الربا
الربا
Издатель
مطبعة سفير
Место издания
الرياض
Жанры
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الربا
أضراره وآثاره
في ضوء الكتاب والسنة
تقديم معالي العلامة الشيخ الدكتور
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وبعد، فقد تصفحّت هذا الكتاب في موضوع الربا من تأليف الشيخ سعيد بن علي القحطاني، فوجدته كتابًا مفيدًا في موضوعه، وتمسّ الحاجة إلى قراءته، والاستفادة منه. وفق الله الشيخ المؤلِّف إلى كلِّ خير، ونفع بما كتب. وصلى الله وسلّم على نبينا محمد. كتبه صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء ٢٦/ ١/١٤٣١هـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وبعد، فقد تصفحّت هذا الكتاب في موضوع الربا من تأليف الشيخ سعيد بن علي القحطاني، فوجدته كتابًا مفيدًا في موضوعه، وتمسّ الحاجة إلى قراءته، والاستفادة منه. وفق الله الشيخ المؤلِّف إلى كلِّ خير، ونفع بما كتب. وصلى الله وسلّم على نبينا محمد. كتبه صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء ٢٦/ ١/١٤٣١هـ
Неизвестная страница
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (١).
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٣).
أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا شك أن موضوع الربا، وأضراره، وآثاره الخطيرة جدير بالعناية، ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه؛ ليبتعد عنه؛ لأن من
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.
(٢) سورة النساء، الآية: ١.
(٣) سورة الأحزاب، الآيتان: ٧٠ - ٧١.
1 / 3
تعامل بالربا فهو محارب لله وللرسول ﷺ.
ولأهمية هذا الموضوع جمعت لنفسي، ولمن أراد من القاصرين مثلي الأدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا، وبيّنت أضراره، وآثاره على الفرد والمجتمع.
وقد قسمت البحث إلى: مقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة على النحو الآتي:
الباب الأول: الربا قبل الإسلام، واشتمل على فصول:
الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعًا.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا، وشمل ما يأتي:
الفصل الأول: التحذير من الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أولًا: تعريفه.
ثانيًا: بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص.
ثالثًا: حكمه وسائر أنواع الربا.
رابعًا: أسباب تحريم الربا وحِكَمُهُ.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أولًا: تعريفه.
1 / 4
ثانيًا: بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
الفصل الرابع: بيع العينة.
أولًا: تعريف بيع العينة.
ثانيًا: حكمه وبعض ما ورد من النصوص في ذَمِّهِ.
الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة:
الفصل الأول: جواز التفاضل في غير المكيل والموزون، وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات.
الباب الرابع: فتاوى في مسائل من الربا المعاصر.
الباب الخامس: مضار الربا، ومفاسده، وآثاره.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
والله أسألُ أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله حجة لي لا حجة عليَّ، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في عام ١٤٠٥هـ
1 / 5
الباب الأول: الربا قبل الإسلام
الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعًا
أولًا: تعريف الربا في اللغة:
الربا في اللغة: هو الزيادة، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ (١).
وقال تعالى: ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾ (٢)، أي أكثر عددًا يقال: «أربى فلان على فلان، إذا زاد عليه» (٣).
وأصل الربا الزيادة، إما في نفس الشيء، وإما مقابله كدرهم بدرهمين، ويطلق الربا على كل بيعٍ محرم أيضًا (٤).
ثانيًا: تعريف الربا شرعًا:
الربا في الشرع: هو الزيادة في أشياء مخصوصة، والزيادة على الدَّيْن مُقَابل الأجل مطلقًا.
وقيل: هو الزيادة في بيع شيئين يجري فيهما الربا (٥).
وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل، وربا النسيئة (٦).
_________
(١) سورة الحج، الآية: ٥.
(٢) سورة النحل، الآية: ٩٢.
(٣) انظر: لسان العرب، لابن منظور، ١٤/ ٣٠٤، والنهاية لابن الأثير، ٢/ ١٩١، والمغني لابن قدامة، ٦/ ٥١.
(٤) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ١١/ ٨، وفتح الباري لابن حجر، ٤/ ٣١٢.
(٥) الشرح الممتع لابن عثيمين، ٨/ ٣٨٧.
(٦) انظر: المغني لابن قدامة، ٦/ ٥٢، وفتح القدير للشوكاني، ١/ ٢٩٤، والربا والمعاملات المصرفية، لعمر المترك، ص ٤٣.
