ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد، فهي من أجل هذا ميزان قدرتنا على التصرف، وميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله، وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة ...
فالذي يعرف قيمة وقته يعرف قيمة حياته، ويستحق أن يحيا وأن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهب؛ لأن مالك وقته يملك كل شيء، ويصبح في حياته سيد الأحرار.
إن أفرغ الناس هو الذي لا يستطيع أن يملأ ساعات فراغه، وعندنا في الشرق كثيرون، بل كثيرون جدا، من هؤلاء الفارغين.
على القهوات، وعلى أفاريز الطرقات، في الصباح وفي المساء، خلال أيام الصيف وخلال أيام الشتاء ...
في كل وقت وكل موسم وكل مكان ألوف من الشبان الأقوياء والرجال الناضجين يقضون ساعات الفراغ في لعب النرد والورق، أو في تعاطي الراح والدخان، أو في مراقبة الغادين والغاديات والرائحين والرائحات.
ليس هذا وقتا فارغا لأنهم مشغولون فيه، وليس هذا وقتا مملوءا لأنهم يملأونه بما هو أفرغ من الفراغ.
هذا ليس بوقت على الإطلاق ...
هذا عدم خارج من الزمان، خارج من الحياة!
وليس معنى «وقت الفراغ» أنه الوقت الذي نستغني عنه ونبدده ونرمي به مع الهباء، ولكن وقت الفراغ هو الذي بقي لنا لنملكه ونملك أنفسنا فيه، بعد أن قضينا وقت العمل مملوكين مسخرين لما نزاوله من شواغل العيش وتكاليف الضرورة.
قرأت مرة في تاريخ أمريكا الشمالية أن الإنجليز والفرنسيين تسابقوا على استعمار «كندا»، فنجح الإنجليز حيث أخفق الفرنسيون ... لماذا؟
Неизвестная страница