تمهيد
1 - قصة التاجر وزوجته
2 - قصة الصياد والجني
3 - قصة الحمال
4 - قصة الدرويش الأول
5 - قصة الدرويش الثاني
6 - قصة الدرويش الثالث
7 - قصة سندباد البحار وسندباد الحمال
8 - قصة علاء الدين
9 - قصة علي بابا واللصوص الأربعون
خاتمة
تمهيد
1 - قصة التاجر وزوجته
2 - قصة الصياد والجني
3 - قصة الحمال
4 - قصة الدرويش الأول
5 - قصة الدرويش الثاني
6 - قصة الدرويش الثالث
7 - قصة سندباد البحار وسندباد الحمال
8 - قصة علاء الدين
9 - قصة علي بابا واللصوص الأربعون
خاتمة
ألف ليلة وليلة
ألف ليلة وليلة
قصص من التراث
ترجمة
أميرة علي عبد الصادق
تمهيد
قصة الملك شهريار وشهرزاد
يحكى أنه في قديم الزمان عاش ملكان عظيمان شقيقان يدعيان شهريار وشاهزمان. كان شهريار هو الأكبر سنا، وامتد سلطانه إلى أقاصي الأرض.
شعر شهريار برغبة في رؤية أخيه، فطلب من كبير وزرائه الذهاب لإحضاره إليه. وعندما حضر شاهزمان، عانقه أخوه، وقضى الأخوان اليوم بأكمله معا، ولاحظ شهريار الشحوب والمرض على أخيه.
مرت الأيام، وشاهزمان يزداد نحولا، واعتقد شهريار أن أخاه مشتاق لوطنه، لكن تبين أن الأمر أسوأ من ذلك بكثير. فبعد عشرة أيام، انهار شاهزمان وأخبر أخاه بالسبب الرئيسي وراء أحزانه. لقد هجرته زوجته الملكة، وهو الآن كسير الفؤاد. وقص على شهريار كيف تعرض للخيانة، ولم يستطع الملك العظيم تصديق ما تسمعه أذناه.
وبعد سماع ما رواه أخوه، غضب شهريار غضبا شديدا حتى إنه فقد صوابه، وقرر أنه لا يمكن الثقة في أي امرأة قط، وخطط لأمر مريع. استدعى الملك وزيره، وطلب منه أن يبحث له عن زوجة. وكان يعتزم الزواج منها يوما واحدا ثم قتلها، على أن يستمر في ذلك حتى يقضي على جميع النساء في مملكته.
كان للوزير ابنة كبرى تدعى شهرزاد، وأخرى صغرى تدعى دينارزاد. طالعت الابنة الكبرى كتبا كثيرة واتسمت باتساع ثقافتها. وعندما سمعت بمخطط الملك البغيض، قالت لوالدها: «أود أن تزوجني الملك شهريار، حتى أتمكن من إنقاذ شعبنا أو الموت مثل باقي الفتيات.»
وعند سماع الوزير ما قالته ابنته، استشاط غضبا وحرم عليها الزواج من الملك. وأخذا يتجادلان معا فترة طويلة، لكن شهرزاد لم تكن لتغير رأيها، فأرسلها الوزير لتصبح زوجة الملك، وهو يقول: «أدعو الله ألا يحرمني منك.»
غمرت السعادة قلب شهرزاد، وبعد أن تهيأت وحزمت أمتعتها، ذهبت إلى أختها الصغرى، دينارزاد، وقالت لها: «أختاه، أنصتي إلي جيدا. عندما أذهب إلى الملك، سأرسل في طلبك، وعندما تحضرين، عليك أن تقولي: «أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا قصة.» فبذلك سيطلق الملك سراحي، وسأنقذ الناس في المملكة. عليك أن تثقي في هذه الخطة.»
فأجابت دينارزاد: «عظيم.»
في تلك الليلة، اصطحب الوزير شهرزاد إلى الملك العظيم شهريار، وزوجها له. لكن عندما ذهب الملك شهريار للنوم في تلك الليلة، بكت شهرزاد. وعندما سألها الملك عن سبب بكائها، أجابت: «لدي أخت، وأود أن أودعها.»
فأرسل الملك في طلب الأخت التي حضرت وجلست على الأرض بجانب السرير. قالت دينارزاد: «أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا إحدى رواياتك الممتعة لنمضي الليلة، فأنا أخشى غيابك عني.»
استدارت شهرزاد نحو الملك شهريار، وقالت: «هل تأذن لي برواية قصة؟» فرد شهريار: «نعم.» وسعدت شهرزاد للغاية، وقالت: «اسمعا.»
الفصل الأول
قصة التاجر وزوجته
الليلة الأولى
بلغني - أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد - أنه كان هناك تاجر ثري يعد لزيارة بلد آخر. فملأ حقائبه بالخبز والتمر، وامتطى حصانه. واستمر سفره عدة ليال في رعاية الله حتى وصل إلى وجهته. وعند الانتهاء من زيارته، توجه عائدا إلى وطنه. فسافر مدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع وجد بستانا، فدخله ليستظل فيه من الشمس. جلس على ضفة جدول مائي تحت شجرة جوز، وأخرج بعض أرغفة الخبز وحفنة من التمر، وبدأ في الأكل ملقيا نوى التمر عن يمينه وعن يساره حتى اكتفى، ثم نهض وتلا صلاته.
وما كاد ينهي صلاته حتى رأى جنيا كبيرا أمامه ممسكا بسيف في يده، ويقف بقدميه على الأرض ورأسه تناطح السحاب. صاح الجني: «انهض حتى أتمكن من قتلك بهذا السيف، كما قتلت ابني.»
فزع التاجر، وقال: «أقسم بالله أنني لم أقتل ابنك، كيف حدث ذلك؟» قال الجني: «ألم تجلس، وتخرج بعض التمر من حقيبتك، وتأكله ملقيا النوى حولك؟» رد التاجر: «نعم، فعلت.» فقال الجني: «عندما كنت تلقي النوى، كان ابني يسير بجوارك، فصدمته واحدة وقتلته، وعلي أن أقتلك الآن.»
قال التاجر: «يا إلهي، أرجوك لا تقتلني.» فرد الجني: «أقسم بالله أن أقتلك كما قتلت ابني.» قال التاجر: «إذا كنت قد قتلته، فقد فعلت ذلك عن طريق الخطأ. أرجو أن تسامحني.» رد الجني: «يجب أن أقتلك.» وأمسك بالتاجر، وألقى به على الأرض.
بدأ التاجر في البكاء على زوجته وأبنائه، ورفع الجني سيفه بينما كان التاجر غارقا في دموعه، وقال: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.» •••
اقترب طلوع الصبح عند هذه النقطة من القصة، فسكتت شهرزاد تاركة الملك شهريار يتحرق شوقا لسماع باقي القصة. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة وجميلة!» فردت شهرزاد: «إنها لا تقارن بما سأخبركما به ليلة غد، هذا إن أبقى علي الملك وتركني أعيش. فالقصة ستصبح أفضل وأكثر إمتاعا.» فكر الملك: «سأبقي عليها حتى أسمع بقية القصة، ثم أقتلها في اليوم التالي.»
الليلة الثانية
ظل الملك شهريار يعمل طوال اليوم التالي، وعاد إلى المنزل في الليل إلى شهرزاد. فقالت دينارزاد لأختها: «رجاء يا أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الجني والتاجر.» فردت شهرزاد: «بكل سرور، أيها الملك السعيد.» •••
بلغني - أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد - أنه عندما رفع الجني سيفه، قال له التاجر متوسلا: «أرجوك دعني أودع أسرتي وزوجتي وأبنائي قبل أن تقتلني.» وسأله الجني: «هل تقسم بالله أنني إذا تركتك تذهب، فسوف تعود بعد سنة من تاريخ هذا اليوم؟» فرد التاجر: «نعم، أقسم بالله.»
وبعد أن أقسم التاجر بذلك، تركه الجني يذهب، فامتطى حصانه ومضى في طريقه، ليصل أخيرا إلى منزله وزوجته وأبنائه. وعندما رآهم، أخذ يبكي بحرقة؛ فسألته زوجته: «ما بك يا زوجي؟ لماذا تشعر بالحزن وجميعنا سعداء ونحتفل بعودتك إلينا؟» فأجاب: «ولماذا لا أحزن وما تبقى لي من العمر سوى سنة واحدة فقط؟» ثم أخبرها بكل شيء حدث مع الجني.
عندما سمعت أسرته ما قاله، أخذوا يبكون، وكان يوما حزينا حيث تجمع جميع الأطفال حول والدهم. قضى التاجر ما تبقى من العام على هذه الحال، ثم صلى لربه وودع أسرته. فتعلق أبناؤه برقبته، وبكت بناته، وناحت زوجته. فقال لهم: «يا أبنائي، هذه مشيئة الله.» ثم انصرف، وامتطى حصانه، وسافر حتى وصل إلى البستان.
جلس التاجر في المكان الذي تناول فيه التمر في انتظار الجني والدموع تملأ عينيه. وأثناء انتظاره، اقترب منه رجل عجوز يقود كلبين مربوطين بحزامين حول عنقيهما، وألقى عليه التحية. فرد عليه التاجر التحية. سأله الرجل العجوز: «لماذا تجلس هنا، يا صاحبي، في هذا المكان الممتلئ بالجن والشياطين؟ فما من شيء في هذا البستان المسكون سوى الحزن والأسى.»
أخبره التاجر بكل ما حدث مع الجني، فاندهش الرجل العجوز من القصة، وقال: «إن وعدك بالرجوع إلى هنا من أفعال الشجعان. والله لن أتركك حتى أرى ما سيحدث مع الجني.» وجلس بعد ذلك بجانبه وتبادلا أطراف الحديث. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. ومع طلوع الفجر، قالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة وجميلة!» فردت شهرزاد: «ليلة غد، سأخبركما بما هو أفضل وأكثر إمتاعا.»
الليلة الثالثة
في الليلة التالية، قالت دينارزاد لأختها: «رجاء يا أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة التاجر، فأنا أود سماعها.» فأجابت شهرزاد: «كما تشاءان.» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أنه بينما كان التاجر والرجل صاحب الكلبين الأسودين يتحدثان معا، أبصرا فجأة ترابا يتصاعد، وعندما تبدد، شاهدا الجني وهو يقترب منهما ممسكا بسيف فولاذي في يده. ووقف أمامهما دون أن يلقي التحية، وقال للتاجر: «تأهب للموت.» فأخذ التاجر والرجل العجوز في البكاء.
اقترب الرجل العجوز صاحب الكلبين الأسودين من الجني، وقال له: «إذا أخبرتك بما حدث لي ولهذين الكلبين، ووجدت روايتي أكثر غرابة وإدهاشا مما حدث لك مع التاجر، فهل ستعتقه؟» فأجاب الجني : «نعم، سأفعل.»
وبذلك، بدأ الرجل العجوز في رواية قصته: أيها الجني، هذان الكلبان هما شقيقاي. عندما توفي والدي، خلف وراءه ثلاثة أبناء، وأعطى كل واحد منا مثلما أعطى الآخر من المال. فأخذ كل منا ماله، وصار يمتلك متجرا. وبعد فترة وجيزة، باع أخي الأكبر - وهو أحد هذين الكلبين - محتويات متجره، وسافر في رحلة لتجارة السلع في الخارج لجني الكثير من الأموال. ومضت سنة كاملة حتى رأيت متسولا في متجري.
سألني المتسول وعيناه تملؤهما الدموع: «ألا تعرفني؟» وعندما دققت النظر فيه، تبين لي أنه أخي الأكبر. عانقته وأخذته إلى داخل المحل، وسألته ماذا حل به، فأجاب: «فقدت أموالي.»
اصطحبته معي إلى المنزل ومنحته نصف ما أملك من المال، وقلت له: «لتحيا حياتك وكأنك لم تصل إلى هذه الحال أبدا.» فأخذ الأموال عن طيب خاطر، وفتح متجرا آخر.
بعد ذلك بفترة وجيزة، عزم أخي الآخر - وهو هذا الكلب - على السفر في رحلة تجارية أيضا. وحاولنا منعه، لكنه لم يستمع إلينا. وبعد عام، عاد وحاله كحال أخيه بالضبط، فقلت له: «ألم أخبرك، يا أخي، ألا تذهب؟» بكى، وقال: «أخي، لقد خسرت كل شيء.»
اصطحبته معي إلى المنزل، وبعد أن تناولنا بعض الطعام، أخبرته أنني سأقتسم مالي معه بالتساوي. ففتح متجرا آخر، وبقينا معا فترة من الوقت. وأخيرا، طلب مني شقيقاي أن أذهب معهما في رحلة تجارية، لكنني رفضت، وسألتهما: «ألم تتعلما شيئا مما خضتما من مغامرات؟»
فتخليا عن الفكرة، وعملنا على مدار ستة أعوام في متاجرنا نبيع ونشتري، لكن في كل عام كانا يطلبان مني الذهاب معهما في رحلة تجارية. وفي النهاية، قلت لهما: «شقيقاي، أنا مستعد للذهاب معكما، كم تملكان من المال؟»
لقد فقدا كل أموالهما، لكن متجري شهد ازدهارا. لذا قسمت أموالي إلى جزأين، ثم قسمت الجزء الأول بين ثلاثتنا، وقلت لهما: «سأدفن الجزء الآخر في الأرض، تحسبا لأن يحدث لي ما حدث لكما.» وكان ردهما: «هذه فكرة رائعة.»
