Надежда и утопия в философии Эрнста Блоха
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
Жанры
من أهم العوائق التي تحول دون ظهور الوعي بال «ليس-بعد» العائق التاريخي أو بالأحرى العائق الاجتماعي والاقتصادي الذي يسلم بوجود التام والكامل منذ البداية، الأمر الذي يجهض كل محاولة للتقدم نحو الجديد. فهناك توقعات كثيرة ورؤي جسورة دخلت الوعي واستنارت بوعي ال «ليس-بعد»، ولكن العائق الاجتماعي والاقتصادي حال دون تحقيقها. ويعتقد بلوخ أن المجتمعات التي أخذت بفكرة اللامتناهي - مثل المجتمع الإغريقي - قد سادتها أفكار استاتيكية أو سكونية، لأن المعرفة في هذا المجتمع كانت معرفة تأملية استنباطية ولم تكن بطبيعتها معرفة عملية وفعالة، فحساب الكم اللامتناهي في الصغر لم يعرفه اليونان ولم يكن من الممكن أن يعرفوه على الرغم من أن زينون قد اقترب منه. ذلك لأن أصغر كم في هذا الحساب لا يتصور على أنه سكون، بل على أنه حركة متناهية في الصغر، ولذلك بقيت فكرة العمل غريبة على هذا المجتمع القائم على طبقتي السادة والعبيد، حيث يتفرغ المادة للتفكير والتأمل، أما العمل فهو مهنة العبيد والأسرى.
48
ويحاول بلوخ تفسير غياب فكرة العمل عن المجتمع اليوناني بالرجوع إلى الإبستمولوجيا أو النظرية المعرفية السائدة في هذا المجتمع والتي اهتمت بفكرة الكيف والماهية والغاية ... إلخ، ويتضح هذا في تفوق المجتمع اليوناني في العلوم النظرية، وتقليله من شأن العلوم القائمة على العمل والتجريب. وهكذا كانت كل محاولة للاقتراب من الجديد تصطدم بهذه المعرفة التأملية السكونية.
كانت النزعة الرومانسية أيضا من أهم العوائق التي واجهت الوعي بال «ليس-بعد»، فقد استعبدها الماضي، حين اعتبرت أن الكمال كله كان في الماضي، في القديم، في الأصل والمنبع، وهي المسئولة عن الارتداد الشديد نحو الماضي الذي راحت تتغنى به بدلا من الاتجاه نحو المستقبل. وعلى الرغم من الاعتراف بثورية الحركة الرومانسية على مستوى الإبداع المعتمد على الأعماق المظلمة الدفينة، فلا شك أن الحنين إلى الماضي الضائعتلك هي العناصر التي يقوم - وهو من أهم سماتها العامة - قد شل حركتها الثورية والاجتماعية والسياسية، وعطل اندفاعها إلى الأمام نحو آفاق المستقبل. ولهذا سقط الأديب الرومانسي - الذي لا ينكر أحد تقدميته وثوريته على المستوى الإبداعي - سقط في قبضة الماضي الذي تصور أنه هو العصر الذهبي وغنى له أعذب أغانيه المفعمة بالأسى والشجن.
49
وحتى التوقع الذي يميز النزعة الرومانسية فقد طريقه في شعاب الماضي القديم والوسيط والأسطورة ووضع الماضي في مقابل المستقبل؛ لهذا لم تكن مفاجأة أن فترة الإنتاج والإبداع العقلي والفني في النزعة الرومانسية قد حركت الوعي بال «ليس-بعد» في الاتجاه المعاكس، أي الاتجاه لقيمة الأسلاف؛ ومن ثم لم يكن للمستقبل هنا مكان. ويعارض بلوخ هذا الاتجاه مؤكدا أن الأنبياء أنفسهم لم يسلموا بأن العالم كامل منذ البداية، ولم يقولوا إن كل شيء كان طيبا في الماضي، بل بشروا بالسماء الجديدة والأرض الجديدة. ويأتي رفض بلوخ لبعض جوانب الحركة الرومانسية من منطلق رفضه لفكرة التذكر التي سادت العلم من أفلاطون حتى هيجل، وإيمانه بأن هذه الفكرة من أكبر المعوقات التي حجبت الوعي بال «ليس-بعد» عن النور طوال التاريخ الفلسفي.
50
وهناك بالإضافة إلى ما سبق معوقات أخرى عديدة، فالتحليل النفسي - على سبيل المثال - هو أحد هذه المعوقات، إذ تطور في طبقة أحيلت للتقاعد، وهي الطبقة البرجوازية التي كانت موضع دراسة فرويد. والمجتمع البرجوازي لا يهتم بالتفكير في الغد، إنه مجتمع بدون مستقبل، يفتقر للباعث المادي الذي يجعله يفصل الوعي بال «ليس-بعد» عن الوعي الذي لم يعد يعى. كما يعارض بلوخ فكرة العودة للمراحل البدائية عند يونج، لأن اللاوعي البدائي يهدد المستقبل، وما يظهر منه إلى النور هو نوع من النكوص، فعلم النفس البرجوازي - كما يسميه بلوخ - لم ينتبه إلى الجديد بوصفه أهم سمات الوعي بال «ليس-بعد».
كانت اليوتوبيات الاجتماعية أيضا من معوقات الوعي بال «ليس-بعد»، بما في ذلك اليوتوبيات التي غلب عليها التوقع - مثل يوتوبيات مور وكامبانيلا وبيكون - فكلها لم تكن قادرة على التطور بسبب النزعة السكونية التي سادتها، والأصل البرجوازي الذي صدرت عنه، وعدم معرفة أصحابها بالممكن الواقعي الذي كان ماثلا على أيامهم في العالم المادي والاجتماعي. لقد تسبب هذا كله في عدم ظهور مفهوم الجديد، كما أدت هذه الروح السكونية إلى قمع النظرة التقدمية في مذهب ليبنتز، وفي فلسفات الصيرورة والتقدم مثل فلسفة هيجل الجدلية. ويستشهد بلوخ على هذا بنص شهير لهيجل من الظاهريات يعكس تأثره - أي هيجل - الواضح بالثورة الفرنسية، ويوحي في ظاهره بأن الجدل الهيجلي يفسح مجالا للجديد المقبل، وإن كان في واقع الأمر يدور في دائرة التذكر والرجوع إلى الواحد المطلق: «وكما أن النفس الأول الذي يلتقطه الطفل - بعد فترة طويلة من التغذي في صمت - يكسر استمرار النمو المتصل، مما يعد وثبة أو طفرة كيفية مرتبطة بميلاد الطفل، كذلك فإن العقل المتطور ينضج ببطء وفي صمت نحو شكل جديد ويفكك بنية عالمه السابق بحيث تدل أعراضه المنعزلة على الاهتزاز الذي أصابه من تلك التفاهة والملل الذي يتسرب إلى العقلية السائدة، مع الشعور الغامض بأن ثمة شيئا مجهولا يوشك أن يقع بما يعلن عن وجود شيء سيتحقق في المستقبل القريب. هذا التصدع والانهيار التدريجي الذي لم يغير شيئا من ملامح الكل يقطعه انفتاح مفاجئ أشبه ما يكون بسطوع بناء جديد لعالم جديد.»
51
Неизвестная страница