143

لم تنقص رغبتي في طيبات الحياة، ولكنني اكتسبت صبرا على ترك ما لا بد من تركه، وعلما بما يفيد من السعي في تحصيل المطالب وما لا يفيد ... •••

وارتفع عندي مقياس الجمال، فما كان يعجبني قبل عشر سنين لا يعجبني الآن، فلست أشتهي منه أكثر مما أطيق ...

كنت قبل عشرين سنة كما أنا الآن ... قليل الرجاء في خير بني الإنسان، وكنت أقول قبل عشرين سنة:

بحسبي من أبناء آدم إن صفا

لي العيش يوما أن تكف أذاها

ولكن فلسفة الشعور هنا قد تحولت إلى فلسفة العمل، ولا أطيل في شرح هذا الفارق بين الفلسفتين، ولكنني أبينه بمثل من الأمثلة العملية يغني عن الشروح والنظريات ...

كنت أقول لمن معي في مسكني إذا نمت أو تفرغت للكتابة: لا توقظوني ولا تقاطعوني إذا دق التليفون أو جاءكم زائر ... ما عدا هذا الاستثناء، وذاك الاستثناء، وذلك الاستثناء، أما اليوم فلا استثناء على الإطلاق.

كنت أحب الحياة كعشيقة تخدعني بزينتها الصادقة وزينتها الكاذبة، فأصبحت أحبها كزوجة أعرف عيوبها وتعرف عيوبي، ولا أجهل ما تبديه من زينة وما تخفيه من قبح ودمامة ...

وتلك فيما أرى نماذج كافية لبيان الفوارق بين الفترتين ... فترة الستين، وفترة الخمسين، أو ما قبلها من أرقام العقود! ...

وفي الجملة يتبين لي من التجربة والاختبار أن المشتغلين بالأعمال الفكرية لا تهيض السن من قدرتهم كما تهيض من قدرة العاملين بالعضلات، وما يشبه العضلات ...

Неизвестная страница