وبعد أن أغلقت متجري، ابتعنا سلعا تجارية، وأجرنا سفينة كبيرة، وبدأنا رحلتنا ، فأبحرنا طوال الليل والنهار مدة شهر. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. ومع طلوع الفجر، قالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة وممتعة!» فردت شهرزاد: «ليلة غد، سأخبركما بما هو أكثر غرابة، إن كتب لي الله الحياة يوما آخر.»
الليلة الرابعة
في الليلة التالية، قالت دينارزاد لأختها: «رجاء يا أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة التاجر، فأنا أود سماعها.» فأجابت شهرزاد: «بكل سرور.» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الرجل العجوز واصل رواية قصته للجني: أبحرنا أنا وشقيقاي مدة شهر في البحر المالح حتى وصلنا إلى مدينة ساحلية. دخلنا المدينة وبعنا سلعنا، واشترينا سلعا أخرى لننقلها معنا إلى السفينة. وعند وصولنا إلى شاطئ البحر، قابلت سيدة ترتدي ملابس بالية قبلت يداي، وقالت: «سيدي، لتسد إلي خدمة، وأعتقد أنني سأتمكن من مكافأتك عليها.» أجبتها: «سأسدي لك الخدمة دون مكافأة.» فقالت: «سيدي، لتتزوجني وتأخذني معك على متن هذه السفينة.»
أشفقت عليها، وهداني ربي إلى الموافقة. فمنحتها ثوبا جميلا، وتزوجنا، ثم أخذتها إلى السفينة، وأبحرنا ثانية. أحببتها كثيرا، وبقيت معها ليلا ونهارا متجاهلا شقيقي.
وفي هذه الأثناء، شعر شقيقاي بالغيرة مني، وخططا لقتلي. وفي إحدى الليالي، انتظرا حتى نمت بجانب زوجتي، ثم حملانا، وألقيا بنا في البحر.
وعندما استيقظنا، تحولت زوجتي إلى شبح، وحملتني في البحر حتى وصلت بي إلى إحدى الجزر. وفي الصباح، قالت لي: «زوجي، لقد كافأتك بإنقاذك من الغرق. عندما رأيتك على شاطئ البحر، أحببتك وأتيت إليك متخفية، وأنت قبلت حبي. لكن الآن يجب أن أقتل شقيقيك.»
عندما سمعت ما قالته، اندهشت، وشكرتها على إنقاذ حياتي. أخبرتها بكل ما حدث لنا منذ وفاة أبينا، من البداية إلى النهاية. وعندما سمعت قصتي، غضبت بشدة، وقالت: «سأطير الآن إلى شقيقيك، وأغرق سفينتهما.»
فقلت لها: «بالله عليك، لا تفعلي. ففي النهاية هما شقيقاي.» وفي آخر الأمر، تمكنت من تهدئتها، وطارت معي، وأنزلتني على سطح منزلي. نزلت إلى الطابق السفلي، وحفرت الأرض لأخرج المال الذي دفنته، ثم خرجت ملقيا التحية على الناس في السوق، وفتحت متجري من جديد.
وعندما عدت إلى المنزل ذلك المساء، وجدت هذين الكلبين مقيدين. وما إن رأيتهما حتى توجها نحوي باكيين، وأخذا يتمسحان بي. وفجأة سمعت زوجتي تقول: «سيدي، هذان شقيقاك. سيبقيان على هذه الحال عشر سنوات، ولن يصيرا رجلين ثانية إلا بعد انقضاء هذه المدة.» ثم أخبرتني بالمكان الذي يمكنني العثور عليها فيه، ورحلت.
مرت السنوات العشر، وكنت في طريقي مع شقيقي إلى زوجتي لإبطال هذا السحر عندما التقيت بهذا الرجل هنا. وعندما سألته عن قصته، أخبرني أنك ستقتله، ووعدته ألا أتركه حتى أعلم ما سيحدث بينكما. هذه قصتي، أليست مثيرة للدهشة؟ •••
رد الجني: «والله، إنها لقصة غريبة ومدهشة، كما وعدت. لقد فزت، وسأعتق الرجل.» ثم أطلق الجني سراح الرجل، ورحل. شكر التاجر الرجل العجوز الذي هنأه بدوره على استرداد حريته. وعاد الرجل إلى منزله وأسرته، وعاش معهم سنوات عديدة حتى يوم مماته. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة وممتعة!» فردت شهرزاد: «ليلة غد، سأروي لكما قصة الصياد، وهي قصة أكثر إثارة.»
الفصل الثاني
قصة الصياد والجني
الليلة الخامسة
في الليلة التالية، قالت دينارزاد لأختها: «رجاء يا أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وقال الملك: «لتكن قصة الصياد.» فأجابت شهرزاد: «كما تشاءان.» •••
يحكى أنه كان هناك صياد عجوز للغاية، له زوجة وثلاث بنات. وكانوا فقراء للغاية حتى إنه لم يكن لديهم ما يكفيهم من الطعام كل يوم. كان هذا الصياد يلقي بشبكته في المياه أربع مرات يوميا.
وفي أحد الأيام، والقمر لا يزال في السماء، والنهار لم يطلع بعد، خرج الصياد متجاوزا أطراف المدينة وصولا إلى شاطئ البحر، ثم خاض في الماء، وألقى بشبكته، وانتظر حتى غاصت. وجمع الحبل، وبدأ في سحب الشبكة، وشعر أنها تزداد ثقلا حتى أصبح غير قادر على سحبها أكثر من ذلك. فخلع ملابسه وغطس في الماء، سابحا تحت الشبكة، وأخذ يهزها ويجرها حتى جلبها أخيرا إلى الشاطئ.
ذهب الصياد لفتح الشبكة، والسعادة تغمره. لكنه عندما فعل، لم يجد سوى جرة كبيرة فارغة. فحزن الصياد بعد كل هذا العمل، وقال: «يا له من صيد غريب!»
صلى الصياد لربه، ونظف شبكته وأصلحها، ونشرها لتجف، ثم خاض في الماء مرة أخرى وألقى بها ثانية. علقت الشبكة مرة أخرى، وكان عليه أن يغوص في الماء ليحررها. وعندما سحبها إلى الشاطئ، ونظر بداخلها، ملأت الدموع عينيه. لم يكن في الشبكة سوى لوح خشبي متعفن. فصاح: «هذا أغرب يوم شهدته عيناي!»
بسط الصياد شبكته مرة أخرى لتجف، ودعا ربه ثانية. وعندما جفت، ألقاها مرة ثالثة، وانتظر حتى غاصت. وعندما رفعها هذه المرة، لم يجد بداخلها سوى صخور وزجاجات مكسورة. فأخذ يبكي حظه السيئ.
رفع الصياد عينيه إلى السماء، وقال: «يا إلهي، أنت تعلم أنني ألقي بشبكتي في المياه أربع مرات فقط كل يوم، وقد ألقيتها ثلاث مرات بالفعل، ولم تعد هناك سوى محاولة واحدة. فاجعل البحر يساعدني يا إلهي!»
ألقى الصياد شبكته في الماء للمرة الرابعة، وشاهدها وهي تغوص. وعندما سحبها، لم تتحرك. فأخذ يهزها، واكتشف أنها معلقة في القاع. مرة أخرى، غاص في الماء، وعمل فترة طويلة على هزها حتى حررها وسحبها إلى الشاطئ. كان هناك شيء ثقيل بداخلها. وعندما فتحها، رأى جرة نحاسية بسدادة في طرفها.
سعد الصياد، وقال لنفسه: «سأبيعها في السوق، فهي تساوي بالتأكيد مبلغا كبيرا من المال.» وحاول تحريك الجرة، لكنها كانت ثقيلة للغاية حتى إنه لم يتمكن من زحزحتها. فقرر نزع السدادة، وإخراج محتويات الجرة. وتمكن أخيرا من نزعها باستخدام سكينه، ثم أمال الجرة على الأرض وهزها، لكن لم يخرج منها شيء، فأصابته دهشة بالغة.
لكن بعد برهة تصاعدت سحابة كبيرة من الدخان، وأخذت تزداد حجما حتى أخفت ضوء النهار. واستمر الدخان في التصاعد من الجرة، ثم تجمع وتشكل حتى تجسد أمامه جني قدماه على الأرض ورأسه تناطح السحاب. كانت رأسه تشبه القلعة، وفمه كالكهف ، وأسنانه أنياب مهيبة.
عندما رآه الصياد، ارتعد من الرعب، وتوقف فكه عن الحركة، وجف فمه. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مذهلة!» فردت شهرزاد: «ليلة غد، سأروي لكما شيئا أكثر تشويقا، هذا إن بقيت حية.»
الليلة السادسة
في الليلة التالية، قالت دينارزاد لأختها: «رجاء يا أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الجني والصياد.» فردت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الصياد سأل الجني: «أيها الجني، لماذا توجد في هذه الجرة؟» فأجاب الجني: «ابتهج!» سأله الصياد: «ولماذا أبتهج؟» فأضاف الجني: «ابتهج لأنك على وشك أن تقتل.»
عبس الصياد عند سماعه ذلك، وقال: «لماذا ترغب في قتلي وأنا أعدتك إلى هذا العالم؟»
فأجاب الجني: «تمن أمنية!» سعد الصياد ثانية، وقال: «ماذا أتمنى؟» فأجاب الجني: «أخبرني كيف تود أن تموت.»
سأل الصياد: «هل هذا جزاء تحريري لك من الجرة؟» فأجاب الجني: «لتسمع قصتي، أيها الصياد. لقد أغضبت الرب، فوضعني في هذه الجرة النحاسية، وأحكم غلقها، وألقى بي في البحر. وظللت هناك مائتي عام، وأنا أفكر: «أي شخص سيحررني، سأجعله غنيا.» لكن مرت الأعوام المئتان، ولم يحررني أحد. وعندما دخلت في المائة عام التالية، قطعت على نفسي عهدا بأن: «أي شخص سينقذني، سأجعله ملكا وأمنحه ثلاث أمنيات كل يوم.» لكن هذه الأعوام المائة انقضت، وأعوام أخرى كثيرة حتى الآن، ولم يحررني أحد. فغضبت غضبا عارما، ودمدمت لنفسي قائلا: «من الآن فصاعدا، أي شخص سيحررني، سأجعله يختار بنفسه كيف يموت.» وبعد فترة وجيزة، ظهرت أنت وحررتني، لذلك أخبرني كيف تود أن تموت.»
عندما سمع الصياد ما قاله الجني، رد عليه قائلا: «إنا لله وإنا إليه راجعون. أبعد كل هذه السنوات، ولحظي السيئ، أحررك الآن. أعتقني، وسيعفو عنك الله. أما إذا قضيت علي، فسيقضي عليك الله.» فكرر الجني قوله: «أخبرني كيف تود أن تموت.»
أيقن الصياد الآن أنه سيموت، فبكى، وقال: «أبنائي، ربي لا تفرق بيني وبينهم.» واستدار ثانية للجني وقال: «بالله عليك، أعتقني جزاء لي على تحريري لك من هذه الجرة.» فأجاب الجني: «موتك هو جزاء إنقاذك لي.»
فكر الصياد بعد ذلك مع نفسه: «إنه ليس سوى جني، وأنا بشر. أنا أكثر ذكاء منه.» ثم سأله: «هل تعدني بالإجابة عن سؤال واحد قبل أن تقتلني؟» فأجاب الجني: «اسأل.» •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة ومذهلة!» فردت شهرزاد: «إنها لا تقارن بما سأرويه ليلة غد.»
الليلة السابعة
في الليلة التالية، قالت دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الجني والصياد.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك - أن الصياد قال للجني: «بالله عليك، أخبرني هل كنت حقا داخل هذه الجرة.» فأجاب الجني: «أقسم بالله أنني كنت حبيس هذه الجرة.» قال الصياد: «أنت تكذب، فهذه الجرة ليست كبيرة بما يكفي لتسع إحدى يديك. فكيف تسع جسمك بأكمله؟» فرد الجني: «ألا تصدق أنني كنت بداخلها؟» قال الصياد: «نعم، لا أصدق.»
فانتفض الجني وتحول إلى دخان تصاعد وامتد فوق البحر وانتشر فوق الأرض، ثم تجمع وبدأ يدخل في الجرة. وعندما اختفى الدخان، صاح الجني من الداخل: «يا صياد، أتصدقني الآن؟»
أمسك الصياد السدادة على الفور، وثبتها بإحكام في فتحة الجرة، ثم صاح: «والآن، أيها الجني، أخبرني كيف تود أنت أن تموت، لأنني سألقيك في هذا البحر، وأقيم منزلا هنا على الشاطئ، وأحذر كل صياد يمر بالمكان من الجني الذي سيخيره بشأن كيفية موته.»
