وشعر ابن ماهان بأن سعدون قد استاء من تلك العبارة فقال: «لا يريد الوزير بك إلا خيرا، ولكنه تعود أن يرى في بلاط الخليفة جماعة من المنجمين الدجالين، ولما ذكر له عملك وفضلك أحب اختبارك؛ فقل ما يبدو لك من أمر الخلافة.»
ففتح سلمان الكتاب وأخذ يقلب فيه ويتمتم مطرقا وهم سكوت ينتظرون ما يبدو منه، ثم وجه خطابه إلى ابن ماهان فقال: «ألم أخبرك عن أمر الخلافة قبل أن يعرف أحد بخبرها؟»
قال: «بلى، ولكن المراد أن نعرف أعداءنا وما عساه أن يكون من أمرهم؟»
فعاد إلى التفتيش في الكتاب وهو يقرأ حتى بدا التعب في وجهه وتصبب العرق من جبينه؛ فأخرج من كمه قطعة بخور مضغها في فيه وطلب قدحا فيه ماء ووعاء فيه نار، فأتوه بموقد صغير من النحاس كالمبخرة وضعوه بين يديه، فألقى قطعة البخور في النار وتناول القدح وأخذ يتفرس في الماء تفرس الخائف من أمر يفاجئه، ثم صاح بغتة قائلا: «إلى المدائن. في قصر سابور؟»
وكرر التفرس في الماء جيدا وهو يقول: «أليس هذا قصر سابور؟ ومن سكن فيه؟» وسكت وهو يسترق النظر إلى سامعيه ليرى هل يضمرون السؤال عن بهزاد كما استنتج، فرأى ابن ماهان يشير بالإعجاب، فعلم أنه أصاب، ولكنه تظاهر بالتعب فألقى القدح من يده وتناول منديله وأخذ يمسح العرق من جبينه وهو ساكت، فقال له الفضل: «ماذا جرى في ذلك القصر؟»
فألقى في النار بخورا ثم أعاد النظر في القدح وقال: «إني أرى جندا وعيارين نزلوا من المراكب إلى البر مسرعين، ودخلوا ذلك القصر.»
فقال الفضل: «ثم ماذا؟»
قال: «ذهب سعيهم سدى يا مولاي لأنهم لم يجدوه في البيت!»
فأبرقت أسرة الفضل ولكنه بقي يظهر الجد وقال: «بارك الله فيك، قد عرفت ما في نفسي، فاعلم أني أطلب الرجل الذي كان يقيم بذلك القصر، هل تعرف اسمه؟»
فأطرق وتمتم كأنه يتلو شيئا ألقي إليه، ثم قال: «يسمونه بهزاد الطبيب الخراساني.»
Неизвестная страница