ويأتي دور القاضي في الشماتة والنكاية، ويعود إلى الفتاوى الشرعية التي يكرهها «علوب» فيقول له: قطعة بخمسة يا صاحبي، يعني خمسة مليمات، أتحلف بالطلاق أن القرش التعريفة لا يسمى قطعة بخمسة يا «شيخ علوب»؟ ... إن حلفت فلك خمسة القروش التي تريدها، ولكن - يا «شيخ علوب» - حاسب قبل اليمين ... كم مؤخر صداق «الولية» يا أبا العلاليب؟!
وهكذا تنقضي مجالسه في سرور وفائدة وإيناس، ولا أدري على التحقيق كيف تعلم ألعاب الحواة وأشباهها من الحيل الحسابية والسينية، ولكني لاحظت عليه أنه لا يرى أمامه بابا للمعرفة إلا تطرق إليه، ومن ذلك أنه تعلم الإنجليزية؛ لأن مجلسه كان يجمع بعض الأدباء المحيطين بها، ومنهم المرحوم نعوم شقير الذي كان يومئذ مترجما بمعسكر أسوان، فانتهز هذه الفرصة ليتعلم عليه الإنجليزية، ويعلمه درسا في الآداب العربية ...
وليس الشغف بالمعرفة على هذا النحو بالخلق المستغرب من تلاميذ جمال الدين، فلولا حبهم للمعرفة ومخاطرتهم في سبيلها لما عرفوه.
وقد حببت مجالس الجداوي الأدب إلى نفسي لأول مرة، ورغبت أن أتخذه فنا أضرب فيه بسهم، كما ضرب فيه الأستاذ، وصرت من ذلك الحين مهتما بحفظ الشعر، ومطالعة كتب الأدب.
ومما يلذ ذكره أنني لما أغرمت بالأدب أخذت أتمرن على نظم الشعر، وساعدني في ذلك مباراتنا المدرسية التي كان الناظر يعقدها لنا في إلقاء الشعر العربي، حتى كنت أستعيض عن محفوظاتي الشعرية بأبيات أنظمها من تلقاء نفسي، وكانت أول أبيات نظمتها - وأنا لم أتجاوز الحادية عشرة - هذه الأبيات التي أذكرها هنا على سبيل الفكاهة:
علم الحساب له مزايا جمة
وبه يزيد المرء في العرفان
النحو قنطرة العلوم جميعها
ومبين غامضها وزين لسان
وكذلك الجغرافيا هادية الفتى
Неизвестная страница