قالت: «بلى، هي بعينها.»
فقالت: «نحن إذن على مقربة من بيت بهزاد ، هلمي بنا نكمل مسيرنا، ولو أتعبك ذلك فإني أخاف أن يسبقنا أولئك الرعاع إليه.»
قالت: «لا تخافي، إنهم لا يزالون يمخرون في دجلة.» ونهضت وهي تتشدد وتتجلد، ومشت وميمونة في أثرها مستبطئة مشيتها حتى وصلتا إلى أسواق تلك البلدة فقطعتاها. وأقبلتا على منزل بهزاد والشمس تكاد تغيب، فوجدتا الباب مغلقا وليس عنده أحد، فمشتا وهما تلتفتان والشاطئ بعيد عنهما فلم تجدا أحدا قادما، فتحققت ميمونة أن الأعداء لم يدركوا البيت بعد. وبعد هنيهة وصلتا إلى الباب فوجدتاه مغلقا فقرعتاه قرعا عنيفا فلم يجبهما أحد.
فلما أبطأ عليهما الجواب، فحصت عبادة الباب فرأته مغلقا من الخارج، فتحققت أن بهزاد ليس داخله؛ فانشرح صدرها وأنبأت ميمونة بذلك فتنفست الصعداء وقالت: «الحمد لله أنه ليس هنا ولا سبيل لهؤلاء إليه، ولكن أين هو يا ترى؟»
فقالت جدتها: «ربما كان في بغداد أو في بلد آخر.» قالت ذلك وقعدت على حجر عند الباب لتستريح.
فقالت ميمونة: «أخاف أن يكون عائدا إلى بيته الآن فيظفرون به. ألا يحسن أن ننتظره بالقرب من هذا المكان فإذا رأيناه أعلمناه بما يهدده؟»
قالت: «وهل نكون في أمن على أنفسنا؟»
فتحيرت ميمونة في أمرها وقالت: «ماذا نعمل إذن؟ أخاف أن يكون بهزاد آتيا الساعة وهو لا يعلم بما أعدوه له فيقع غنيمة باردة في أيديهم. يجب أن نتمم سعينا في إنقاذه.» وكأنها أدركت كثرة ما أظهرته من اللهفة عليه فخافت ظهور حبها له فاستدركت قائلة: «يجب علينا أن نكافئه على فضله ولا ندخر وسعا في إنقاذه ولو تعرضنا للخطر.»
فاستحسنت عبادة كرم أخلاقها وقالت: «صدقت، يجب علينا أن نبذل ما في وسعنا في سبيله، ولكن ما العمل؟ ها أنا ذا أسمع ضوضاء القوم من جهة الشاطئ، اسمعي، إنهم يجرون؛ هلمي بنا نذهب من قبل أن يدركونا.» قالت ذلك ونهضت فأمسكت بثوب ميمونة ومشت بها مسرعة نحو الشرق، فمرتا بتلال وأحجار من أنقاض قصر كبير فقالت ميمونة: «أرى أنقاضا لعلها من بقايا دولة الفرس؛ فهي تشبه أنقاض إيوان.»
فقالت عبادة وهي تسرع في مشيتها جهد طاقتها مع ما يحول دون ذلك من شيخوختها: «صدقت يا حبيبتي، إن هذه التلال والأحجار من أنقاض إيوان كان هنا غير إيوان كسرى، يعرف بإيوان سابور؛ وهو القصر الذي كان يقيم فيه المنصور قبل بناء بغداد وتهدم بعده.»
Неизвестная страница