1 / 7
الفصل الثاني: الربا عند اليهود
لا شك أن اليهود لهم حيل، وأباطيل كثيرة كانوا يحتالون بها، ويخادعون بها أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام، ومن تلك الحيل الباطلة احتيالهم لأكل الربا وقد نهاهم الله عنه، وحرَّمه عليهم.
قال الله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ (١).
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: «إن الله قد نهاهم – أي اليهود – عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل» (٢).
وقد صرف اليهود النص المُحَرِّمَ للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا، فجعلوه جائزًا لا بأس به.
يقول أحد ربانييهم واسمه راب: «عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه، أو حتى يضاهي المال مع الفائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي
_________
(١) سورة النساء، الآيتان: ١٦٠ - ١٦١.
(٢) تفسير ابن كثير، ١/ ٥٨٤.
1 / 8
على مدينه – غريمه – وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه» (١)، فاتّضح من كلام الله تعالى أن الله قد حرّم الربا في التوراة على اليهود، فخالفوا أمر الله، واحتالوا، وحرَّفوا، وبدَّلوا، واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون ذلك محرمًا في زعمهم الباطل؛ ولذلك ذمّهم الله في كتابه العزيز كما بيّنت ذلك آنفًا.
_________
(١) الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور عمر بن سليمان الأشقر، ص٣١.
1 / 9
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية
لقد كان الربا منتشرًا في عصر الجاهلية انتشارًا كبيرًا، وقد عدّوه من الأرباح العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري – ﵀ – بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: «كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدَّين فيقول: لك كذا وكذا، وتؤخر عني فيؤخر عنه» (١).
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدَّين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تُربِي؟ فإذا لم يقض زاد مقدارًا في المال الذي عليه، وأخّر له الأجل إلى حين.
وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضًا، وفي السِّنِّ كذلك، فإذا كان للرجل فضل دَين على آخر فإنه يأتيه إذا حلّ الأجل، فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوّله إلى السّنِّ التي فوق سنِّه من تلك الأنعام التي هي دَين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضاء، جعلها حِقّة في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيًّا، وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة.
وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضًا، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل
_________
(١) جامع البيان في تفسير آي القرآن، للطبري، ٣/ ٦٧.
1 / 10
مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه (١)، فهذا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (٢).
فالربا في الجاهلية كان يُعدّ – كما ذكرت آنفًا – من الأرباح التي يحصل عليها ربّ المال، ولا يهمه ضرر أخيه الإنسان سواء ربح، أم خسر أصابه الفقر، أم غير ذلك؟ المهم أنه يحصل على المال الطائل، ولو أدّى ذلك إلى إهلاك الآخرين، وما ذلك إلا لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلاقهم، وتغيّر فطرهم التي فطرهم الله عليها، فهم في مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى، والرذائل، وعدم احترام الآخرين، فالصغير لا يوقّر الكبير، والغني لا يعطف على الفقير، والكبير لا يرحم الصغير، فالقوم في سكرتهم يعمهون، ومما يؤسف له أن الربا لم يقتصر على عصر الجاهلية الأولى فحسب، بل إنه انتشر في المجتمعات التي تدِّعي الإسلام، وتدَّعي تطبيق أحكام الله تعالى في أرض الله ... ! فيجب على كل مسلم أن يُطبِّق أوامر الله ويُنَفِّذ أحكامه، أما من تعامل بالربا ممن يدّعي الإسلام، فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونُحَذِّرُهُ من هذا الْجُرْمِ الكبير:
إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد ﷺ.
_________
(١) انظر: جامع البيان في تفسير آي القرآن، ٤/ ٥٩، وفتح القدير للشوكاني، ١/ ٢٩٤، وموطأ الإمام مالك، ٢/ ٦٧٢، وشرحه للزرقاني، ٣/ ٣٢٤.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٣٠.
1 / 11
الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا
الفصل الأول: التحذير من الربا
لقد ورد في التحذير من الربا نصوص كثيرة من نصوص الكتاب والسنة؛ وبما أن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ هما المصدران الصافيان، فمن أخذ بهما واتبع ما جاء فيهما، فقد فاز وأفلح، ومن أعرض عنهما فإن له معيشة ضنكًا، وسيحشر يوم القيامة أعمى، ونسمع بعض ما ورد في شأن الربا من نصوص الكتاب والسنة، والله المستعان، وعليه التكلان.
١ - قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (١).
٢ - وقال ﷾: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ (٢).
٣ - وقال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ (٣).
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ٢٧٥.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٧٦.
(٣) سورة البقرة، الآيتان: ٢٧٨ - ٢٧٩.
1 / 13
قال ابن عباس ﵄: «هذه آخر آية نزلت على النبي ﷺ» (١).
