Аллах, Вселенная и Человек: Взгляды на историю религиозных идей
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Жанры
وهذا ما يقوم به التاريخ الميثولوجي، أو التاريخ المقدس كما أدعوه، عندما يكشف عن فعاليات الكائنات الماورائية في الأزمان الميثولوجية الأولى، وما نجم عنها في عالم الطبيعة والإنسان. إن كل ما يجري في العالم المنظور ينشأ عن بوادر أولى متجذرة في الزمن الأسطوري، زمن الأصول؛ فالجنس البشري محكوم عليه بالكد والمشقة في تحصيل معاشه؛ لأن الآلهة خلقته لكي يحمل عنها عبء ما كانت تقوم به من أعمال لتحصيل قوتها، على ما تقوله لنا أسطورة أتراحاسيس ونصوص بابلية أخرى. أو لأن الله قال لآدم: «ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك.» على ما يقوله لنا سفر التكوين في التوراة، والمؤسسات الاجتماعية المختلفة مثل الملوكية الوراثية والكهنوت موجودة لأنها نزلت من السماء على ما نعرفه من أسطورة آدابا وأسطورة إيتانا والنسر البابليتين، والمرض حل بجسم الإنسان بسبب خطيئة الإله إنكي، على ما نعرف من أسطورة إنكي وننخرساج، وصار الموت محتما على الإنسان بسبب خطيئة ارتكبها الإنسان الأول، على ما نعرف من أسطورة آدابا البابلية وأسطورة آدم وحواء، والشر دخل في نسيج خلق الله الحسن بسبب تمرد ملاك في السماء على خالقه وتحوله إلى شيطان ... إلى آخر ما هنالك من أفعال وأحداث قادت إلى تكوين الصورة الحالية لعالم الإنسان. (س):
وهل يعني هذا أن الأسطورة هي نوع من التاريخ، من حيث إنها تشبع عند الإنسان ذلك التوق إلى معرفة أصول وجذور الأوضاع الراهنة؟ (ج):
إن الأسطورة والتاريخ هما بمثابة وسيلة يفهم منها الإنسان نفسه ويعي شرطه، وتوقنا الآن إلى قراءة وفهم التاريخ يصدر عن الدافع نفسه الذي كان يدفع أسلافنا إلى الاستماع إلى الأساطير، ولكن ما يميز هاتين المنظومتين عن بعضهما هو أن الفكر الحديث أحل أفعال الإنسان وقوانين التطور محل مشيئة وأفعال الآلهة كمحرك للتاريخ؛ أي إنه استبدل التاريخ المقدس بالتاريخ الدنيوي. (س):
نحن نعرف ما هو التاريخ الدنيوي وكيف نشأ، ونعرف عن آلياته، ولكن ما هي آليات التاريخ المقدس؟ (ج):
كان لدى الإنسان القديم، كما لدى الإنسان الحديث، رغبة في الاحتفاظ بنوع من الذاكرة الجمعية التي تعطي وجوده في هذا العالم معنى ومغزى. وبدون هذه الذاكرة التي نسجتها له الميثولوجيا يصير إلى حالة أشبه بالموت؛ لأن نسيان الماضي هو نوع من الموت؛ فالموت نسيان، والموتى الهابطون إلى العالم الأسفل في الميثولوجيا اليونانية يشربون في طريقهم من نبع يدعى نبع النسيان لكي يقضوا الحياة الأخرى بدون ذاكرة؛ أي بدون تاريخ. غير أن ما يفرق الذاكرة الجمعية الأسطورية عن الذاكرة الجمعية التي يصنعها علم التاريخ هو محتوى كل منهما؛ فالتاريخ الأسطوري لا يحفل بغير الأحداث الناجمة عن عمل الآلهة، أو عن تداخل عالم الآلهة بعالم البشر. أما الأحداث الدنيوية، وأما أعمال الإنسان، فلا قيمة لها ولا تستحق الجمع والحفظ، فإذا قيض لحادثة أو شخصية ما أن تخلد في الذاكرة فإن ذلك لن يأتي إلا عن طريق أسطرتها وارتفاعها من مستوى الواقع إلى مستوى الحدث الميثولوجي؛ فملوك اليونان القدماء مثل يوليسيس وأغاممنون ومينيلاوس، لم تصل أخبارهم أسماع الإغريق إلا بعد أن ألبستهم الإلياذة حلة ميثولوجية أصيلة. والشيء نفسه ينطبق على جلجامش السومري والملك آرثر وفرسان المائدة المستديرة لدى الأنكلوساكسون. (س):
هل تعني أن الإنسان كان غافلا عن دوره في تاريخ الحضارة؟ (ج):
هذا شيء غريب بالفعل ولكنه صحيح. لقد عزا الإنسان إلى الآلهة في الميثولوجيا الرافدينية كل منجزاته الحضارية وابتكاراته التكنولوجية التي قادت عملية الارتقاء والتقدم؛ فالإله، لا الإنسان، كان أول راع وأول فلاح، وأول من دجن الحيوان وحلب البقر وصنع الزبدة والجبن، وأول من طحن القمح وخبز الخبز، وأول من صنع المحراث والمعول. ولقد مضى دهر على الآلهة وهم يقومون بكل الأعمال اللازمة لتأمين قوتهم إلى أن جاء وقت قرروا فيه خلق الإنسان لكي يحمل عبء العمل عنهم ويخلدوا هم للراحة. (س):
هل يعقل أن ذلك الإنسان الذي صنع الثورة النيوليتية، أول ثورة حضارية شاملة في التاريخ، كان جاهلا بما فعل؟ (ج):
وأكثر من ذلك؛ فقد كان جاهلا بأنه صنع الثورة الثانية، وأعني بها الثورة المدينية، ولم يكن يعرف الكثير عن أصل وتطور ونمو المدن التي بناها أسلافه في ماض قريب إليه، واعتقد بأن مدنه التي يسكنها قد بنتها الآلهة في سالف الأزمان. والإشارات الموجودة في النصوص المشرقية حول هذا الموضوع عديدة؛ فمدينة نيبور السومرية بناها الإله إنليل، ومثلها أوروك التي يصفها مطلع ملحمة جلجامش بأنها صنعة يد الآلهة، ومثلها أيضا إيريدو التي بناها الإله إنكي، وبابل العظيمة التي بناها الإله مرودخ. (س):
وماذا عن الأعمال التي كان الإنسان ينجزها في زمنه لا في أزمان الأصول الأولى؟ (ج):
Неизвестная страница