أدرك الجني أن الصياد خدعه، وقال: «أيها الصياد، لا تفعل ذلك بي، لقد كنت أمزح معك فقط.»
فرد الصياد: «إنك لأكثر الجن دناءة وخسة.» ثم بدأ يدحرج الجرة ناحية البحر. صاح الجني: «لا! لا!» لكن الصياد أجاب: «نعم! نعم!»
وأخيرا، طلب الجني بصوت رقيق: «أيها الصياد، إذا فتحت الجرة، فسأجعلك غنيا.» فرد الصياد: «أنت تكذب، وسأعاقبك بإلقاء هذه الجرة في قاع البحر!»
صاح الجني : «يا صياد، لا تفعل! حررني هذه المرة، وأتعهد بألا أزعجك أو أمسك بأذى أبدا، ولكنني سأجعلك غنيا.» عندما سمع الصياد ذلك، جعل الجني يتعهد أمام الله أنه إذا حرره وأطلق سراحه، فلن يؤذيه ولكن سيجعله غنيا.
بعد أن قطع الجني هذا العهد على نفسه، فتح الصياد الجرة، وبدأ الدخان في التصاعد ثانية. وعندما برز الجني، ركل الجرة بعيدا لتطير في الهواء وتصل إلى منتصف البحر. وعندما رأى الصياد ذلك، أيقن أنه سيموت قريبا. لكنه صاح: «أيها الجني، لقد تعهدت أمام الله. فلا تغدر بي، وإلا فسيهلكك الله.»
ضحك الجني عندما سمع ما قاله الصياد، ورد: «أيها الصياد، اتبعني.» وتبعه الصياد حتى وصلا إلى جبل خارج المدينة، فتسلقاه إلى الجانب الآخر ووصلا إلى غابة. وفي منتصف الغابة، كانت هناك بحيرة محاطة بأربعة تلال.
نظر الصياد إلى البحيرة متعجبا حيث امتلأت بأسماك متعددة الألوان. وطلب الجني من الصياد أن يلقي بشبكته. ففعل، ثم سحبها وبها أربع سمكات: «واحدة بيضاء، وأخرى حمراء، وثالثة زرقاء، ورابعة صفراء.»
قال له الجني: «والآن، خذ هذه الأسماك إلى ملك مدينتك، وسوف يمنحك ما يكفي لجعلك غنيا. لكن لا تصطد هنا أكثر من مرة واحدة في اليوم.» ثم ركل الجني الأرض، فانشقت وبلعته كاملا.
وفعل الصياد - يا سيدي الملك - كما أخبره الجني، وباع السمك مقابل مبلغ مناسب من المال. وأصبح يذهب كل يوم إلى البحيرة الغامضة، ويصطاد كل يوم أربع سمكات - بيضاء وحمراء وزرقاء وصفراء - ثم يبيعها للملك. ومنذ ذلك الحين، لم يمر يوم على زوجته وأبنائه بلا طعام. ونعموا جميعا بسعادة غامرة، وأخذ الصياد يحصي النعم التي أنعم عليه بها من اليوم الذي التقى فيه الجني الرهيب. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «أختاه، يا لها من قصة غريبة ومذهلة!» فردت شهرزاد: «إنها لا تقارن بالقصة التي سأرويها غدا، هذا إن بقيت على قيد الحياة.»
الفصل الثالث
قصة الحمال
الليلة الثامنة
في الليلة التالية، وعندما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد : «رجاء يا أختاه، اروي لنا قصة أخرى من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن قصة تفوق قصة الجني والصياد روعة.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن شابا يعمل حمالا عاش في مدينة بغداد، وكان يحمل السلع وينقلها. وفي أحد الأيام، وبينما هو واقف في السوق، متكئا على سلته، أتت إليه امرأة ترتدي نقابا من الحرير ووشاحا أنيقا ذهبي اللون. وعندما رفعت وجهها، لاحظ الشاب أن لديها عينين جميلتين داكنتي اللون. وقالت له بصوت رقيق: «يا حمال، احمل سلتك واتبعني.»
أخذ الحمال سلته، وأسرع خلفها، وهو يقول: «يا له من حظ حسن! يا له من يوم سعيد!» وسارت أمامه حتى وصلت إلى أحد المنازل، وعندما طرقت الباب، خرجت سيدة عجوز وأعطتها إبريقا ثقيلا. فوضعت الإبريق في السلة، وقالت: «يا حمال، احمل سلتك واتبعني.» فتبعها الحمال إلى بائع الفاكهة حيث ابتاعت تفاحا أحمر وأصفر، وخوخا، وليمونا، وبرتقالا. ووضعت كل ذلك في سلة الحمال، وطلبت منه أن يتبعها. ففعل، وهو يصيح: «يا له من حظ حسن! يا له من يوم سعيد!»
توقفت بعد ذلك عند الجزار، وطلبت عشرة أرطال من لحم الضأن الطازج، ووضعته في السلة، وقالت: «يا حمال، اتبعني.» اندهش الحمال من كل الأشياء الرائعة التي كانت تشتريها. ووضع السلة على رأسه، وتبعها إلى البقال والمخبز ومحل بيع الأدوية. ووضعت هي كل سلعها في السلة، واستدارت إلى الحمال، وقالت: «احمل سلتك، واتبعني.»
حمل الحمال السلة، وسار خلفها حتى وصلت إلى منزل كبير ذي أعمدة ضخمة وباب مزدوج مغطى بالعاج والذهب البراق. توقفت المرأة عند الباب، وطرقته برقة. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «أختاه، يا لها من قصة غريبة ومذهلة!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا.»
الليلة التاسعة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الحمال.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الحمال وقف ومعه السلة، فانفتح الباب. ألقى الحمال نظرة ليرى من فتح الباب، فرأى امرأة أخرى جميلة ذات جبهة عريضة كالقمر الوليد، وأسنانها بيضاء كصف من اللآلئ.
عندما رآها الحمال، صاح: «هذا أكثر يوم مبارك شهدته!» ثم قالت المرأة التي فتحت الباب لتلك التي تسوقت: «أختاه، ماذا تنتظرين؟ ادخلي ودعي هذا الرجل المسكين ينزل سلته.»
دخلت المرأة المتسوقة والحمال المنزل، وتبعتهما من فتحت الباب إلى ردهة كبيرة يتوسطها حوض مياه في منتصفه نافورة، وفي نهايتها ستارة من الحرير الأحمر. فتحت الستارة، وظهرت من خلفها امرأة أخرى مبهرة وجهها يفوق الشمس إشراقا. سارت نحوهم وقالت: «لماذا تقفان هكذا؟ لتخففا الحمل عن هذا الرجل المسكين.»
ساعدت الشقيقات الثلاث الحمال في إنزال السلة وإفراغها، وكدسن كل شيء في أكوام منظمة، وأعطين الحمال إكرامية.
عندما رأى الحمال مدى جمال هؤلاء السيدات وسحرهن، والسلع الكثيرة التي كدسنها حولهن، لم يرغب في الرحيل. سألته إحداهن: «لماذا لم تذهب؟ هل الإكرامية قليلة؟» ثم استدارت إلى أختها وقالت: «أعطيه مزيدا من المال.»
أجاب الحمال: «يا إلهي، المال ليس قليلا، لكنني لاحظت أنه لا يوجد هنا من يسليكن. تحتاج المائدة أربعة أرجل، وأنتن ثلاثة، وبالتأكيد تحتجن لشخص رابع معكن.»
عندما سمعن ما قاله، أجبن: «مرحبا بانضمامك إلينا.» ثم أخرجت الشقيقات الثلاث جميع صنوف الطعام والشراب إلى جانب حوض المياه. وظن الحمال أنه يحلم. أخذ الحمال والسيدات يأكلون ويشربون ويغنون، ثم يأكلون ويشربون ويغنون أكثر. وملأت البهجة نفس الحمال، وبدأ يرقص ويمزح، والشقيقات الثلاث يرقصن ويمزحن معه. وقضوا ساعات طوال على هذا الحال، يأكلون ويغنون ويمرحون. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «أختاه، يا لها من قصة غريبة ومذهلة!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا، هذا إن بقيت على قيد الحياة.»
الليلة العاشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن ما تبقى من قصة الحمال.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
عندما حل الليل، قالت الشقيقات الثلاث للحمال: «سيدي، لقد حان الوقت لتنهض. فلترتدي خفيك وترحل.» فرد الحمال: «إن خروج روحي من جسدي أهون علي من فراقكن. دعونا نواصل ما نحن عليه، ثم نفترق في الصباح.»
قالت المتسوقة: «شقيقتي، دعاه يبقى، ولنواصل متعتنا.» وافقت الشقيقتان، لكن قالتا: «سيدي، يجب أن توافق على أمر واحد. انهض واذهب لترى ما هو مكتوب على الباب الأمامي لمنزلنا.»
فنهض الحمال، وذهب إلى الباب، فوجد هذه الكلمات بحروف ذهبية: «من يتدخل في شئون غيره، يلق عقابا عظيما.» عاد الحمال وقال: «أعدكن ألا أسأل عن أي شيء لا شأن لي به.»
أضاءوا بعد ذلك المصابيح، وقضوا وقتا طويلا يضحكون ويمزحون ويستمتعون بوقتهم. وفجأة، سمعوا طرقا على الباب. فنهضت إحدى السيدات، وتوجهت إلى الباب، وعادت بعد برهة وهي تقول: «شقيقتي، إذا أصغيتما إلي، فستحظيان بليلة ممتعة تتذكرانها دائما.» فسألاها: «كيف ذلك؟»
فأجابت: «يقف ثلاثة دراويش عور بالباب، كل منهم حليق الرأس والذقن. وصل رجال الدين الثلاثة إلى بغداد لتوهم، ولم يشاهدوا مدينتنا العظيمة من قبل. ونظرا لكونهم أغرابا وليس هناك مكان يمكنهم الذهاب إليه، طرقوا بابنا آملين في أن نسمح لهم بالنوم في الإسطبل، أو أن نقدم لهم غرفة يبيتون فيها الليلة. شقيقتي، هل توافقان على السماح لهم بالدخول فنستمتع بوقتنا؟»
وافقت الشقيقتان، وقالتا: «دعيهم يدخلون، لكن حذريهم من أن من يتدخل في شئون غيره، يلق عقابا عظيما.» فغادرت المتسوقة، وعادت مع الدراويش الثلاثة، الذين ألقوا التحية وانحنوا لهن. ووقفت الشقيقتان الأخريان لتحيتهم، وكن جميعا سعيدات بهذه الزيارة.
عندما رأى الدراويش الردهة الجميلة المليئة بالطعام والشراب، والأخوات الثلاث الجميلات، قالوا جميعا في وقت واحد: «يا إلهي، هذا رائع.» ضحكت السيدات وجلسن مع الحمال والدراويش. أخذوا يأكلون ويشربون حتى قال الحمال للدراويش: «يا أصدقاء، هل ترفهون عنا بشيء ما؟» •••
هنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة وجميلة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا.»
الليلة الحادية عشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصص الممتعة.» وأضاف الملك: «أخبرينا بما حدث للدراويش.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك - أن الدراويش الثلاثة طلبوا آلات موسيقية، وأن حارسة الباب أحضرت لهم دفا ونايا وقيثارا. فنهض الدراويش وأخذوا الآلات، وضبطوها، وبدءوا العزف والغناء والسيدات يغنين من حولهم حتى صار صوتهم مرتفعا للغاية. وفي آخر الأمر، سمعوا طرقا عنيفا على الباب، فذهبت حارسة الباب لتعرف ما الأمر.
تصادف في ذلك الوقت وصول الخليفة، حاكم الناس، ووزيره جعفر إلى المدينة. وعند مرورهما بالباب، سمعا أصوات الموسيقى والضحك.
قال الخليفة: «جعفر، أود الدخول إلى هذا المنزل وزيارة من بداخله.» فرد جعفر: «يا أمير المؤمنين، هؤلاء الناس لا يعرفون من نحن، وأخشى ألا يرحبون بنا.» قال الخليفة: «لا تجادل، سأدخل المنزل.» فطرق جعفر الباب، وعندما فتحت المرأة الباب، تقدم الوزير، وقبل الأرض أمامها وهو يقول: «سيدتي، نحن تاجران فقيران مررنا ببابكم، فسمعنا أصوات الموسيقى والضجيج، ونرجو السماح لنا بالدخول ومنحنا مأوى نبيت فيه الليلة.»
أشفقت عليهما المرأة، وسمحت لهما بالدخول. وعندما دخل الرجلان الردهة، نهض الجميع - الشقيقتان والدراويش والحمال - لتحيتهما، ثم جلسوا جميعا. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة وممتعة!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إن بقيت على قيد الحياة.»
