52

وانتهى من مقابلاته وفروضه إلى تقرير رأيه المرجح لديه: وهو أن موسى عليه السلام تربى في مصر في كنف الوحدانية، ونشأ في أعقاب المعركة بين آتون وآمون، واستعد للنبوة في هذه البيئة الموحدة، فعلم بني إسرائيل كيف يوحدون الله ويعظمون صفاته وآلاءه، وكان خروج بني إسرائيل فيما بين القرن الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، أي في الجيل التالي لانتشار التوحيد بالبلاد المصرية، واسترسل فرويد في تقديراته - وهو من بني إسرائيل - حتى ظن أن موسى عليه السلام من دم مصري، وليس من اللاويين كما جاء في العهد القديم.

لكن المحقق أن بني إسرائيل قد أخذوا كثيرا من عقائد المصريين وشعائرهم قبل عهد إخناتون بعدة قرون، وبعده بعدة قرون.

إلا أن هذه الدعوة - دعوة إخناتون - كانت صحوة وجيزة تبعتها نكسة سريعة من جراء الأحداث السياسية التي أحاطت بالدولة، ومن كيد الكهان المخلوعين في طيبة وما جاورها، وهم كهان آمون الأقوياء الذين سلبهم إخناتون مناصبهم وحبوسهم وسيطرتهم على العرش والمحراب، ولعلهم كانوا مخفقين في كيدهم لو اصطنع هذا المصطلح الكبير شيئا من الدهاء ولم تدفعه الحماسة الروحانية وراء كل تقدير وتدبير؛ لأنه هجم على الشعب في أعز العقائد عليه وهي عقيدته في أساطير عالم الأموات وشعائر الإله أوزيريس رب المغرب والخلود، فأنكر سلطان أوزيريس على الأرواح، وجرده من قدرة الحكم عليها بالعقاب أو العذاب، فلم يؤمن بجحيم أوزيريس ولا بجحيم غيره؛ وبشر الناس بحياة خالدة كحياة الأطياف، تحياها الروح بين الهدوء في ظلمة الليل واستقبال الضياء من وجه آتون.

ولهذا بقيت عبادة أوزيريس وإيزيس بين المصريين، كما بقيت بين اليونان والرومان وانطوت أيام آتون بانطواء أيام نبي آتون.

الهند

ترجع الديانة الهندية القديمة إلى أزمنة أقدم من العصر الذي دونت فيه أسفارها المعروفة بالكتب الفيدية.

ويختلف المؤرخون المختصون بالهند في العصر الذي تم فيه هذا التدوين، فمنهم من يرده إلى ألف وخمسمائة سنة قبل الميلاد، ومنهم من يرده إلى ستة آلاف سنة قبل الميلاد، ولكنهم لا يختلفون في سبق الديانة الهندية لهذا العصر بزمن طويل.

ومن المتفق عليه أن الديانة الهندية القديمة مزيج من شعائر الهنود الأصلاء وشعائر القبائل الآرية التي أغارت على الهند قبل الميلاد بعدة قرون، وقد كانت هذه القبائل الآرية تقيم على البقاع الوسطى بين الهند ووادي النهرين، فاتجهت طائفة منها غربا إلى أوربة، واتجهت طائفة منها شرقا إلى الأقاليم الهندية من شمالها إلى جنوبها على السواحل الغربية، قبل أن توغل منها إلى جميع أنحاء البلاد.

ويعتقد فريق من المؤرخين أن الديانة الهندية القديمة لا تخلو من قبس منقول إليها من البابلية والمصرية، ويعللون ذلك بتوسط الموقع الذي أقام فيه الآريون الأولون، وأنهم لم تكن لهم في موقعهم ذاك حضارة سابقة لحضارة مصر وبابل وآشور، فلا خلاف في أن تاريخ الأسر المصرية أسبق من تاريخ الكتب الفيدية وأسبق من كل حضارة عرفها التاريخ للآريين، حيثما أقاموا من البقاع الآسيوية أو الأوروبية.

وقد اشتملت الديانة الهندية القديمة على أنواع شتى من الآلهة التي تقدمت الإشارة إليها.

Неизвестная страница