قال: أفهمت إذن، ينبغي أن لا تعرفيه بعد اليوم، لا أريد أن أكرر أمري هذا مرة أخرى.
وكذلك قذفني بهذه الكلمات في اللحظة التي فتحت فيها عيني مستيقظة.
قلت بصوت راعش: ماذا جرى؟
وأمسكت لحظة ثم استأنفت القول: أنت تعرف أننا التقينا به ليلة أمس في دار أخيك محض اتفاق، وكان الدهر قد ضرب بيني وبينه عدة السنوات إذ كنت أعرفه في بلدنا يوم كنت في المهد صبية، وجاء من البلد منذ عهد قريب وأنشأ يقص على سمعي أنباء أهلي وأقاربي، فكان أقل ما ينبغي أن نفعله من أجله أن ندعوه الليلة إلى العشاء عندنا قبل أن يغادر المدينة.
ذلك ما قلته له.
ولم يكن شجارنا في الغداة إلا بقية من شجارنا في الليلة البارحة، فبرقت عيناه عندما سمع كلماتي تلك، وقال: لا يهمني أن يكون ما تقترحينه أقل ما ينبغي أن نفعل، اعتذري له بأنك اليوم مريضة، تشفعي بأي عذر، كل غرضي أن لا أرى ذلك الرجل في بيتي.
فاستويت جالسة في فراشي.
قلت: علام هذا التشنج والانفعال؟ إن ذلك الرجل - كما تقول عنه - صديق قديم، وأنا أصر على أن نعامله كذلك.
وتولاني الغضب فاسترسلت أقول: لقد أزهقت روحي كل هذه السنوات الثلاث الماضية باعتراضاتك كلما رأيتني أتحدث إلى رجل، بلا أدنى سبب معقول أو عذر وجيه، وأنت تعلم أنني ظللت أبدا على الوفاء لك والحرص على عهدك، وأنا باقية عليه ما حييت ...
ولكنه عاجلني بقوله وهو يهجم علي وقد احمر وجهه غيظا، وانتفخت أوداجه وهز أنملته في وجهي هزا: «أتتحدثين عن الوفاء لي ... ما شاء الله ... أنت وفية؟ ... أنت ...!».
Неизвестная страница