الليلة الثانية عشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء، اروي لنا حكاية أخرى رائعة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة الشقيقات الثلاث.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك - أنه بعد دخول الخليفة وجعفر وجلوسهما، استدارت السيدات لهما وقلن: «يسعدنا نزولكما ضيوفا لدينا، لكن يجب أن تفهما أمرا واحدا.» فسألا: «ما هذا الأمر؟» أجابت السيدات: «من يتدخل في شئون غيره، يلق عقابا عظيما.»
فأجاب الرجلان: «كما تشأن، نحن لا نريد التطفل.» وبرضاهن عن هذه الإجابة، جلست الشقيقات للترفيه عنهما. تناول الجميع الطعام والشراب، وعلا الغناء والرقص والإثارة. واندهش الخليفة من رؤية الدراويش العور، ومن عزفهم الجيد على الناي والدف والقيثار. أيضا أدهشته رؤية الشقيقات الثلاث وما يتمتعن به من جمال وسحر ورشاقة ولطف.
وفيما بعد في هذه الليلة، وبعد الكثير من الشرب والحديث والغناء، نهضت الشقيقات عن مقاعدهن، ونظفت حارسة الباب المائدة وأخلت منتصف الردهة، وجعلت الدراويش يجلسون على مائدة واحدة، والخليفة وجعفر على أخرى.
أخرجت بعد ذلك المتسوقة كلبين أسودين، وقادتهما إلى منتصف الردهة. بدأت الشقيقات في الرقص بينما شاهدهم الجميع والدهشة تملؤهم. وفك قيد الكلبين لترقص الشقيقات معهما. وأخذن في الدوران حتى خارت قوة أحد الكلبين وسقط من الإعياء. انحنت إحدى الشقيقات وقبلته على جبينه، ورقصن ثانية، وأخذن يدرن بعنف حتى فقد الكلب الآخر وعيه.
أراد الخليفة معرفة المزيد عما كان يشاهده، لكن جعفر أوقفه قائلا: «هذا ليس الوقت المناسب لطرح الأسئلة.»
وعند الانتهاء من الرقص - أيها الملك السعيد - أبعد الكلبان الأسودان ثانية، وعادت الشقيقات، وانتقلن إلى الأرائك مع ضيوفهن. كانت المصابيح لا تزال مضاءة، ولا يزال هناك طعام وشراب، لكن شعر الرجال بالدهشة والحيرة مما يشهدونه من أحداث. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة وممتعة!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا، هذا إن بقيت على قيد الحياة.»
الليلة الثالثة عشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا واحدة من قصصك الرائعة لنمضي الليلة.» وأضاف الملك: «لتكن أكثر إثارة من القصة السابقة.» فأجابت شهرزاد: «حسنا، بالتأكيد!» •••
بلغني - أيها الملك - أن المتسوقة نهضت وغادرت الغرفة، وعادت حاملة حقيبة حريرية من اللونين الأخضر والأصفر. أخرجت عودا منها، وبدأت في غناء أغنية حزينة وهي تعزف على أوتاره. كانت الأغنية حزينة حتى إنها حركت مشاعر حارسة الباب وجعلتها تذرف الدموع. نظر الخليفة إليها، وقال لجعفر: «يا إلهي، لا بد أن أعلم ما حدث هنا.»
حذره جعفر: «سيدي، هذا ليس الوقت المناسب. لقد أعلمتنا هؤلاء السيدات بأن من يتدخل في شئون غيره، يلقى عقابا عظيما.» لكن الخليفة رد عليه قائلا: «بالله عليك، سأطلب تفسيرا لهذا.»
واستدار الخليفة إلى الدراويش، وقال: «أنتم من أفراد المنزل، ربما يمكنكم تفسير هذه المشاهد الغريبة لنا.» فأجابوا: «نحن لا نعلم شيئا، ولم نر هذا المكان قط قبل الليلة. هذا الرجل الموجود بجانبك يمكن أن يجيبك.»
وأشاروا إلى الحمال، لكنه أجاب: «مع أنني نشأت هنا في بغداد، والله ما دخلت هذا المنزل في حياتي قط قبل اليوم.» ثم قال الخليفة: «نحن ستة رجال أشداء. فهل تنضمون إلي في طلب الإجابة عما رأيناه هنا؟»
فوافقوا على الأمر، فيما عدا جعفر الذي قال: «دع هؤلاء السيدات وشأنهن. نحن ضيوفهن، وكما تعلم، فإننا قطعنا عهدا لهن.» ثم همس في أذن الخليفة: «اتركهن هذه الساعة الأخيرة من الليل، وغدا صباحا سوف أعود وأحضرهن ليمثلن أمامك ويروين لك قصتهن.»
لكن الخليفة صاح فيه قائلا: «لا يمكنني الانتظار أكثر من ذلك! دع الدراويش يسألونهن.» فرد جعفر: «هذه ليست فكرة جيدة.» وأخذ الرجلان يصرخان ويتشاجران.
وعندما سمعت السيدات الضجيج الذي كانا يحدثانه، سألت إحداهن: «ما الأمر؟» جاء إليها الحمال، وقال: «سيدتي، هؤلاء الرجال يريدون أن تروين لهم قصتكن وتفسرن الأمور الغريبة التي جرت هنا الليلة.»
عادت المرأة إلى الغرفة، وسألت: «هل ما يقوله صحيح؟» فأجاب الزوار: «نعم.» فيما عدا جعفر الذي لزم الصمت. وعند سماع الشقيقات لهذا الرد، قالت إحداهن: «يا أصدقاء، لقد أسأتم إلينا. ألم نخبركم بشرطنا: «أن من يتحدث فيما لا يعنيه، يسمع ما لا يرضيه»؟ لقد استقبلناكم في منزلنا، وأطعمناكم من طعامنا، وبعد كل ذلك تسيئون إلينا.»
وضربت الأرض بعد ذلك بقدمها ثلاث مرات، وهي تنادي: «احضروا على الفور.» فانفتح باب وخرج منه ستة رجال يحملون سيوفا في أيديهم. وفي لمح البصر، قيد هؤلاء الرجال الضيوف من أيديهم وأرجلهم، وربطوهم بعضهم إلى بعض، ثم اقتادوهم إلى منتصف الردهة، ووقف كل واحد منهم بجانب أحد الضيوف شاهرا سيفه فوق رأسه. وقالوا: «أيتها السيدات الكريمات، فلتأذن لنا بقطع رءوسهم.» فردت إحدى الشقيقات: «انتظروا لحظة حتى أطرح عليهم سؤالا.» فصاح الحمال: «اللهم أسألك النجاة. يا سيدتي، لا تقتليني بذنب شخص آخر!» ثم أخذ في النحيب والبكاء والتوسل.
ضحكت المرأة، وتوجهت ناحية مجموعة الرجال، وقالت لحاملي السيوف: «من يخبرنا بقصته، ويوضح لنا ما حدث له وما أتى به إلى هذا المكان، فأطلقوا سراحه. لكن من يرفض، فاقطعوا رأسه.» •••
هنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة وممتعة!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إن بقيت على قيد الحياة.»
الليلة الرابعة عشرة
في الليلة التالية، قالت دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة المذهلة.» وأضاف الملك: «فلتخبرينا بما حدث للزوار الستة.» فأجابت شهرزاد: «حسنا، بالتأكيد!» •••
بلغني - أيها الملك - أن أول من تقدم للحديث كان الحمال، الذي قال: «سيدتي، أنت تعلمين أن سبب مجيئي إلى هذا المكان هو استعانة هذه المرأة بي كأجير، والتي تقدمتني من متجر إلى آخر حتى وصلنا في النهاية إلى هذا المنزل. هذه هي قصتي.» فأجابت المرأة: «يمكنك الذهاب.» لكنه رد قائلا: «لا والله لأبقين حتى أسمع روايات الآخرين.»
الفصل الرابع
قصة الدرويش الأول
تقدم بعد ذلك الدرويش الأول وقال: يا سيدتي، إن سبب فقداني لعيني وحلاقة لحيتي على هذا النحو هو أن والدي كان ملكا، وكان أخوه ملكا هو الآخر ولديه ابن وابنة. وبمرور السنوات، اعتدت زيارة عمي من حين لآخر. ونمت بيني وبين ابن عمي صداقة قوية.
في أحد الأيام، زرت ابن عمي، وتعامل معي بلطف غير معتاد. وأعد وليمة ضخمة، وبعد أن أكلنا وشربنا حتى شبعنا، قال لي: «يا ابن العم، أود أن أريك شيئا ما، لكن يجب أن تبقي الأمر سرا.» فأجبته: «بكل سرور.» وبعد أن جعلني أقسم على ذلك، قال: «تعال معي.»
تبعته إلى مقبرة، ووقفنا هناك أمام قبر ضخم. كسر ابن عمي جدار القبر وفتحه ملقيا الحجارة على الجانب، وتبعته إلى الداخل. فأراني لوحا حديديا بحجم باب صغير. رفع اللوح، وكشف عن سلم متعرج، ثم قال لي: «هناك خدمة أخيرة أود أن أطلبها منك. بعد أن أنزل إلى هذا المكان، ضع اللوح الحديدي مرة أخرى من فوقي.»
بعد أن اتبعت إرشاداته، غادرت وقضيت ما تبقى من الليلة في منزل عمي. وعندما استيقظت صباح اليوم التالي، وتذكرت أحداث الليلة الماضية، ظننت أن الأمر كله كان حلما. سألت عن ابن عمي، لكن لم يستطع أحد إخباري بأي شيء، ثم ذهبت إلى المقبرة وبحثت عن القبر، لكنه اختفى. قضيت الليل لا أستطيع النوم في منزل عمي، وكدت أجن من القلق، لكنني كنت قد تعهدت بألا أقول أي شيء عما رأيته. وأخيرا، عزمت العودة إلى مدينة والدي.
ما إن دخلت بوابات المدينة، حتى قبض علي، وضربت، وقيدت بالسلاسل. فقد تآمر وزير أبي عليه، وفرض سيطرته على المدينة. وحملني رجاله لأمثل أمامه، وقد كان من ألد أعدائي. حرق عيني عقابا لي، ثم أمر أحد سيافي والدي بأخذي إلى الغابة وقتلي هناك. اتبع الرجل أوامر الوزير، وكبلني إلى ظهر أحد الخيول، وقادني إلى البرية خارج المدينة. وأخيرا، هم بقتلي، فبدأت في البكاء بحرقة على ما حدث، وأخذ يبكي معي.
أشفق السياف علي وأطلق سراحي، وهو يقول لي: «انج بحياتك، ولا تعد إلى هذه الأرض أبدا، وإلا سيقتلونك ويقتلونني معك.» لم أكد أصدق حظي الحسن، فقبلت يده، ورأيت أن فقدان إحدى عيني أفضل من فقدان حياتي.
سافرت عائدا إلى مدينة عمي، وأخبرته بشأن الخيانة التي تعرض لها أبي. فقال لي: «أنا أيضا أعاني من حزن شديد. ابني مفقود ولا أعلم ما حدث له.» ثم بكى. ولم أستطع البقاء صامتا، وأخبرته بكل ما رأيته وفعلته. فرأيت حزن الملك يتحول إلى غضب؛ الأمر الذي أدهشني كثيرا. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إن بقيت على قيد الحياة.»
الليلة الخامسة عشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة المذهلة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة الدرويش الأول.» فأجابت شهرزاد: «حسنا، بالتأكيد!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الدرويش الأول قال للمرأة: عندما رأيت هذه النظرة، يا سيدتي، على وجه عمي، شعرت باستياء شديد، وقلت له: «بالله عليك يا عمي، لا تزد من شعوري بالذنب. فأنا مستاء بما يكفي لما حدث لابنك.» وكان رده: «يا ابن أخي، فلتعلم أن ابني كان يحب إحدى الجنيات بجنون، وكثيرا ما كنت أمنعه من رؤيتها، لكنه لم يستمع إلي، والآن أدركت كيف خطط لكل شيء من وراء ظهري. لقد أقام مقرا أسفل القبر الذي تتحدث عنه، وذهب لمقابلة حبيبته الجنية هناك. لقد فقدته الآن.»
فبكينا، ونظر إلي، وقال: «ستحل محل ابني.» لكن لم يكن هناك وقت للبكاء، إذ سمعنا قرع الطبول وأصوات الأبواق وصياح الرجال وهم يعطون الأوامر ببدء المعركة. سألنا عما كان يحدث، وعلمنا أن الوزير، الذي تخلص من والدي، يهاجم الآن المدينة بقوة عاتية، ولم يتمكن أحد من التصدي له.
كانت المعركة التي تلت ذلك رهيبة، وتمكنت من النجاة بأعجوبة. وعلمت أنني إذا وقعت في يدي الوزير، فسيقتلني ويقتل سياف والدي الذي أنقذ حياتي. وكانت أحزاني حينها أعظم من أي وقت مضى.
