فلما رأى لهفتها تذكر مهامه، فبدا الاهتمام في وجهه وقال: «نعم إني ...» وبلع ريقه وحك ذقنه وسكت.
فخافت أن يكون قد ندم على ما قاله، فنظرت إليه وقد امتزجت في عينيها ملامح الخوف والرجاء وقالت: «ما لك؟ أراك تتردد. ماذا جرى؟ ألا تحبني؟»
قال: «بل أحبك، ولكن ...» قالت: «ولكن ماذا؟»
قال: «ولكن اسمحي لي أن أقول شيئا آخر.»
قالت وقد بان الوجل في محياها: «أما وقد قلت إنك تحبني فقل بعد ذلك ما شئت، ولكن لا، تمهل، لا تقل، أخاف أن تهددني بالفراق!»
قال: «لا أهددك به، ولكنه شرط من شروط حبك.»
فنظرت إليه شزرا وقلبها يختلج وفي عينيها أمارات العتاب وقالت بصوت خافت: «أراك تشترط في الحب، وأنا أحبك بلا شرط.»
فأطرق خجلا من توبيخها اللطيف ثم رفع بصره إليها وقال: «صدقت، لا خير في الحب إذا تقيد بشرط، ولكني أشترط أمرا فيه نفع لك، فأذني لي في ذكره وأطيعيني فيه.»
قالت: «إني أحببتك بلا شرط، ومن مقتضيات هذا الحب المطلق ألا أضع عائقا في طريق حبك، فاشترط ما شئت.»
فقال: «لقد علمت الآن أني مسافر، فإذا سافرت فإنما أسافر في خدمتك. وقد تحسبين أنك عرفت أمري وسهل عليك الحكم على مستقبلي؛ سمعت أني رسول من جماعة الخرمية، إني لم أكذب ولكنني أكثر من ذلك. وأقول والأسف ملء فؤادي لا أستطيع التمتع بهذا الحب إلا بعد الانتقام، فإذا بقيت حيا وعدت ظافرا فتلك هي السعادة؛ إذ أكون انتقمت لأبيك وللقتيل قبله، وإلا فلا حيلة لي في دفع الأقدار. ولا أجهل أن الشرط صعب عليك، بل هو ظلم مني، ولكن لا خيرة في الواقع.»
Неизвестная страница