وهنا كان مدار الطريق، ومفرق السبيلين: سبيل الشر وسبيل الخير ... نعم في هذه المرحلة كان خلاصي من عيشي الماضي، وتطليقي حياة الجريمة والآثام.
وإليكم كيف كانت الأعجوبة: وإنا سائرون بسرعة ثلاثين ميلا في الساعة، وقد قطعنا نصف الطريق إلى الواجهة المقصودة؛ إذ أخذ صاحبنا الذي يتولى عمل السائق، يخفف سرعة السيارة فجأة، وصاح بنا قائلا: «على الطريق ظبية مليحة، فما قولكم في اقتناصها».
فنظرنا فإذا على قيد خطوات منا فتاة فاتنة المحيا قادمة صوبنا، وأصاب اقتراح «السائق» كل القبول من الجماعة ورقصوا له طربا ومجانة ... وما كادت السيارة تدلف بنا جانب الطريق أمام كوخ مهجور حتى وثب منا فتيان إلى الأرض فتقدما نحوها، فانزوت الفتاة منهما خوفا ورعبا، فصاح أحد الزملاء من السيارة قائلا: ألقيا بها في السيارة، فليس لدينا من الوقت فسحة لهذا العبث.
وسمعت الفتاة كلمته تلك فارتد محياها في صفرة وجوه الموتى، وقبل أن يضع الفتيان أيديهما عليها مضت في عويل ونحيب ... •••
في تلك اللحظة لست أدري ماذا حدث لي، وما الذي اختلج في صدري، وسرى في أطواء نفسي، ففي خطف البرق نزلت من المركبة والمسدس في يميني، فلم يكد الفتيان يرياني على هذه الصورة حتى تراجعا مسندين ظهريهما إلى السيارة، رافعين أذرعهما في الفضاء، ووقفت حيال الجميع أصيح بهم: يا عصابة السوء وجماعة الشر واللؤم، هذا فراق بيني وبينكم، البدار إلى الرجوع من حيث أتيتم، ولا تحاولوا خطة أنا مدبرها، لأنني الساعة عليكم مفسدها ومنبئ أهل المصرف المالي بنبئها.
ووقفت حيال السيارة وألقيت إلى السائق الأمر بالدوران، وجمدت في موقفي حتى رأيتها قد دارت عائدة من الطريق التي منها أقبلت، وتلقيت من الجمع بضع نظرات شريرة كظيمة، ولكنهم كانوا بي عالمين، وكنت أنا بجبانتهم وخوفهم جانبي أعلم وأعرف.
ورأيت في عيني الفتاة بريق الفرح بالنجاة يسطع، ووجهها المليح يسترد ورده، ويشرق بعد اكفهرار ويلتمع، فكان ذلك خير الجزاء، وكان أبدع مستعاض عن تلك النظرات الشنيعة النكراء.
وانثنت تقول في رفق: شكرا ... ولم تزد، ووقفت تتبع السيارة بعينها في صمت.
وانتبهت بعد ذلك من غشية الموقف المباغت، فوجدتني مقتعدا الأرض والفتاة تمد إلي يدها لتنهض بي.
قالت: أخف ما بك.
Неизвестная страница