لم أستطع التفكير في أي وسيلة للهرب سوى حلاقة لحيتي وحاجبي لتغيير مظهري، وبالفعل فعلت ذلك. وتركت المدينة قاصدا بغداد ومتظاهرا بكوني درويشا، ولم يكشف أمري أحد. وكنت آمل أن أجد شخصا ما يساعدني في الوصول إلى الخليفة، أمير المؤمنين، حتى أخبره بقصتي. وصلت الليلة، وأثناء وقوفي عند بوابة المدينة، جاهلا أين يجب علي الذهاب، جاء هذا الدرويش الموجود بجانبي وألقى علي التحية. وبينما نحن نتحدث، انضم إلينا هذا الدرويش الآخر عند البوابة. وسار ثلاثتنا حتى هدانا الله إلى منزلكن وكان من كرمكن أن سمحتن لنا بالدخول. •••
قالت المرأة: «انهض، يمكنك الرحيل.» فرد عليها : «لا والله لأبقين حتى أسمع روايات الآخرين.» •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الفصل الخامس
قصة الدرويش الثاني
الليلة السادسة عشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء، أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن أكثر إدهاشا مما سبق.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن قصة الدرويش الأول أدهشت الجميع، وقال الخليفة لجعفر: «لم أسمع في حياتي بأسرها قصة كهذه.» ثم تقدم الدرويش الثاني، وقال: والله، يا سيدتي، ما ولدت أعور. كان والدي ملكا، وعلمني القراءة والكتابة، وتحولت لدراسة الخط. وأتقنت حرفتي حتى انتشرت الأخبار عن مهارتي في كل مدينة، ووصلت إلى جميع الملوك العظام.
وفي أحد الأيام، أرسل ملك الهند إلى والدي الهدايا وطلب منه أن يرسلني إليه. فأعدني والدي للرحلة ومعي ستة خيول للركوب. وامتطينا هذه الخيول مدة شهر كامل حتى صادفنا في أحد الأيام سحابة من الغبار. وعند انقشاعها، رأينا خمسين فارسا يتألقون في دروعهم وكأنهم أسود فولاذية.
كانوا قطاع طرق. قلنا لهم: «نحن مبعوثون إلى ملك الهند، وعليكم ألا تمسونا بأذى.» لكنهم هاجمونا مع ذلك، ونجوت بحياتي بأعجوبة، لأهيم على وجهي بعد ذلك دون أن أعلم أين أتجه. لقد كنت غنيا وقويا، لكنني صرت حينها فقيرا.
وطوال شهر، كنت أرتحل نهارا وأنام ليلا أينما استطعت، وأتناول نباتات الأرض وثمارها لأبقى على قيد الحياة. وأخيرا وصلت إلى مدينة جميلة، منهك القوى من الإجهاد والجوع. دخلت المدينة وأنا أجهل أين أذهب، وأسعدني الحظ أن أمر بحائك يجلس في متجره. ألقيت عليه التحية، ودعاني إلى الداخل. فأخبرته بكل ما حدث لي، وبدا عليه الانزعاج، وقال لي: «أيها الشاب، لا تخبر أحدا بسرك، فملك هذه المدينة ألد أعداء والدك.» ثم أحضر لي بعض الطعام وتناولناه معا. وعند حلول الظلام، سمح لي بالنوم في مكان صغير خلف متجره.
بقيت هناك ثلاثة أسابيع، ثم سألني الحائك: «أليست لديك أي مهارة تجني بها قوت يومك؟» فأجبته بأنني خطاط، وقال لي: «مثل هذه المهارات ليست مطلوبة كثيرا في هذه المدينة. فلتأخذ فأسا وحبلا، وتذهب لقطع الأخشاب في البرية لتكسب رزقك.» ثم أحضر لي فأسا وحبلا، ووضعني تحت إمرة بعض قاطعي الأشجار. ذهبت معهم، وقطعت الأشجار طوال اليوم، وعدت حاملا حزمة الأخشاب التي قطعتها فوق رأسي. وبعت الخشب وجلبت المال للحائك. وقضيت عاما كاملا على هذه الحال.
وفي أحد الأيام، ذهبت إلى الغابة ووصلت إلى مجموعة كثيفة من الأشجار. كان هناك جذع ضخم عندما حفرت حوله بفأسي، عثرت على حلقة متصلة بلوح خشبي. سحبت الحلقة لرفع اللوح، ووجدت سلما. نزلت على الدرج، وعثرت على قصر عظيم تحت الأرض. وفي الأسفل رأيت فتاة تبدو في جمالها كالشمس الساطعة، وصوتها يمحو كل الأحزان من النفس. •••
هنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة السابعة عشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة الدرويش الثاني.» فأجابت شهرزاد: «حسنا، بالتأكيد!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الدرويش الثاني قال: عندما رأتني الفتاة، سألتني: «هل أنت إنس أم جن؟» فأجبتها: «إنس.» وسألت: «ما الذي أتى بك إلى هنا؟ لقد عشت في هذا المكان طيلة خمسة وعشرين عاما دون أن أرى أحدا على الإطلاق.»
فأجبتها: «حظي السعيد هو الذي جلبني إلى هنا لأخفف عنك أحزانك.» ثم أخبرتها بقصتي، وأشفقت علي، وأخبرتني بدورها بقصتها. كانت ابنة ملك من جزيرة بعيدة. وفي ليلة عرسها، طار بها جني وأنزلها في هذا المكان. وكان يزورها كل عشرة أيام، وتقضي بقية الوقت وحدها. وعندما تحتاج إلى الجني، لم يكن عليها سوى لمس خطين محفورين على مدخل الباب.
ولم يكن من المنتظر وصول الجني قبل ستة أيام، لذلك بقيت هناك مع الأميرة. وسرعان ما وقعت في حبها، وقلت لها: «يا جميلتي، اسمحي لي أن أحملك وأنقذك من هذا السجن.» فأجابت: «لا، لا تفعل. فالجني مرعب، وأخاف أن أتركه.»
شعرت بغضب شديد، وقلت لها: «في هذه اللحظة، سأسحق النقش المحفور وأجعل الجني يحضر لكي أدمره!» وعندما سمعت ما قلته، شحب وجهها، وقالت: «كلا، بالله عليك، لا تفعل.»
لكنني كنت غاضبا غضبا جعلني لا أستمع إليها. وركلت الباب بقدمي. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة رائعة ومدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الثامنة عشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الدرويش الثاني.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الدرويش الثاني قال للمرأة: ما إن ركلت الأرض بقدمي حتى دوى صوت الرعد ولاح ضوء البرق، وبدأت الأرض في الاهتزاز وساد الظلام.
صاحت الأميرة: «انهض وانج بحياتك.» فصعدت السلم هربا، لكن من شدة فزعي نسيت خفي والفأس. وعندما قاربت على الوصول للقمة، رأيت أرضية القصر تنشق ويظهر منها الجني. ولما وصلت إلى الخارج، أعدت الباب السري إلى ما كان عليه، وغطيته بالتراب. وشعرت بأسف شديد عندما فكرت في الأميرة التي عاشت في هدوء وسكينة مدة خمسة وعشرين عاما قبل أن أزعجها. ووبخت نفسي على ما فعلت.
واصلت السير حتى وصلت إلى صديقي الحائك. كان قلقا ومنتظرا عودتي. وسعد برؤيتي، فشكرته، وذهبت إلى غرفتي الصغيرة خلف المتجر.
وبعد فترة قصيرة، جاء الحائك إلي وقال: «يوجد سيد عجوز بانتظارك في الخارج، ومعه فأسك والخفان. إنه يبحث عنك.»
عندما سمعت ذلك، بدأت في الارتعاد. وبينما نتحدث معا، انشق الحائط وظهر السيد العجوز. لقد كان الجني. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا، إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة التاسعة عشرة
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء، أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة المذهلة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الدرويش الثاني.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الدرويش الثاني قال للمرأة: ظهر الجني، وكان مرعبا، ويحمل في يديه سيفا ضخما رفعه إلى أعلى ليطرحني أرضا. توسلت إليه ورجوته أن يعتقني، مخبرا إياه أنه ما من سبب لديه ليقتلني.
صاح الجني: «أنت الرجل الذي زرت قصري في الغابة، وسلبت مني امرأتي.»
فقلت له إنه مخطئ، وإنني لم أر مطلقا هذا القصر أو هذه المرأة. وأخذت أتوسل إليه وأرجوه فترة طويلة حتى أنزل سيفه في النهاية.
قال الجني: «لن أقتلك، لكنني لن أتركك تذهب دون عقاب.» ثم أمسك بي، وطار إلى أعلى حتى بدت اليابسة كسحابة بعيدة. أنزلني بعد فترة قصيرة على جبل. أخذ بعض التراب، وتمتم بتعويذة لأتحول في هذه اللحظة إلى قرد، ثم طار الجني مبتعدا.
وعندما أدركت تحولي إلى قرد، بكيت وشعرت بالأسى لحالي. نزلت عن الجبل، وسرت مدة شهر. عبرت الصحراء حتى وصلت إلى الشاطئ. وقفت هناك، وأنا أنظر إلى المحيط حتى رأيت ما يشبه السفينة. أخذت تقترب أكثر، وبدت أنها ستمر من أمامي. فأخذت ألوح لها، راكضا جيئة وذهابا ممسكا بفرع شجرة في يدي.
عندما رآني البحارة، قالوا للقبطان: «لقد غامرت بحياتنا من أجل قرد؟ لنقتله.»
عندما سمعت ما قالوه، جثوت على ركبتي، وتوسلت إليهم ألا يقتلوني. فقال القبطان: «هذا القرد طلب مساعدتي. ولن يؤذيه أحد وهو تحت رعايتي.» وأخذني فوق السفينة، وعاملني بلطف.
أبحرت السفينة خمسين يوما، تدفعها ريح عليلة حتى وصلنا إلى مدينة كبيرة. وما إن رسونا حتى زارنا رسل من ملك المدينة.
قال الرسل: «أيها البحارة الصالحون، بعث إليكم ملكنا بهذه الورقة، ويطلب من كل منكم أن يكتب سطرا فيها. فقد توفي خطاط حكيم عظيم الشأن، ولن يحل الملك أحدا محله سوى خطاط على الدرجة نفسها من التميز.»
وأعطوا للبحارة لفافة ورق، وأخذ كل بحار دوره في كتابة سطر فيها. وعندما وصلوا إلي، انتزعت اللفافة من أيديهم، وصاحوا في خوف من أن ألقي بها في البحر أو أمزقها. لكنني أوضحت لهم أن كل ما أريده هو أن أكتب فيها.
أدهشهم ذلك بشدة، لكن القبطان قال لهم: «دعوه يكتب ما يشاء، وإذا كانت كتابته جيدة، فسوف أتبناه. فأنا لم أر قردا يفوقه في الذكاء أو حسن الخلق أبدا.»
أمسكت بالقلم، وغمسته في الحبر، وكتبت بعض السطور. وأعطيت اللفافة لهم، فأخذوها في ذهول. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة العشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الدرويش الثاني.» فأجابت شهرزاد: «حسنا، بالتأكيد!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الدرويش الثاني قال للمرأة: أخذ الرسل اللفافة، وعادوا بها إلى الملك. أعجبته كتابتي، وقال: «خذوا رداء الشرف هذا، وامنحوه للشخص الذي كتب هذه السطور.»
ابتسم الرجال، وقالوا: «يا ملك الملوك، إن من كتب هذه السطور قرد.» سأل الملك: «هل هذا صحيح؟» فردوا بالإيجاب، الأمر الذي أدهش الملك كثيرا، ثم قال: «أرغب في رؤية هذا القرد.» وبعث برسله إلي، وألبسوني رداء الشرف، وأخذوني إليه.
عندما رأيت الملك، انحنيت ثلاث مرات أمامه، ثم قبلت الأرض مرة واحدة. ولاحظ الملك أخلاقي الرفيعة، وقال: «يا له من أمر عجيب!» وأمر بتحضير مائدة طعام أمامه، وطلب مني أن أشاركه تناول الطعام. ولم أتناول سوى كمية قليلة قبل أن أكتب بعض السطور الأخرى له.
قرأ الملك ما كتبته، وقال: «إذا كان هناك رجل يتمتع بهذه المهارة، فسيتفوق على الرجال أجمعين.»
وفي هذه اللحظة، ظهرت ابنة الملك، وكانت ترتدي نقابا على وجهها. قالت: «أبي، هل أنا حقيرة الشأن في نظرك حتى تعرضني على هذا الرجل؟» تعجب الملك وقال: «بنيتي، ما من أحد هنا سوى هذا القرد. لم تحجبين وجهك؟» فأجابت: «قرد؟ هذا رجل عطوف حكيم، ألقى عليه جني إحدى التعاويذ.»
فاستدار الملك لابنته، وقال: «كيف تعلمين ذلك؟» أجابت: «أبي، لقد نسخت المئات من كتب التعاويذ ودرستها. ويمكنني نقل صخور مدينتك إلى المحيط، أو حتى إلى أقاصي الأرض. ويمكنني إظلام السماء ليتحول النهار إلى ليل لمئات الأيام.»
