Амали
أمالي أبي طالب ع
وفي رواية أخرى: وإياك والإتكال على الأماني، فإنها بضائع النوكى (1) وتثبيط عن الآخرة والأولى، وخير حظ المرء قرين صالح، قارب أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم، ولا يغلبن عليك سوء الظن، فإنه لا يدع بينك وبين خليلك صلحا، وذك قلبك بالأدب كما تذكي النار بالحطب، كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم.
واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في دعائك، وتكفل بإجابتك(2)، وأمرك أن تساله ليعطيك، وهو رحيم بصير، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، وفتح لك باب المتاب والأسباب، فمتى شئت سمع دعائك ونجواك، فافض إليه بجاجتك، وبث ذات نفسك، وأسند إليه أمورك، ولا تكن مسألتك فيما لا يعنيك، ولا مما يلزمك خباله، ويبقي عليك وباله، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو قبيحا.
واعلم يا بني أنك إنما خلقت للأخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء،وللموت لا للحياة، وأنك في منزل قلعة (3) وطريق إلى الآخرة، وأنك طيرد الموت الذي لا ينجو هاربه، فأكثر ذكر الموت وما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه، واجعله أمامك حيث تراه، فيأتيك وقد أخذت حذرك، واذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم، فإن ذلك يزهدك في الدنيا، ويصغرها عندك مع أن الدنيا قد نعت إليك نفسها، وتكشفت لك عن مساويها، وإياك أن تغتر بما ترى(4) من إخلاد أهلها إليها، وتكالبهم عليها، فإنما هم كلاب عادية، وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض، يأكل عزيزها ذليلها، وكثيرها قليلها.
Страница 93