٤ - وقال ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (٢).
٥ - وقال ﷾ في شأن اليهود حينما نهاهم عن الربا وحرمه عليهم، فسلكوا طريق الحيل لإبطال ما أمرهم به، قال سبحانه في ذلك: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (٣).
٦ - وقال ﷿: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ (٤).
٧ - وعن جابر ﵁ قال: «لعن رسول الله ﷺ: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه»، وقال: «هم سواء» (٥).
٨ - وعن سمرة بن جندب ﵁ قال: قال النبي ﷺ: «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مُقَدَّسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فَرُدَّ حيث كان فجعل
_________
(١) البخاري، قبل الحديث رقم ٢٠٨٦، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٤/ ٣١٤.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٣٠.
(٣) سورة النساء، الآية: ١٦١.
(٤) سورة الروم، الآية: ٣٩.
(٥) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب لعن آكل الربا ومؤكله، برقم ١٥٩٧.
1 / 14
كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا» (١).
٩ - وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم اللَّهُ إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» (٢).
١٠ - وعن ابن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قِلَّة» (٣).
١١ - وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله ﷺ في حجة الوداع يقول: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعًا في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث
_________
(١) البخاري، كتاب البيوع، باب موكل الر با، برقم ٢٠٨٥، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٤/ ٣١٣.
(٢) البخاري، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠]، برقم ٢٧٦٥، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، برقم ٨٩.
(٣) سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا، برقم ٢٢٧٩، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، ٥/ ١٢٠، وفي صحيح ابن ماجه، طبعة مكتبة المعارف، ٢/ ٢٤١.
1 / 15
مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات» (١).
ففي هذا الحديث أن ما أدركه الإسلام من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بالرّدّ والتّنكير، وأنّ الكافر إذا أربى في كفره ثم لم يقبض المال حتى أسلم، فإنه يأخذ رأس ماله، ويضع الربا، فأما ما كان قد مضى من أحكامهم، فإن الإسلام يلقاه بالعفو فلا يتعرض لهم فيما مضى، وقد عفا الله عن الماضي، فالإسلام يَجبّ ما قبله من الذنوب (٢).
١٢ - وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «ليأتينّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِنَ الحلال أم مِنَ الحرام» (٣)، أخبر النبي ﷺ بهذا تحذيرًا من فتنة المال، فهو من بعض دلائل نبوته ﷺ لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذّمّ من جهة التّسوية بين الأمرين، وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذمومًا من حيث هو، والله أعلم (٤).
١٣ - وعن أبي جحيفة عن أبيه ﵁ أن رسول الله ﷺ: «نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وَكَسْبِ الأَمَةِ، ولعن الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصوِّر» (٥).
_________
(١) سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في وضع الربا، برقم ٣٣٣٤، وقال الألباني في صحيح أبي داود، برقم ٢٨٥٢: «صحيح».
(٢) انظر: عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ٩/ ١٨٣.
(٣) البخاري، كتاب البيوع، باب من لم يبال من حيث كسب المال، برقم ٢٠٥٩، و٢٠٨٣.
(٤) انظر: الفتح، ٤/ ٢٩٧.
(٥) البخاري، كتاب البيوع، باب ثمن الكلب، برقم ٢٢٣٧
1 / 16
١٤ - وعن عبد الله بن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ قال: «الربا ثلاثة وسبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أُمَّهُ، وإنَّ أربى الربا عرض الرجل المسلم» (١).
١٥ - ورُوِيَ عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنية» (٢).
١٦ - وعن ابن عباس ﵄ قال: نهى رسول الله ﷺ أن تُشْتَرى الثمرة حتى تُطْعَم، وقال: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله» (٣).
_________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك، ٢/ ٣٧، وقال: «حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي، وقال شعيب الأرنؤوط: «صححه الحافظ العراقي»، انظر: حاشية: ٨/ ٥٥ من شرح السنة للبغوي، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، وأخرج نصفه الأول ابن ماجه عن أبي هريرة، برقم ٢٢٧٤، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ٢٧، وانظر: كلام العلامة ابن باز في هذا الكتاب، ص ٧٧، حاشية رقم (١).
(٢) أخرجه أحمد، ٥/ ٢٢٥، برقم ٢٢٣٠٣، قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: «وهذا سند صحيح على شرط الشيخين»، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، ٢/ ٢٩، برقم ١٠٣٣، وقال شعيب في حاشية شرح السنة للبغوي: «صحيح الإسناد»، ٢/ ٥٥، وهذا إسناد أحمد، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير – يعني ابن حازم – عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله ... الحديث.