قال الملك: «يا بنيتي، لتحرري هذا القرد من تعويذته، لأتمكن من تنصيبه وزيرا لي وأسمح له بالزواج منك.» فأجابت: «كما تشاء.»
بدأت ابنة الملك تهمس بتعويذة، ثم أمرت بإحضار وعاء من الماء. رشتني بالماء، وقالت: «عد كما كنت.»
وفجأة، وقفت أمامها رجلا. لكن لم يكن هناك متسع من الوقت للابتهاج، ففي لمح البصر ظهر الجني في السماء متخذا شكل أسد مرعب. فزعنا، وخيم الظلام على كل ما حولنا.
لعن الجني الأميرة لما فعلته. وردت عليه بأن تحولت إلى أفعى مهيبة، وطارت في الهواء. ونشبت معركة رهيبة هزت القلعة تحت أقدامنا. واستمر القتال بعض الوقت، مع تجسد الفتاة والجني في أشكال حيوانات مختلفة. وفي النهاية، دوى صوت انفجار كبير، وومض ضوء براق في السماء.
كان ذلك الضوء هو السبب في فقداني البصر في إحدى عيني. اهتزت الأرض أسفل مني، ورأيت جدران القصر وهي تتهدم. ركضت بأقصى سرعتي لأنجو بأعجوبة قبل انهيار القصر بالكامل.
تركت أطلال القصر، وقلبي يملؤه الحزن. حلقت لحيتي وحاجبي حتى أبدو مثل الدراويش. وسافرت إلى دول كثيرة، والأسى الذي أشعر به يزداد أكثر. تمنيت أن أعثر على الخليفة، حتى أتمكن من قص حكايتي عليه. وصلت إلى هنا الليلة، وقابلت هذين الرجلين عند بوابات المدينة. هذه هي قصتي، والسبب وراء فقداني إحدى عيني وحلاقتي للحيتي. •••
ردت المرأة قائلة: «يمكنك الذهاب.» لكنه أجاب قائلا: «لا والله لأبقين حتى أسمع روايات الآخرين.» •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الفصل السادس
قصة الدرويش الثالث
الليلة الحادية والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا قصة أخرى من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن قصة الدرويش الأخير.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الدرويش الثالث قال للمرأة: إن قصتي أغرب وأكثر إدهاشا من قصص الدرويشين الآخرين، لكنني جلبت الشقاء لنفسي. كان والدي ملكا عظيما، وعندما توفي، ورثت مملكته. كنت ثريا للغاية وذا نفوذ كبير، لكنني قررت في أحد الأيام أن أسافر إلى بعض الجزر البعيدة. قام الملاحون بتحميل المراكب باحتياجات تكفي شهرا، وأبحرنا. وصلنا بعد فترة قصيرة إلى جزيرة رائعة الجمال. نزلنا على شاطئها، وأعددنا بعض الطعام. استرحنا بضعة أيام، ثم أبحرنا من جديد.
أبحرنا عشرات الأيام، لكن أثناء إبحارنا، ظل البحر يرتفع أمامنا والأرض تتضاءل من خلفنا. نزل المراقب لمقابلتي، وقال: «لقد نظرت يمينا، ولا يوجد شيء سوى السماء والماء، ونظرت يسارا فرأيت من بعيد شيئا ضخما أسود اللون.»
عندما سمع القبطان ذلك، ألقى بعمامته على ظهر المركب، وبدأ في البكاء، وشعر بالقلق الشديد. فسألته عما حدث.
فأجاب قائلا: «سنهلك جميعا، أيها الملك. إن العاصفة تقودنا إلى مصير محتوم. مع منتصف يوم غد، سنصل إلى جبل معدني أسود اللون له قدرة فائقة على جذب المعادن. وعندما تمر أي سفينة بجواره، تتطاير جميع مساميرها نحوه، وتتفكك جوانب السفينة. وعلى قمة الجبل - أيها الملك - يوجد حصان نحاسي يعلو ظهره فارس نحاسي. أثناء تدمير الجبل للسفينة، يقضي هذا الفارس على ركاب السفينة.»
وفي اليوم التالي، مررنا بجوار الجبل. وكما قال القبطان، سحب الجبل المسامير من السفينة منتزعا إياها، وتفككت السفينة. أنجاني الله، وتمكنت من التعلق بأحد ألواح السفينة. طفوت على الماء حتى وصلت إلى شاطئ هذه الجزيرة المخيفة، وهناك رأيت سلما محفورا في الصخر.
بدأت أتسلق السلم داعيا الله أن يحفظني. بلغت قمة الجبل، ووصلت إلى قبة نحاسية ضخمة لا تبعد عن المكان الذي يقف فيه الفارس. تلوت صلاتي وحمدت الله أن أنقذني، ثم غفوت في مكان يطل على البحر.
سمعت صوتا في الحلم يقول: «عندما تستيقظ، احفر تحت قدميك، وستجد قوسا نحاسيا وثلاثة أسهم. استخدمها للتصويب نحو الفارس مسقطا إياه عن حصانه ومخلصا الأرض من هذا الوحش. سيسقط في البحر، وترتفع المياه إلى مستوى القبة. وسيأتي قارب صغير عليك أن تجدف فيه مدة عشرة أيام حتى يصل بك إلى مكان آمن. لكن عليك ألا تعبر عن سعادتك بالكلمات، وإن فعلت، فلن تنجو.»
استيقظت من نومي، وفعلت بالضبط كما قال الصوت. وبعد أن سقط الفارس في البحر، ارتفعت المياه، وظهر القارب الصغير. وأخذت أجدف مدة تسعة أيام حتى رأيت تلالا عن بعد. غمرتني السعادة حتى إنني قلت بصوت مرتفع: «لقد نجوت!»
في هذه اللحظة، انقلب القارب، وغرق في البحر. وظللت أسبح مدة ثلاثة أيام دون أن أقترب من اليابسة. كنت موقنا أنني سأغرق، لكن هبت علي ريح عاصف، وحملتني موجة كبيرة نحو شواطئ إحدى الجزر. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الثانية والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة المذهلة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة الدرويش الثالث.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الدرويش الثالث تابع رواية قصته قائلا: كان هناك جبل ضخم على تلك الجزيرة، صعدته حتى وصلت إلى القمة، وهناك رأيت قصرا كبيرا مغطى بالذهب الأحمر. كان الباب مفتوحا، فدخلت حيث وجدت قاعة جميلة بها أربعون فتاة يلبسن أثوابا حريرية مرصعة بالجواهر المتلألئة. اندفعن نحوي ، وأحضرن لي كرسيا مريحا. غسلن يدي وقدمي، وجلبن لي الطعام والشراب. جلست الفتيات الأربعون حولي يتحدثن ويضحكن.
نسيت كل معاناتي حينها، وفكرت: «هذا أفضل ما في الحياة التي هي للأسف قصيرة للغاية.» قضيت عاما كاملا في ذلك القصر الجميل، أتناول الطعام والشراب، وأستمتع بكل مباهج الحياة. ومع حلول العام الجديد، بدأت الفتيات في البكاء، وأخذن يتعلقن بي قائلات: «لعلك لا تغادر أبدا.» فسألتهن عن سبب بكائهن وظنهن أنني سأغادر.
فأجبن: «ستكون أنت نفسك السبب.» وأخبرنني أنهن أربعون ابنة لأربعين ملكا، ويجب عليهن ترك القصر مرة كل عام مدة أربعين يوما. وعند مغادرتهن، لن أصاحبهن. ويمكنني أن آكل وأشرب وأفعل ما أشاء، وأتجول في جميع غرف المنزل فيما عدا الغرفة ذات الباب الذهبي الأحمر.
وقلن: «وهكذا، ستعصي أوامرنا. وعندما تفتح هذا الباب، سيتسبب في فراقنا.»
ثم غادرن، وقلت لهن: «والله، لن أفتح هذا الباب أبدا.» وظللت بمفردي في ذلك المكان مدة تسعة وثلاثين يوما، آكل وأشرب وأفعل ما أشاء، وأتفحص كل الغرف فيما عدا الغرفة ذات الباب الذهبي الأحمر. كانت جميع الغرف مليئة بملذات رائعة، مثل أشجار الفاكهة وحدائق الأزهار ذات الروائح العطرة. لكن بعد مرور الأيام التسعة والثلاثين، زاد فضولي أكثر وأكثر بشأن ما كان في الغرفة ذات الباب الذهبي الأحمر. وفي النهاية، لم أتمالك نفسي، وفتحت الباب. وبالداخل، كانت هناك مصابيح من الذهب والفضة، ورائحة عطر قوية.
وفي منتصف الغرفة، وقف حصان لونه أسود حالك كليل شديد الظلمة. قدته خارج القصر وأنا مندهش من جمال هذا الكائن. حاولت أن أمتطيه، لكنه لم يتحرك. وأخيرا، ضربته، فصهل غاضبا. وبعد أن كشف عن جناحين، طار بي إلى أعلى في السماء. وسافرنا معا مسافة طويلة قبل أن يلقيني من على ظهره. ولطمني على وجهي بذيله، ليفقدني البصر في إحدى عيني، ويلقي بي في صحراء موحشة.
ملأتني التعاسة، وسرت أياما عديدة، لاعنا نفسي على أفعالي. وعندما وصلت إلى إحدى المدن، حلقت لحيتي مثل الدراويش، وواصلت المسير. طفت العالم قبل أن أصل إلى بغداد . وهكذا، التقيت بهذين الدرويشين، وأتيت إلى هنا. وهذه قصة فقداني لبصري وحلاقتي للحيتي. •••
ردت المرأة قائلة: «يمكنك الذهاب.»
ثم تجمع الدراويش معا، وقالوا: «سيدتنا، نود أن تعتقينا وتسمحي لنا بالرحيل.»
فردت المرأة قائلة: «سأفعل.» وعندما خرجوا جميعا، كشف الخليفة عن شخصيته للدراويش، فخروا على ركبهم أمامه وهم يحمدون الله. وأخذ الخليفة الرجال معه مانحا إياهم الأمان والمأوى في قصره. وابتهج الدراويش لعثورهم عليه يقينا منهم أنه سيساعدهم في التخلص من معاناتهم. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الفصل السابع
قصة سندباد البحار وسندباد الحمال
الليلة الثالثة والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن أكثر إثارة من القصة السابقة.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك العظيم - أن حمالا فقيرا يدعى سندباد عاش في بغداد. وفي أحد الأيام، أنزل ما كان يحمله من بضائع أمام بوابات تاجر ثري. وسمع بالداخل أصوات عزف على العود وأناس يرقصون ويأكلون. صلى سندباد لربه، متحسرا على بؤسه، وشاكيا حظه السيئ في الحياة. وما إن فرغ من صلاته حتى فتحت البوابات، ودخل سندباد. فرأى منزلا جميلا، لا يشبه أي منزل رآه من قبل. استقبله التاجر بالترحاب، وسأله عن اسمه.
فأجاب: «اسمي سندباد الحمال.» وقال المضيف: «أحمل الاسم ذاته، فأنا سندباد البحار.» ثم طلب من الحمال الجلوس وأخبره عن رحلاته والمخاطر الكثيرة التي واجهها. •••
كان والدي رجلا ثريا، وترك لي الكثير من الأموال. لكنها لم تساعدني، فقد أنفقتها حتى لم يتبق منها سوى قدر ضئيل للغاية. فأخذت ما تبقى، وابتعت سلعا لأذهب في رحلة تجارية بحرية. وارتحلنا من جزيرة إلى أخرى حتى وصلنا في النهاية إلى جزيرة تبدو في جمالها وكأنها جنة الله على الأرض. وما إن أشعلنا نارا لطهو الطعام حتى سمعنا القبطان يصرخ: «اركضوا! بالله عليكم، اركضوا إلى السفينة!»
فركضنا جميعا، ونحن نجهل حينها أن الجزيرة بأكملها هي في واقع الأمر سمكة ضخمة. لكننا تأخرنا كثيرا. فتمكن بعضنا من الوصول إلى السفينة، في حين انقلب آخرون في المحيط العاصف بسبب اهتزاز السمكة وتأرجحها. وسرعان ما ألقى بي المد العاتي على إحدى الجزر حيث هبطت على الشاطئ.
وعندما نظرت حولي، رأيت فرسا جميلة مقيدة إلى شجرة على الشاطئ. وعندما سرت تجاهها، انشقت الأرض وخرج منها رجل. سألني عن قصتي، وعندما أخبرته بها، قادني إلى مكان تحت الأرض، وهناك منحني الطعام والشراب. وأخبرني بقصة غريبة. لقد كان خادما لملك عظيم أرسله إلى هذا المكان مع كل ظهور لقمر جديد، وأمره بربط فرسه على الشاطئ. وفي كل مرة، تنجرف أمواج البحر بالقرب من الفرس، ويحل الخادم قيدها، ويشاهدها وهي تندفع نحو البحر بجموح. وعندما تعود من البحر، تكون حاملا. وتلد بعد ذلك مهرا يساوي قدرا كبيرا من المال.
