ليس بالقليل بين أذان الفجر الصادق والإقامة، ثم يأذن النبي ﷺ بالشرب، فيعني هذا جواز الأكل والشرب بعد الفجر، وفي هذا معارضة صريحة للقرآن الكريم لا يمكن التوفيق بين النصين بوجه من الوجوه.
ومما يؤكد ورود لفظ الإقامة بمعنى الأذان قوله ﷺ: «إذا أقيمت الصلاة، فلا تأتوها وأنتم تسعون ..» الحديث، والمقصود بالإقامة هاهنا الأذان، وإلا فإن الصحابة ما كانوا يسمعون الإقامة.
ثم إن حادثة عين كهذه - شرب عمر بعد الفجر - هي متشابهة لا تنهض لمعارضة محكم، وهي حكاية فعل، لا تنهض لنسخ قول صريح في الكتاب والسنة.
ثم إن وقت الإقامة غير منضبط كانضباط الأذان، فكيف يعلق رسول الله ﷺ حكمًا شرعيًا مُهمًّا على وقت غير منضبط.
كل ذلك؛ إن كان الحديث صحيحًا - حديث أبي أمامه أن عمر شرب بعد الفجر! - وإلا فإن مداره على الحسين بن واقد، وقد ذكر أكثر من إمام منهم الإمام أحمد وابن حبان: أنه يخطئ، وأن له أوهامًا، بل إن الإمام أحمد أنكر حديثه، وقال: «في حديثه زيادة، ونفض يده»، فمثل هذا الراوي لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف النصوص المحكمة! !
وأما قول الأخوين الشيخين (١) في كتابهما «صفة صوم النبي ﷺ»: له إسنادان، فليس بصواب، بل إنما هو إسناد واحد من طريقين مدارهما على الحسين هذا، فعاد الإسنادان إسناد واحد ضعيف.
ثم إن فهم هذا الحديث فهمًا خاطئًا، حمل كثيرًا من الناس على انتهاك حرمة الوقت بعد الفجر، فيأكلون ويشربون ضاربين بالنصوص المحكمة التي ذكرنا عرض الحائط، وليس هذا من مذهب السلف في شيء، وهو رد النصوص المحكمة بمتشابه.
المسألة الثانية: الإمساك قبل أذان الفجر الصادق: الإمساك قبل الفجر، ورع بارد، واحتياط سمج، وغلو في الدين، وتحريم لما أباحه الله ﷿، ورسوله ﷺ، وقد قال ﷺ في حديث ابن عباس: «الفجر فجران؟ فجر يحرم فيه الطعام، وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة، ويحل فيه الطعام» (١).
(١) - الشيخ علي الحلبي والسيخ سليم الهلالي. ٢ - صحيح الجامع [٤٢٧٩].
1 / 4