Аллах, Вселенная и Человек: Взгляды на историю религиозных идей
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Жанры
إن الطقس والأسطورة ينشآن عن أفكار دينية مبدئية تتشكل لدى الإنسان من إحساسه بوجود بعد ماورائي للوجود، وهو يعبر عن هذا الإحساس بطريقتين؛ الأولى سلوكية تتبدى في الطقس، والأخرى ذهنية تتبدى في الأسطورة. وعلى الرغم من العروة الوثقى التي تجمع بين الطقس والأسطورة، فإن كلا منهما ينشأ في معزل عن الآخر من حيث الأصل، وبعد ذلك قد يلتقيان وقد لا يلتقيان؛ فقد نجد طقوسا تمارس دون مرجعية ميثولوجية وأساطير يجري تداولها دون طقس. وقد نجد طقسا ينشأ عن أسطورة مثلما هو الحال في الطقوس الدورية الكبرى، أو أسطورة تنشأ عن طقس. وتنشأ الأسطورة عن الطقس عندما يفقد طقس ما معناه وغاياته بمرور الأيام، ويتحول إلى إجراءات غامضة لا يعرف ممارسوها مدلولاتها ومضامينها. ويمكن أن أسوق شواهد عديدة عن نشوء الأسطورة عن الطقس ولكني سوف أكتفي هنا بمثال من الثقافة الإسلامية، وهو تفسير شعيرة السعي بين الصفا والمروة وهي من شعائر الحج في الإسلام.
فلقد ورث الإسلام عن الوثنية القديمة طقوس الحج، وأبرزها الطواف حول الكعبة سبع مرات، والسعي بين الصفا والمروة، وهما مرتفعان قريبان من الكعبة، سبع مرات، وأخيرا الوقوف على جبل عرفة من أجل الدعاء والابتهال إلى الله. ومن بين هذه الطقوس كان طقس السعي بين الصفا والمروة أكثرها غموضا لدى المسلمين بعد أن مارسوه طويلا، ولكن معناه كان واضحا لدى عرب ما قبل الإسلام؛ فعلى مرتفع الصفا كان هنالك حجر مقدس على ما يبدو لنا من مراجعة معنى كلمة صفا في القواميس العربية والتي تعني الحجر الضخم الأملس، ومثلها كلمة صفوان. ويبدو أيضا أن على مرتفع المروة كان هناك حجر مقدس آخر؛ لأن القواميس العربية تفيدنا بأن المرو هو حجر الصوان ومفردها مروة، وبذلك يكون معنى السعي بين الصفا والمروة لدى الجاهليين هو تبجيل حجر الصفا، ثم الانتقال بعد ذلك لتبجيل حجر المروة، وإعادة هذه الشعيرة سبع مرات لأن الرقم سبعة كان رقما مقدسا عند العرب، مثلما هو كذلك عند بقية الشعوب السامية.
ولكي يزيل المسلمون هذا الغموض عن طقس الصفا والمروة فقد شاعت لديهم أسطورة تتعلق بهاجر زوجة إبراهيم وابنها إسماعيل؛ فقد كانت زوجة إبراهيم الأولى سارة عاقرا ولم تنجب له ولدا مدة طويلة، وعندما دخل على زوجته الثانية هاجر (في الرواية التوراتية لقصص إبراهيم كانت هاجر جارية لا زوجة) أنجبت له ابنه الأكبر إسماعيل. وبعد خمس سنوات أنعم الله على إبراهيم بولد من سارة دعاه إسحاق، وعندما بدأ إسحاق يكبر خافت سارة على ميراث زوجها من أن يذهب إلى إسماعيل بدلا من ابنها إسحاق، فطلبت من إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها، فحزن إبراهيم وتردد، ولكن وحيا جاء من السماء يطلب منه الرضوخ لرغبة زوجته، فأخذ هاجر وابنها وتوجه إلى البرية يبحث عن مكان يتركهما فيه، وسار إلى جانبه ملاك لكي يدله على هذا المكان. وكان إبراهيم كلما رأى مكانا فيه ماء وزرع عرض على الملاك أن يترك هاجر وإسماعيل فيه، ولكن الملاك كان يرفض ذلك. وهكذا إلى أن وصل بهم إلى موقع مكة، وكانت مكانا قفرا ليس فيه بشر ولا زرع ولا ماء، وقال لإبراهيم إن هذا هو المكان. رضخ إبراهيم لمشيئة الله وودع هاجر وإسماعيل وهو يقول على ما ورد في القرآن:
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات (إبراهيم: 37). لم يكن مع هاجر سوى بقية من تمر وقليل من الماء في قربتها، وعندما نفد الماء عطشت وعطش الصبي حتى أوشك على الهلاك، فراحت تبحث عن ماء هنا وهناك، وصعدت إلى مرتفع الصفا لكي تلقي نظرة إلى ما حولها، فتراءى لها سراب على المروة ظنته ماء، فانطلقت مسرعة وارتقت إلى هناك ولكنها لم تجد ماء، ثم إن سرابا تراءى لها على الصفا فظنته ماء فانطلقت مسرعة وارتقت إلى هناك، ولكنها لم تجد ماء، ثم تكرر معها هذا الوهم سبع مرات وهي تروح وتجيء بين الصفا والمروة، وعندما يئست عادت إلى الطفل فرأت الماء ينبجس من تحت قدميه، فراحت تجمعه بكفيها وهي تقول زم زم؛ أي ضيق فوهتك، وشربت وسقت ابنها؛ ولذلك دعي بئر مكة بزمزم. هذه هي الأسطورة الإسلامية التي نشأت عن طقس قديم نسيت أصوله. (س):
عندي هنا ملاحظة أود التوقف عندها، وهي أننا في السورة التي أوردتها نجد أن البيت الحرام (أو الكعبة) كان قائما عندما استقرت عنده هاجر وابنها إسماعيل الصغير. وذلك من قول إبراهيم: «إني تركت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم.» ولكن الشائع عند المسلمين أن إبراهيم وابنه إسماعيل هما اللذان بنيا البيت الحرام ، وبذلك يكون بناؤه قد تم بعد وصول هاجر لا قبله. (ج):
هذه المعلومة عند المسلمين مستمدة من آية وردت في موضع آخر:
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ... (سورة البقرة: 127). (س):
ألا يوجد هنا تناقض بين سورة إبراهيم وسورة البقرة؟ (ج):
النص الديني لا يهتم بتقديم معلومة دقيقة وموثقة، ولكنه يقدم فكرة يمكن التعبير عنها بأكثر من طريقة. والفكرة التي قصدت الآيتان إلى التعبير عنها هي قدسية هذا المكان بصرف النظر عن تاريخ بنائه ومتى بني. إن ما يبدو لنا من تناقض أحيانا في النص الديني نابع من اختلاف منطقنا الحديث عن «منطق» القص الأسطوري. (س):
هذا الاختلاف بين المنطق الأسطوري وبين منطقنا الحديث، هو الذي يقف حائلا بيننا وبين فهم الرسائل المتضمنة في العديد من الأساطير. أليس كذلك؟ (ج):
Неизвестная страница