عجبت لقصته، لكنني ذهبت معه، وتبين لي أن كل ما تحدث عنه حقيقي. صحبني الخادم بعد ذلك إلى الجانب الآخر من الجزيرة، وقدمني لملكه الذي أحسن معاملتي، وأسند إلي مهمة استقبال السفن التي تأتي إلى الميناء. وعشت على هذه الحال شهورا عديدة قبل أن تصل سفينة بدت مألوفة لي. قال البحارة الموجودون على متنها إن المالك توفي، فسألتهم عن اسمه. وكانت الإجابة: «سندباد»، فأخبرتهم أنني الرجل الذي يتحدثون عنه. وبالنظر إلي ثانية، تعرفوا علي ورحبوا بي بحرارة.
جنت السفينة الكثير من الأموال من بيع البضائع، ومنحت بعضها للملك امتنانا له. وأبحرت بعد ذلك عائدا إلى موطني، وأنا أكثر ثراء عن أي وقت مضى. وقطعت عهدا على نفسي ألا أذهب في رحلة كتلك مرة أخرى. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الرابعة والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن أكثر إثارة من القصة السابقة.» فأجابت شهرزاد: «كما تشاءان!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أنه بعد سماع القصة، شكر سندباد الحمال مضيفه، وتأهب للرحيل. فدعاه سندباد البحار إلى العودة في اليوم التالي وتناول العشاء معه مرة أخرى.
وهكذا، عاد الحمال إلى المنزل في اليوم التالي. ومرة أخرى، فتحت البوابات، ووجد سندباد أناسا يأكلون ويرقصون داخل المنزل الجميل. استقبله سندباد البحار بالترحاب، وطلب منه الجلوس، ومنحه الطعام والشراب. وتابع البحار بعد ذلك قصة مغامراته والأهوال الكثيرة التي واجهها. •••
بعد عودتي إلى الوطن ببضعة أعوام، أردت السفر مجددا. فابتعت بضائع وأبحرت في رحلة تجارية مع عدد من التجار. ووصلنا إلى جزيرة جميلة مهجورة، وتوقفنا هناك فترة من الوقت. غلبني النوم، واستيقظت بعد ذلك فزعا عندما اكتشفت اختفاء السفينة.
تسلقت شجرة طويلة، ورأيت طائرا عملاقا، يصل حجمه إلى ضعف حجم الفيل، وجناحاه يحجبان الشمس. وعندما طار هذا الطائر الضخم فوقي، أمسكت بقدمه، آملا في الهروب. وتمسكت به إلى أن أخذني بالقرب من تل عال، ثم تركته.
هبطت التل، ووجدت نفسي في واد مليء بالماس، ولكنه مليء بالأفاعي الزاحفة أيضا. اختبأت من هذه الأفاعي في أحد الكهوف، لكنني لم أتمكن من النوم جيدا، حيث كانت هناك أفعى مرعبة بداخله أيضا تحرس بيضها. وكنت أخاف أن تلتهمني.
وفي صباح اليوم التالي، زحفت إلى الخارج. وفجأة، سقطت قطعة لحم ضخمة من السماء أمامي. لقد سمعت عن هذا المكان من قبل، وعلمت أنه كانت هناك حيلة يتبعها التجار هناك. فكانوا يلقون باللحم في الوادي، آملين في التصاق الماس به. وكانوا يعلمون أن النسور والعقبان ستهاجم اللحم، وتطير فوق قمم الجبال حاملة إياه في مخالبها. فيخيف التجار هذه الطيور، ويأخذون الماس.
ملأت جيوبي سريعا بالماس، واستخدمت حبلا لربط نفسي باللحم. وانقض أحد النسور إلى أسفل، وحملني إلى أعلى قمة أحد الجبال. وهناك برز أحد الرجال، وأخذ يصيح في النسر حتى طار مبتعدا .
اندهش الرجل عندما رآني هناك، لكنني أعطيته بعض الماس، وأخبرته بقصتي. فاصطحبني إلى بعض أصدقائه التجار، وتعجبوا جميعا من القصة التي رويتها. وتمكنت من مقايضة ما لدي من ماس مقابل بعض البضائع وسفينة تحملني إلى موطني. وأقسمت بعدها ألا أخرج في رحلة بحرية أخرى أبدا. •••
تعجب سندباد الحمال من هذه القصة. وشكر سندباد مضيفه، وتأهب للرحيل. ودعاه التاجر البحار للعودة في اليوم التالي وتناول العشاء معه مرة أخرى. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا، إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الخامسة والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن أكثر إثارة من القصة السابقة.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الحمال عاد إلى المنزل في اليوم التالي. ومرة أخرى، فتحت البوابات، ووجد أناسا يأكلون ويرقصون داخل المنزل الجميل. استقبله سندباد البحار بالترحاب، وطلب منه الجلوس، ومنحه الطعام والشراب. وتابع البحار رواية مغامراته، والأهوال العديدة التي واجهته. •••
بعد البقاء في بلدتي فترة قصيرة، أردت السفر مرة أخرى؛ فاشتريت بضائع للتجارة، وخرجت في رحلة بحرية مع مجموعة من التجار. وسافرنا من جزيرة لأخرى، نتاجر في بضائعنا. وفي أحد الأيام حملتنا ريح عاصفة إلى إحدى الجزر الممتلئة بالجبال. وكان يعيش على هذه الجزيرة حيوانات كثيرة الشعر تشبه القرود. أمسكت هذه الحيوانات بمراسي سفينتنا، ومزقتها بأسنانها، وسحبتنا إلى الشاطئ، وفرت هاربة بكل طعامنا.
تجولنا بعد ذلك في أنحاء الجزيرة لاعنين حظنا السيئ. وفي النهاية وصلنا إلى قلعة ضخمة ذات فناء كبير. كنا متعبين من السير، وسرعان ما غلبنا النوم هناك.
استيقظنا بعد ذلك على دمدمة مرعبة، اهتزت الأرض من تحتنا، ونزل مخلوق رهيب من القلعة. كانت هيئته هيئة رجل، لكن أطول بكثير، وعيناه كالجمرتين المتوهجتين، وأنيابه كالخنزير البري، ومخالبه مرعبة كالأسد.
ارتعدنا جميعا من الخوف. وحاول الكثير من الرجال الجري، لكنني لم أتمكن من الهرب. فرفعني المخلوق، ونظر إلي ليرى هل أصلح للأكل أم لا. وعندما وجدني نحيلا للغاية، ألقى بي جانبا، وأمسك برجل آخر، ثم ألقاه جانبا أيضا. فعل ذلك معنا جميعا حتى التقط في النهاية القبطان. فوضعه تحت ذراعه، وعاد إلى داخل القلعة.
قضينا اليوم نبحث عن مكان للاختباء من هذا الوحش، لكننا لم نتمكن من الهرب. وفي صباح اليوم التالي، عاد الوحش وأخذ رجلا آخر. وأدركنا أنه سيأخذنا جميعا عما قريب. وكان علينا فعل كل ما نستطيع للهرب.
وفي اليوم التالي، صنعنا قاربا بسيطا، وملأناه بأي طعام تمكننا من العثور عليه. وعند العودة إلى داخل جدران القلعة، أشعلنا نارا، وسخننا قضيبين حديديين حتى صارا أبيضين من شدة الحرارة. وعند عودة الوحش في تلك الليلة، فاجأناه وأعميناه باستخدام القضيبين.
كانت هناك ضجة مفزعة هزت الأرض من تحتنا. فكان الوحش يتخبط في الأرجاء بحثا عنا. لكنه لم يرنا، وتمكننا من الهرب بدفع القارب وإنزاله بأمان في الماء. حاول الوحش تتبعنا بخوض المياه وإلقاء صخور ضخمة في المحيط.
أبحرنا إلى جزيرة التقينا فيها بسفن أخرى لرجال يتاجرون في بضائع. شعر أحد القباطنة بالأسى لحالي، وعرض علي بضائع تاجر مفقود يدعى سندباد. وعجبت لهذه الأخبار، وكشفت للرجال عن هويتي، وأخبرتهم أن هذه سفينتي.
وأبحرت متنقلا من جزيرة إلى أخرى، أبيع ما تبقى من البضائع. وشاهدت العديد من الأمور المذهلة في الطريق، بما في ذلك سمكة على شكل بقرة، وطائر يفقس من صدفة. وفي النهاية، عدت إلى موطني، وأقمت وليمة ضخمة لأنسى مشاقي. وقطعت عهدا على نفسي ألا أذهب في رحلة بحرية ثانية أبدا. •••
اندهش سندباد الحمال من هذه القصة، وشكر مضيفه، وتأهب للرحيل. ودعاه سندباد البحار للعودة في اليوم التالي، والانضمام إليه على العشاء مرة أخرى. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة السادسة والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة سندباد.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الحمال عاد إلى المنزل في اليوم التالي. ومرة أخرى فتحت البوابات، ووجد عددا من الناس يأكلون ويرقصون داخل المنزل الجميل. استقبله سندباد البحار بالترحاب، وطلب منه الجلوس، ومنحه الطعام والشراب، ثم تابع البحار رواية مغامراته والأهوال العديدة التي واجهها. •••
نعمت بالاستقرار في بلدي والسعادة تغمرني، وعشت هناك سنوات عدة. لكن في أحد الأيام، سمعت بعض التجار يناقشون خططهم للقيام برحلة بحرية. وقررت أن أبحر معهم. وظللنا في البحر بضعة أيام فقط ثم ألقت بنا جميعا عاصفة قوية من فوق المركب، وقذفتنا الأمواج إلى جزيرة صغيرة.
وعندما نظرنا إلى أعلى، رأينا عددا من الرجال يتجهون ناحيتنا. فحملونا إلى منزل كبير، وأخذونا إلى ملكهم. ووضعت وليمة أمامنا، وبدأنا في الأكل. لكن بدا الطعام غريبا، ولاحظت أن الملك لم يأكل منه. لذلك تظاهرت فقط أنني آكل، بالرغم من أن رفاقي كانوا يأكلون بشراهة. وبعد فترة قصيرة، بدءوا يتصرفون بغرابة ويتفوهون بكلام لا معنى له. ونمت هذه الليلة وأنا لا أزال جائعا.
كان الملك ينصب كل يوم الموائد المليئة بالأطعمة الغريبة، وأتظاهر كل يوم أنني آكل. وأخذت في النحول أكثر فأكثر، في حين أخذ أصدقائي في الامتلاء والتصرف بحماقة متزايدة. وعندما رأيت ذلك، بدأت أفكر في أن الملك كان يسمننا ليأكلنا. وفزعت حتى إنني هجرت أصدقائي، وهربت واختبأت في الغابة عدة أيام جائعا ومتعبا. فتناولت الحشائش حتى أظل على قيد الحياة، وأخيرا وصلت إلى شاطئ الجزيرة البعيد، وهناك رأيت سفينة ولوحت لها.
اقتربت السفينة، وسبحت إليها فارا من هذه الجزيرة المرعبة. وعدت إلى وطني حاملا من ثروتي ما تمكنت من الاحتفاظ به. وكلما أفكر في ذلك المكان، أكاد أفقد الوعي من شدة الفزع. •••
اندهش سندباد الحمال من هذه القصة، وشكر مضيفه ، وتأهب للرحيل. ودعاه سندباد البحار للعودة في اليوم التالي ومشاركته العشاء مرة أخرى. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة السابعة والعشرون
في الليلة التالية، وشهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة سندباد.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن سندباد الحمال عاد إلى المنزل في اليوم التالي. ومرة أخرى، فتحت البوابات، ووجد أناسا يأكلون ويرقصون داخل المنزل الجميل. استقبله سندباد البحار بالترحاب، وطلب منه الجلوس، وأعطاه الطعام والشراب، ثم تابع البحار رواية مغامراته والأهوال العديدة التي واجهته. •••
بالرغم من قولي إنني لن أغادر موطني ثانية أبدا، خرجت للمرة الخامسة في رحلة بحرية على متن سفينة ضخمة مليئة بالبضائع للمتاجرة فيها.
وبعد الإبحار بضعة أيام، رأيت أنا وطاقمي قبة ضخمة بيضاء اللون على جزيرة، فأبحرنا نحوها ورسونا بجانب الشاطئ. كانت بيضة، كسرناها بالحجارة لنفتحها ونرى ما بداخلها. وما إن فتحناها حتى أظلمت السماء. فقد حلق طائر ضخم فوقنا، وحجبت أجنحته الكبيرة ضوء الشمس عنا. وأدركنا أنها بالتأكيد الأم، لذلك أسرعنا عائدين إلى السفينة، وانطلقنا في البحر. لكن الأم ألقت صخورا عملاقة علينا، وهشمت سفينتنا. فأمسكت بلوح من الخشب جيدا، وقذفتني المياه إلى شاطئ جزيرة جميلة.