(٣) أخرجه الطبراني، ١/ ١٧٨، برقم ٤٦٠، والحاكم، ٢/ ٣٧، برقم ٢٢٦١، وقال: «صحيح الإسناد»، والبيهقي في شعب الإيمان، ٤/ ٣٦٣، برقم ٥٤١٦، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم ١٨٥٩.
1 / 17
الفصل الثاني: ربا الفضل
أولًا: تعريف ربا الفضل: هو الزيادة في مبادلة مال ربوي بمال ربويٍّ من جنسه (١).
ثانيًا: بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص:
١ - عن أبي سعيد الخدري ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلًا بمثل، ولا تَشفوا بعضها على بعض (٢)، ولا تبيعوا الوَرِق بالورِق إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، ولا تَشفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز» (٣)، والمراد بالناجز الحاضر، وبالغائب المؤجّل.
٢ - وعن عثمان بن عفان ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدّرهم بالدّرهمين» (٤).
٣ - وعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ
_________
(١) انظر: المغني لابن قدامة، ٦/ ٥٣، ومجموع فتاوى ابن باز، ١٩/ ٢٤٥، ٣٠/ ٣٠٤، والربا والمعاملات المصرفية، لعمر المترك، ص ٥٥.
(٢) أي لا تفضلوا بعضها على بعض، والشف الزيادة، ويطلق أيضًا على النقصان فهو من الأضداد. من تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم، ٣/ ١٢٠٨.
(٣) البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الفضة بالفضة، برقم ٢١٧٧، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، برقم ١٥٨٤.
(٤) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا، برقم ١٥٨٥.
1 / 18
والمعطي فيه سواء» (١).
٤ـ وعن عبادة بن الصامت ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد» (٢).
٥ - وعن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح، فقال: بِعْهُ ثم اشترِ به شعيرًا، فذهب الغلام فأخذ صاعًا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمرًا أخبره بذلك، فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فردَّه ولا تأخذنَّ إلا مثلًا بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله ﷺ يقول: «الطعام بالطعام مثلًا بمثل»، قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير، قيل له: فإنه ليس بمثله، قال: إني أخاف أن يضارع (٣) (٤).
واحتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفًا واحدًا لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا، أما مذهب الجمهور فهو خلاف ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ فإن الجمهور على أن الحنطة
_________
(١) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا، برقم ١٥٨٤.
(٢) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، برقم ١٥٨٧، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في الصرف، رقم ٣٣٤٩، و٣٣٥٠، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الصرف وما لا يجوز، رقم ٢٢٥٤.
(٣) يضارع: المُضَارعةُ: المُشَابهةُ، والمُقَاربةُ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (ضرع)،
٣/ ١٧٥.
(٤) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلًا بمثل، برقم ١٥٩٢.
1 / 19
صنف، والشعير صنف آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يدًا بيد، كالحنطة مع الأرز، ومن أدلة الجمهور قوله ﷺ: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد» (١).
٦ـ وقوله ﷺ: «لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر يدًا بيد، وأما نسيئة فلا» (٢)، وأما حديث معمر السابق فلا حجة فيه كما قال ذلك الإمام النووي ﵀؛ لأنه لم يُصرِّح بأن البر والشعير جنس واحد، وإنما خاف من ذلك فتورّع عنه احتياطًا (٣).
وعلى هذا فلا إشكال في ذلك والحمد لله، فيكون الشعير جنسًا مستقلًا، والبر جنسًا آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يدًا بيد، والقبض قبل التفرق.
٧ - وعن سعيد بن المسيب ﵀ أن أبا هريرة، وأبا سعيد ﵄ حدثاه أن رسول الله ﷺ بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب (٤)، فقال رسول الله ﷺ: «أكلّ تمر خيبر هكذا؟»
_________
(١) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، برقم ١٥٨٧، وانظر: شرح النووي، ١١/ ١٤.
(٢) سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في الصرف، برقم ٣٣٤٩، وقال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم ٢٨٦٤: «صحيح»، وانظر: عون المعبود، ٣/ ١٩٨.
(٣) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ١١/ ٢٠.
(٤) الجَنِيبُ: نوع جيِّد معروف من أنواع التَّمْر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (جنب)، ١/ ٨١٩.
1 / 20
قال: لا والله يا رسول الله، إنَّا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع (١)، فقال رسول الله ﷺ: «لا تفعلوا، ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان» (٢).
٨ - وعن أبي سعيد قال: جاء بلال بتمر برني فقال له رسول الله ﷺ: «من أين هذا»؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء بعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ عند ذلك «أوّه (٣)، عين الربا (٤)، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبعه ببيع آخر، ثم اشترِ به» (٥).
