فأبرقت أسرة الأمين وصاح: «يدخل وزيرنا الفضل.»
وما عتم أن عاد الحاجب ووسع الستر، فدخل الفضل وآثار السفر بادية في وجهه، فحيا بتحية الخلافة وقال: «يعذرني أمير المؤمنين أن أدخل عليه قبل إصلاح شأني.»
وكان الفضل يومئذ في أواسط الكهولة وقد وخط الشيب لحيته وتغضن جبينه وظهر تغضنه مع أن أكثره مخبأ تحت القلنسوة، وقد تردى بالقباء الأسود على عادة الداخلين على الخلفاء العباسيين.
فهش له الأمين وأجلسه على كرسي بجانبه، فأخذ الفضل يعزيه في الرشيد، ثم هنأه بالخلافة ودعا له بطول البقاء، وسكت وهو يجيل نظره في الجالسين كأنه يلتمس الخلوة ليقص على الأمين ما جاء به، فابتدره الأمين قائلا: «إذا كنت قد جئتنا بخبر فاقصصه علينا.»
فقال: «هل أقصه الآن؟» قال: «نعم، قل ما عندك، إن هذا المنجم يزعم أنه عرف ما فعلته، وقد أردت أن أمتحن معرفته، فإذا كان مصيبا أنعمنا عليه وإلا كان عقابه شديدا.»
فقال ابن ماهان: «هل يأذن أمير المؤمنين في كلمة.» قال: «قل.»
قال: «إذا كان القتل جزاء هذا الملفان إذا ظهر كذبه، فما جزاؤه إذا صدق ؟ هل يأمر مولاي حينئذ بأن يجعله كبير المنجمين في قصره لعله ينفعنا بعلمه؟»
قال: «سأفعل.» والتفت إلى الفضل وقال: «قل ما الذي فعلته بأخينا عبد الله المأمون والخلافة؟»
فاستغرب الفضل السؤال على هذه الصورة وقال: «فعلت ما أراه عائدا على الدولة بالخير؛ فليس يخفى على أمير المؤمنين أن مولانا الرشيد كان عند سفره قد استمع لإغراء بعض ذوي الأغراض، فبايع للمأمون وأوصى له بجميع ما في عسكره، مع أن البيعة سبقت لمولانا الأمين صاحب هذا العرش، فلما قبض الرشيد رأيت أن في بقاء بيعة المأمون ما قد يؤدي إلى انقسام الخلافة واستفحال الفتنة، فاستشرت أصحابي وأجمعنا على الرجوع إلى الصواب، فأبطلنا بيعة المأمون وجعلنا الخلافة مستقلة لمولانا أمير المؤمنين.»
قال: «والمأمون ماذا فعلتم به؟»
Неизвестная страница