفَرَدَ الْكَوْن الْكُلِّي بِوَصْف التحت لِأَن الله تَعَالَى وصف نَفسه بالعلو وتمدح بِهِ
وَقَالُوا إِنَّه سُبْحَانَهُ أوجد الأكوان فِي مَحل وحيز وَهُوَ سُبْحَانَهُ فِي قدمه منزه عَن الْمحل والحيز فيستحيل شرعا وعقلا عِنْد حُدُوث الْعَالم أَن يحل فِيهِ أَو يخْتَلط بِهِ لِأَن الْقَدِيم لَا يحل فِي الْحَادِث وَلَيْسَ هُوَ محلا للحوادث فَلَزِمَ أَن يكون بَائِنا عَنهُ وَإِذا كَانَ بَائِنا عَنهُ فيستحيل أَن يكون الْعَالم فِي جِهَة الفوق والرب فِي جِهَة التحت بل هُوَ فَوْقه بالفوقية اللائقة بِهِ الَّتِي لَا تكيف وَلَا تمثل بل تعلم من حَيْثُ الْجُمْلَة والثبوت لَا من حَيْثُ التَّمْثِيل والتكييف فيوصف الرب بالفوقية كَمَا يَلِيق بجلاله وعظمته وَلَا يفهم مِنْهَا مَا يفهم من صِفَات المخلوقين
وَقَالُوا إِن الدَّلِيل الْقَاطِع دلّ على وجود البارئ وثبوته ذاتا بِحَقِيقَة الْإِثْبَات وَأَنه لَا يصلح أَن يماس المخلوقين أَو تماسه
1 / 93