قال: «كلا، وهل يعلم أحد بذهابه أو مجيئه؟»
فقالت دنانير: «لقد عودنا التخلف عنا يوما أو بضعة أيام ثم يعود إلينا على غير موعد، ولكن ...»
فقالت عبادة: «أتراه ذهب إلى بيته في المدائن؟»
فرفع حاجبيه وكتفيه وشخص بعينه كأنه يتنصل من تبعة علمه بمكانه.
وكانت ميمونة تسمع ما يدور من الحديث والحياء يمنعها من الدخول فيه، ثم غلب عليها حب الاطلاع فقالت وهي تتظاهر بالسذاجة وقلة الاكتراث: «أظنه الآن في بيته بالمدائن وقد أغلق بابه ليشتغل بالكيمياء أو إخراج الكنوز كما يقولون.» ومع ما حاولته من التجلد ما لبثت أن توردت وجنتاها، ولما وقع نظرها على دنانير رأتها تتفرس في وجهها وتبتسم، فازدادت خجلا وأطرقت وتحولت إلى وسادة في بعض جوانب الغرفة فقعدت عليها وتشاغلت بإصلاح خمارها.
فتجاهل سلمان ذلك كله وقال وهو يوجه كلامه إلى عبادة: «إن الناس يتهمون مولاي بأمور كثيرة هو بريء منها، وما انزواؤه في بيته أحيانا إلا للمطالعة في بعض كتب الطب أو الفلسفة. ولو وثقت بأنه هناك الآن لذهبت إليه واستقدمته. على أني ما أظنه يبطئ كثيرا؛ فإذا لم يأت هذه الليلة أو في صباح الغد عمدنا إلى البحث عنه في المدائن أو غيرها.»
وكانت دنانير تبالغ في إظهار القلق لغياب بهزاد إرضاء لزينب ومراعاة لإحساس ميمونة، لعلمها أن الحياء يمنعها من إظهار قلقها، فقالت هي عنها وتكلمت بلسانها، فلما سمعت قول سلمان قالت: «لا بد من البحث عنه الليلة.»
فتراجع وأطرق وقال: «إن أمرك مطاع يا سيدتي، وسأفعل ما تشائين وربما آتيكم به الليلة أو صباح الغد.»
فأثنت دنانير عليه وسكتت وهي تنظر إلى ميمونة فرأتها ترنو إليها ودلائل الشكر بادية في محياها، فابتسمت وحولت وجهها إلى عبادة وقالت: «ألا ترين ذلك؟»
فأجابت على الفور: «بلى، وإذا كان هناك ما يمنع سلمان من البحث فأنا أذهب للتفتيش عليه في المدائن؛ فإننا نعرف منزله حق المعرفة ومسيرنا إلى هناك سهل. وإذا رأيت أن يبحث سلمان في مكان آخر ونحن نذهب للبحث عنه في المدائن فعلنا.»
Неизвестная страница