114

ب إلى قاصد له بالتواء

وربما خطر للفريسة المخدوعة أنها تهرب وتمعن في الهرب، وهي تقترب في كل خطوة من الشرك المنصوب في الخفاء، وربما أنكر المحب أنه محب كما ينكر السكران أنه سكران، بل لعله يشتد في الإنكار كلما اشتد به الدوار، ولا يدري أنه قد سكر حقا إلا حين يأخذ في الإفاقة، ويقوى بعض القوة على فتح عينيه وتحريك قدميه.

وأوجز ما يقال : إن الحب قضاء يملك الإنسان ولا يملكه الإنسان، ولو دخل في مشيئته لما استولى عليه، ولا غلبه على أمره ...

قال بعض الحكماء: إن الحجر الذي تقذفه بيديك يحسب أنه يطير في الجو باختياره، لو كان له شعور ...

وهكذا يحسب العاشق وهو يتهالك على معشوقته ... يحسب أنه هو الذي يريد ما يصيبه، ولا يزال على حسبانه حتى يحاول ألا يريد، فلا يستطيع ...

وخلاصة القول: إن الحب عواطف كثيرة، وليس بعاطفة واحدة، ومن هنا كان أقوى وأعنف من العواطف التي تواجه النفس على انفراد ...

ففيه من حنان الأبوة، ومن مودة الصديق، ومن يقظة الساهر، ومن ضلال الحالم، ومن الصدق والوهم، ومن الأثرة والإيثار، ومن المشيئة والاضطرار، ومن الغرور والهوان، ومن الرجاء والقنوط، ومن اللذة والعذاب، ومن البراءة والإثم، ومن الفرد الواحد، والزوجين المتقابلين، والمجتمع المتعدد، والنوع الإنساني الخالد على مدى الأجيال ...

والذي يعجب لذلك يعجب في الحقيقة من أقرب الأشياء إلى المألوف، وأبعدها من العجب والغرابة.

فكيف يكون الحب شعورا يستولي على نفسين كاملتين، ثم يخلو من كل ما يخامر النفوس في مختلف الأوقات والأحوال؟!

وكيف يكون الحب مشتملا على جسدين، ثم لا يضطرب فيه النزاع بين الجسدين والنفسين كما يضطرب الجسد الواحد في منازعة النفس الواحدة، ثم يزيد على هذا الاضطراب؟!

Неизвестная страница