والمتنبي سيد الكذابين؛ لأنه لم يشب في سن العشرين، وكان في الأرض من المتكبرين.
ومن عجيب اختراعاتهم الدمعة أن دموع بعضهم تجري من غير عيونهم - تجري من أعضاء الجسم الأخرى، ومن كل حواسه. فتبكي اليد مثلا على الأذن، وتبكي الضلوع على الصدر، والصدر على الكبد، والكبد على الكليتين، اسمع ابن المعتز يقول في موشح له:
غشيت عيناي من طول البكا
وبكى بعضي على بعضي معي
ثم قال في المقطع التالي مكذبا نفسه:
كلما فكر بالبين بكى
ويحه يبكي لما لم يقع
وهذا لعمري حال الأكثرين من شعراء الدموع، فهم إما مقلدون وإما سباقون للحوادث المفجعة فيبكون قبل أن تقع، ومتى وقعت - إذا ما وقعت - ماذا يفعلون؟ قد قيل لنا، بالرغم من ذلك: إن أطهر الدموع بعد دموع الأمهات دموع الشعراء ...
الشعراء الصادقين نعم سمعنا وآمنا، فالشعراء الصادقون على قلتهم فريقان، فريق «يمثل في المحيط الباكي بكاه» فيبكون ثم يبكون فتتقرح كمدامع الخرفان مدامعهم، وتبكي حتى الذئاب معهم، إن دموعهم كدموع النساء والأطفال ولها في الشعر قيمتها، أما الغلو في تقديرها فمنبوذ، وكل نقادة شعر محترم الرأي يرفض النظرية التي ترفع الأدب الباكي، أو قطعة من الشعر الدميع إلى ذروة عالية من الفن، أما الفريق الثاني من «يحملون من الألم رمز الألم» فهم لا يبكون ولا يستبكون، هم ينبهوننا يستيقظوننا يشحذون فينا سيف النقمة يستفزوننا لجميل الأفكار، وشريف المقاصد والأعمال، هم الذين تتمثل في أنفسهم آلام الناس فتفيض، فتغمر آلامهم الشخصية كلها.
1
Неизвестная страница