يوحنا لم يرقه مشهد يسوع وهو راكب على حمارين في آن معا وفضل على ذلك جحش مرقس، ودعاه جحش أتان أي ابن أتان: «وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أورشليم، فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون: أوصنا، مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل. ووجد يسوع جحشا فجلس عليه كما هو مكتوب: لا تخافي يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتي جالسا على جحش أتان» (يوحنا، 12: 12-15). (4) رواية لوقا
لوقا وحده يعطينا الصورة الأقرب إلى الواقع. فليس هناك من جموع ولا حشود، ولم يكن في موكب يسوع سوى تلاميذه: «وأتيا بالجحش إلى يسوع وطرحا ثيابهما عليه وأركبا يسوع. وفيما هو سائر فرشوا ثيابهم في الطريق، ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا قائلين: مبارك الملك الآتي باسم الرب، سلام في السماء ومجد في الأعالي» (لوقا، 19: 35-38). ونلاحظ هنا غياب لقب «ابن داود» ذي الطابع السياسي عن هتافات التلاميذ، وكذلك الإشارة إلى «مملكة أبينا داود»، كما نلاحظ اقتران لقب «الملك» بسلام السماء ومجد الأعالي لا بأي مملكة أرضية.
لقد دخل يسوع إلى أورشليم كمعلم روحي يريد إسماع صوته في عاصمة الجهل والغطرسة، برفقة مجموعة من أتباعه البسطاء الذين ينتمون إلى الشرائح الفقيرة في المجتمع. ولكن وعلى ما يقوله مؤلف إنجيل يوحنا في مقدمته: «لقد جاء إلى بيته فما قبله أهل بيته. أما الذين قبلوه فقد أولاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله» (يوحنا، 1: 11-12).
الأيام الستة الأخيرة
أو أسبوع الآلام
تدعى الأيام الستة الأخيرة التي قضاها يسوع في أورشليم بأسبوع الآلام. وهي تمتد من يوم الأحد الواقع في 10 نيسان/أبريل إلى يوم الجمعة الواقع في 15 نيسان/أبريل، وهو أول أيام عيد الفصح اليهودي. في مساء اليوم السابق للعيد أي يوم الخميس الواقع في 14 نيسان/أبريل، وهو وقفة العيد، يتناول اليهود في بيوتهم عشاء طقسيا يدعى عشاء الفصح. فما الذي قام به يسوع خلال هذه الأيام الستة التي انتهت بموته على الصليب؟ إن الأناجيل الأربعة ليست على اتفاق فيما يتعلق بأحداث هذه الفترة. فشهادة إنجيل يوحنا تعارض شهادات الأناجيل الإزائية، وهذه بدورها غير متفقة فيما بينها.
فيما يلي من هذا البحث سوف نستعرض الروايات الإنجيلية الأربعة ونقارن فيما بينها، لكي نصل إلى نتيجة مرجحة بخصوص ما حدث، لا سيما فيما يتعلق بيوم العشاء الأخير ويوم الصلب؛ لما لهذين التاريخين من أثر على العقيدة المسيحية. (1) رواية يوحنا
وصل ركب يسوع إلى أطراف أورشليم في يوم الأحد 10 نيسان. ويبدو أن الوصول كان في وقت متأخر من النهار؛ لأن يسوع توقف في بيت عنيا للمبيت. وعند المساء أعدت له الأسرة المضيافة عشاء. وبينما كانت مرتا تخدم ولعازر متكئا إلى المائدة بجوار يسوع، دخلت أختهما مريم وبيدها حقة من عطر الناردين الغالي الثمن فدهنت به قدمي يسوع وراحت تمسحهما بشعرها ... إلى آخر القصة التي عرضناها وعلقنا عليها في مواضع سابقة (يوحنا، 12: 1-8). في صباح اليوم التالي، الإثنين 11 نيسان، خرج يسوع في موكبه ودخل أورشليم حيث راح يعلم في الهيكل، وفي المساء عاد إلى بيت عنيا (يوحنا، 12: 20-49). وبما أن المؤلف لا يخبرنا عما فعله يسوع بعد ذلك عدا اجتماعه مع الاثني عشر لتناول العشاء الأخير مساء الأربعاء 13 نيسان، فإن المرجح أنه بقي في بيت عنيا يوم الثلاثاء وقبل ظهر الأربعاء. في وقت متأخر من مساء الأربعاء بعد العشاء الأخير تم القبض على يسوع وسيق إلى بيت رئيس الكهنة حيث جرى استجوابه وجمع الشهادات ضده ، وعندما أشرقت الشمس أخذوه إلى قصر الوالي الروماني من أجل المحاكمة الرسمية التي انتهت بإدانته وصلبه عند ظهر يوم الخميس 14 نيسان، أي وقفة عيد الفصح. ويغدو الجدول الزمني لأسبوع الآلام على الشكل التالي:
الأحد 10 نيسان
الإثنين 11 نيسان
Неизвестная страница