٢٧- إن الليل طويل وأنت مقمر
٢٨- أضرطا وأنت الأعلى
٢٩- العاشية تهيج الآبية
زعموا أن السليك بن السلكة التميمي «١» ثم أحد بني مقاعس، - ومقاعس: الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة-[كان] من أشد فرسان العرب وأنكرهم وأشعرهم، وكانت أمه سوداء، وكانوا يدعونه سليك المقانب، - والمقنب ما بين الثلاثين إلى الخمسين- وكان أدلّ الناس بالأرض، وأجودهم عدوا على رجليه لا تعلق به الخيل، زعموا أنه كان يقول «٢»:
اللهم إنك تهيء ما شئت لما شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفا كنت عبدا، ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحدا.
فذكر أنه افتقر حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر عليه فيذهب بابله، حتى أمسى في ليلة باردة مقمرة من ليالي الشتاء، فاشتمل الصماء- واشتمال الصماء أن يردّ فضل ثوبه على عضده اليمنى ثم ينام عليها- فبينا هو نائم إذ جثم عليه رجل «٣» من الليل فقعد على جنبه فقال:
استأسر، فرفع السليك إليه رأسه فقال: إن الليل طويل وأنت مقمر «٤» فأرسلها مثلا.
ثم جعل الرجل يلهزه ويقول: يا خبيث استأسر استأسر، فلما آذاه بذلك أخرج السليك يده فضمّ الرجل ضمة إليه ضرط منها وهو فوقه فقال له السليك: أضرطا وأنت الأعلى، «٥» فأرسلها مثلا.
ثم قال له السليك: من أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت فقلت لأخرجن فلا أرجعنّ حتى استغني فآتي أهلي وأنا غنيّ، قال:
فانطلق معي. قال: فانطلقا حتى وجدا رجلا قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعا، حتى آتوا الجوف- جوف مراد الذي باليمن- فلما أشرفوا على الجوف، إذ بنعم قد ملأ كلّ شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها فيلحقهم الحيّ، فقال لهما السليك: كونا قريبا حتى آتي الرعاء فاعلم لكم علم الحيّ أقريب أم بعيد، فإن كانوا قريبا رجعت اليكما، وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولا أوحي به لكما،
1 / 36