٩ـ وعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: كنا نُرْزَق تمر الجمع على عهد رسول الله ﷺ، وهو الخلط (٦) من التمر، فَكُنَّا نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: «لا صاعي تمر بصاع، ولا صاعي حنطة بصاع، ولا درهم بدرهمين» (٧).
١٠ - عن فضالة بن عبيد الله الأنصاري ﵁ قال: أُتِيَ رسول الله ﷺ وهو بخيبر بقلادة فيها خرز، وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله ﷺ
_________
(١) الجَمْع: الدَّقَلُ، ... قال الأَصمعي: كلّ لون من النخل لا يعرف اسمه فهو جَمع ... وقيل: الجمع تمر مختلط من أَنواع متفرقة، وليس مرغوبًا فيه، وما يُخْلَطُ إِلا لرداءته. لسان العرب، مادة (جمع)، ٨/ ٥٣.
(٢) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلًا بمثل، برقم ١٥٩٣.
(٣) أوَّه: كلمة يقولها الرجل عند الشّكاية والتّوجع. النهاية لابن الأثير، ١/ ١٩٥.
(٤) عَيْنُ الرِّبَا: أي: ذَاتُه ونَفْسُه. النهاية لابن الأثير، ٣/ ٦٢٥.
(٥) البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الطعام إلى أجل، برقم ٢٢٠١، و٢٢٠٢، ومسلم، واللفظ له، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلًا بمثل، برقم ١٥٩٤.
(٦) الخلط: أي المجموع من أنواع مختلفة، وإنما خلط لرداءته، انظر: لسان العرب، ٨/ ٥٣.
(٧) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلًا بمثل، برقم ١٥٩٥.
1 / 21
بالذهب الذي في القلادة فنُزِعَ وحده، ثم قال لهم رسول الله ﷺ: «الذهب بالذهب وزنًا بوزن» (١).
١١ - وعن فضالة أيضًا قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصلتها (٢)، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: «لا تباع حتى تُفْصَل» (٣).
ففي هذا الحديث أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يُفْصَل، فيباع الذهب بوزنه ذهبًا، ويباع الآخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة لا تباع مع غيرها بحنطة، والملح مع غيره بملح، وكذا سائر الربويات بل لا بد من فصلها، وهذه المسألة المشهورة والمعروفة بمسألة «مُدُّ عَجْوَة»، وصورتها باع مدّ عجوة ودرهمًا بمدَّي عجوة أو بدرهمين لا يجوز؛ لهذا الحديث، وهذا منقول عن عمر بن الخطاب وابنه ﵄، وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل (٤).
_________
(١) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، برقم ١٥٩١، وانظر: شرح النووي، ١١/ ١٧.
(٢) ففصَّلتها: ميّزت ذهبها وخرزها؛ لأن «الفَصْل: الحاجِز بين الشيئين، فَصَل بينهما يفصِل فَصْلًا فانفصَل، وفَصَلْت الشيء فانفَصَل أَي قطعته». لسان العرب، مادة (فصل)، ١١/ ٥٢١.
(٣) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، برقم ١٥٩١، وانظر: شرح النووي، ١١/ ١٨.
(٤) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ١١/ ١٧.
1 / 22
ثالثًا: حكم الربا:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: «أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة، وإن اختلفوا في ضابطه وتعاريفه» (١)، ونص النبي ﷺ على تحريم الربا في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح.
قال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة، بناء على أصلهم في نفي القياس.
وقال جميع العلماء سواهم: لا يختص بالستة، بل يتعدّى إلى ما في معناها، وهو ما يشاركها في العلَّة.
واختلفوا في العلَّة التي هي سبب تحريم الربا في الستة:
فقال الشافعية: العلة في الذهب، والفضة: كونهما جنس الأثمان، فلا يتعدَّى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات، وغيرها؛ لعدم المشاركة، والعلَّة في الأربعة الباقية: كونها مطعومة فيتعدَّى الربا منها إلى كل مطعوم.
ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة.
أما في الأربعة الباقية فقال: العلَّة فيها: كونها تُدَّخَر للقوت وتصلح له.
وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: فهو أن العلَّة في الذهب والفضة الوزن، وفي الأربعة الكيل، فيتعدَّى إلى كل موزون ... وإلى كل مكيل.
ومذهب أحمد، والشافعي في القديم، وسعيد بن المسيب: أن العلَّة في
_________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ١١/ ٩، وانظر: المغني لابن قدامة، ٦/ ٥٤ - ٥٨ ..
1 / 23