استكشفت الجزيرة آملا في العثور على بعض الطعام، وعندها صادفت رجلا عجوزا جالسا بجانب جدول مائي. طلب مني أن أحمله وأعبر به إلى الجانب الآخر، ووافقت على فعل ذلك. فصعد على كتفي وثبت ساقيه حول عنقي. وتمسك بي جيدا حتى كدت أختنق، ولم أستطع إبعاده عني.
أجبرني الرجل العجوز على حمله في أرجاء الجزيرة طوال الليل والنهار، ونادرا ما كنت أستريح. وفي أحد الأيام، عثرنا على بعض العنب، الأمر الذي أسعد الرجل العجوز للغاية. أخبرته أن بإمكاني تحويل العنب إلى شراب له، وابتهج لهذه الفكرة.
عندما أصبح الخليط جاهزا، شربه الرجل العجوز وكأنه ماء. وابتهج كثيرا وسرعان ما راح في النوم. فهربت منه بسهولة، وتوجهت نحو الشاطئ. التقطتني إحدى السفن المارة، وأخبرت البحارة بقصتي، واندهشوا عند سماعهم لها. وأخبروني أن الرجل العجوز الذي قابلته هو «رجل البحار العجوز»، وأن أحدا لم يتمكن من الفرار منه من قبل.
أبحرنا إلى جزيرة غنية بالتوابل. وتمكنت من شراء عدد كبير من السلع هناك، وعدت إلى موطني، وبعت التوابل مقابل الكثير من المال. •••
اندهش سندباد الحمال من هذه القصة، وشكر مضيفه، وتأهب للرحيل. ودعاه سندباد البحار للعودة في اليوم التالي، والانضمام إليه على العشاء مرة أخرى. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الثامنة والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «اروي لنا بقية قصة سندباد.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الحمال عاد إلى المنزل في اليوم التالي. ومرة أخرى، فتحت البوابات، ووجد أناسا يأكلون ويرقصون داخل المنزل الجميل. استقبله سندباد البحار بالترحاب، وطلب منه الجلوس، وأعطاه الطعام والشراب، ثم تابع رواية مغامراته والأهوال العديدة التي واجهها. •••
بعد فترة قصيرة، أردت السفر مرة أخرى، فابتعت بضائع، وانضممت إلى مجموعة من التجار كانوا يعدون للخروج في رحلة بحرية. لكن تحطمت سفينتنا على إحدى الجزر، ولم ينج منا سوى عدد قليل.
صعدنا الأجراف الشاهقة في الجزيرة، وكدنا نفقد عقولنا لما رأيناه هناك. فالمجاري المائية بالجزيرة مليئة بالمجوهرات، وأشجارها مصنوعة من الزمرد واليشم. أبهرتنا الثروات الخلابة، لكن لم يكن هناك ما نأكله أو نشربه. مرت الأسابيع، ولم يبق أحد على قيد الحياة سواي. ملأني الحزن، وحفرت قبري بالقرب من البحر، وتأهبت للرقود فيه وترك الرياح تعصف بالرمال فوقي.
في تلك اللحظة، رأيت بعض ألواح الخشب التي قذفتها المياه من سفينتنا على الشاطئ. فاستخدمت هذا الخشب لبناء طوف ملأته بالمجوهرات. وجدفت على هذا الطوف في الماء، لكن بلغني من الجوع والتعب ما أفقدني وعيي. وعندما أفقت، كان الطوف مربوطا إلى إحدى الجزر، ونظرت لأعلى فرأيت قوما من الرجال يقفون حولي. أعطوني الطعام والشراب، وأخبرتهم عن مغامراتي. وبعد ذلك، اصطحبوني إلى ملكهم.
قدمت للملك بعض المجوهرات التي جمعتها، وكررت رواية قصتي له عن الأرض التي جئت منها. وأعد الملك، الذي اندهش للغاية، سفينة مليئة بالتجار للإبحار في ذلك الاتجاه للتجارة. وسمح لي بالإبحار معهم، وبذلك تمكنت من الوصول إلى موطني ثانية. وكان لا يزال معي الكثير من المجوهرات، فعدت أغنى بكثير من أي وقت مضى. •••
تعجب سندباد الحمال من هذه القصة، وشكر مضيفه، وتأهب للرحيل. فدعاه سندباد البحار للعودة في اليوم التالي، والانضمام إليه على العشاء مرة أخرى. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا، إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة التاسعة والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة سندباد.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك السعيد - أن الحمال عاد إلى المنزل في اليوم التالي. ومرة أخرى، فتحت البوابات، ووجد أناسا يأكلون ويرقصون داخل المنزل الجميل. استقبله سندباد البحار بالترحاب، وطلب منه الجلوس، وأعطاه الطعام والشراب، ثم تابع رواية مغامراته والأهوال العديدة التي واجهها. •••
بعد رحلتي الأخيرة، قطعت عهدا على نفسي ألا أترك أرض الوطن ثانية أبدا. لكن رغبتي في الترحال كانت ملحة للغاية، فخرجت في رحلة بحرية أخيرة، بعد أن ملأت سفينتي بالبضائع المختلفة. وضربت عاصفة سفينتنا في بداية الرحلة تقريبا، وقذفت بنا إلى أقاصي الأرض في مكان يعرف باسم أرض الملوك.
سمعنا عن هذه الأرض من قبل، وعلمنا أن بها أفاعي بحرية ضخمة. وبلغنا أيضا أنه عند مرور أي سفينة بها، تبرز أفعى عملاقة من المحيط، وتبتلع السفينة بأكملها.
وفي الوقت الذي كنا نروي فيه قصصا عن هذه الكائنات المرعبة، رأى أحد رجال طاقمنا أفعى ضخمة كالجبل تخرج من الماء، وتتجه نحونا. ورأينا بعد ذلك أفعى ثانية وثالثة تخرج من الماء. ولخوفنا على حياتنا، جثونا على ركبنا وصلينا لله طالبين منه النجاة. فقامت عاصفة عاتية قذفت بسفينتنا على صخرة ضخمة. تحطمت السفينة، وألقي بنا جميعا في البحر.
تمكنت من السباحة إلى جزيرة قريبة. وبعد نيل قسط من الراحة، رأيت جدولا يجري بسفح جبل ضخم. فصنعت طوفا صغيرا من بعض الأفرع التي عثرت عليها، وارتحلت عبر هذا الجدول. وبعد وقت قصير، سمعت صوت اندفاع مياه. وقبل أن أدري، اندفعت هابطا أحد شلالات المياه الكبيرة.
كنت على يقين أنني سأموت، فكنت أطير عبر الهواء ورذاذ الماء. لكنني لم أمت، فالصيادون الصالحون الذين كانوا يعيشون في هذه الأرض ألقوا شباكهم في الماء، وأنقذوني. وكان من بين هؤلاء الصيادين رجل عجوز اصطحبني معه إلى منزله.
بقيت هناك شهورا عديدة. عاملني فيها الناس جيدا، وأعطوني الطعام والشراب. لكن الناس كانوا يتحولون مرة كل شهر على نحو شديد الغرابة. كانت وجوههم تتغير، وتنمو لهم أجنحة. فيتحولون إلى طيور، ويحلقون بعيدا.
وفي أحد الشهور، بعد أن ظهرت الأجنحة لدى الناس، وكانوا يستعدن للطيران بعيدا، رجوت أحدهم أن يحملني معه. وحلقت عاليا للغاية في السماء.
توهج بعد ذلك برق شديد، وألقى بي المخلوق على قمة أحد الجبال. وحضر شابان، وأخبراني أنهما رسولا خير، وقاداني إلى أسفل الجبل. كما أخبراني أنني كنت في خطر عظيم، حيث إن الرجال المتحولين إلى طيور هم رسل شر. وقادني الشابان إلى الشاطئ، حيث كانت هناك مجموعة من البحارة يعدون لرحلة بحرية. سافرت معهم، ووصلت أخيرا إلى الوطن. رحب بي أصدقائي، وسعدت للغاية بعودتي إلى موطني. وأقسمت بالله ألا أسافر في رحلات بحرية ثانية أبدا. •••
قال سندباد البحار: «لقد علمت الآن كل ما عانيته قبل أن أتمتع بالثروات التي تراها هنا.»
فأجاب سندباد الحمال قائلا: «أستميحك عذرا لشعوري بالحسد تجاهك.»
وبعد ذلك، لم يشك الحمال حاله في الدنيا ثانية أبدا. فكان يفكر في صعوبة ما تكبده التاجر ليجني ثرواته، وكل الشقاء الذي تجنبه هو. وعاش السندبادان معا تربطهما علاقة صداقة حتى لقيا ربهما. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الفصل الثامن
قصة علاء الدين
الليلة الثلاثون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن أكثر إثارة مما سبق.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك العظيم - أن حائكا فقيرا عاش قديما في الصين، وكان لديه ابن يدعى علاء الدين. عمل الأب بكد، في حين كان علاء الدين كسولا للغاية، يقضي أيامه في اللعب مع الأولاد الآخرين في الشوارع، ولا يعود إلى المنزل إلا لتناول الطعام.
ظل الأب يعمل حتى يوم وفاته. وبعد ذلك باعت والدة علاء الدين المتجر، وبدأت تغزل الخيوط كي تنسج القماش لتكسب الأسرة قوت يومها. وكان علاء الدين يبلغ من العمر حينذاك خمسة عشر عاما، وظل كسولا كما كان.
وفي أحد الأيام، جاء رجل غريب إلى علاء الدين، وأخبر الصبي أنه عمه، وأنه جاء ليصلي على قبر أخيه المتوفي. وعاد الغريب مع علاء الدين إلى المنزل لتناول العشاء، وقص حكايته التي أبكت أم علاء الدين.
وفي اليوم التالي، اصطحب الغريب علاء الدين إلى السوق، وابتاع له ملابس جديدة. واصطحبه إلى أفضل الأماكن في المدينة، وعرض عليه العمل تاجرا. وسار علاء الدين معه فترة طويلة. وغادرا المدينة، متجاوزين الحدائق الموجودة وراءها، وتسلقا جبلا عاليا.
أشعل الغريب نارا في هذا المكان. وعندما اشتدت، نطق بتعويذة فوقها. فأظلمت السماء، واهتزت الأرض، وانشقت ليخرج منها لوح رخامي كبير. كان علاء الدين خائفا، لكن الغريب طلب منه رفع اللوح، والنزول إلى الأرض في الأسفل.
قال الرجل: «سترى ثلاث غرف، بها جرار مليئة بالذهب والفضة. لكن لا تتوقف عندها. في الغرفة الرابعة، ستجد حديقة من أشجار الفاكهة وسلما يؤدي إلى مذبح. فوق هذا المذبح، ستجد مصباحا. اسكب منه الزيت، وأحضره إلي.»
أعطى الغريب خاتما لعلاء الدين ليحميه، ونزل الصبي أسفل الأرض. وفعل كل ما أخبره به الغريب، لكنه عندما عاد، لم يتمكن من الوصول إلى قمة الفتحة دون مساعدة.
قال الغريب له: «يا بني، أعطني المصباح حتى أتمكن من مساعدتك في التسلق.»
خشي علاء الدين من إعطاء المصباح للغريب، وقال له: «لا يا عمي، المصباح في أمان معي. أعطني يدك وساعدني في الخروج من هذا المكان.»
طلب الرجل المصباح مرة أخرى، ورفض علاء الدين ثانية. واستمر الحال هكذا فترة من الوقت، وازداد غضب الغريب أكثر فأكثر. وفي النهاية، أغلق الغريب اللوح الرخامي ونطق بتعويذة أخرى، ثم غطى اللوح بالتراب تاركا علاء الدين محبوسا في الظلام. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الحادية والثلاثون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء، أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة المذهلة.» وأضاف الملك: «أخبرينا بالمزيد عما حدث لعلاء الدين.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!» •••
بلغني - أيها الملك العظيم - أن الغريب كان في الحقيقة ساحرا عظيم الشأن، وأنه قد تعلم فن السحر في أفريقيا. وسمع هناك عن كنز عظيم في الصين مدفون في باطن الأرض. ويقال إنه من بين ثروات هذا الكنز مصباح يمكن أن يمنح مالكه قوة تفوق قوة ألف ملك. وقد سمع الساحر أنه لا يمكن لأحد نزع المصباح من مكانه سوى صبي فقير من تلك المدينة، وأن هذا الصبي يدعى علاء الدين. لذلك جاء الساحر بحثا عن الصبي، وخطط لاستغلاله للحصول على المصباح ثم قتله بعد ذلك.
ظل علاء الدين محبوسا في باطن الأرض. وقد وجد أن جميع الغرف مغلقة، فبكى وحك يديه معا وهو يدعو الله طالبا منه النجاة. حدث أنه فرك الخاتم الذي أعطاه إياه الغريب، وعندما فعل ذلك، ظهر جني فجأة أمامه. قال الجني: «شبيك لبيك، اطلب ما شئت، فأنا عبد من يرتدي هذا الخاتم في إصبعه، أنفذ له ما يشاء.»
كاد علاء الدين يطير فرحا، وطلب من الجني أن يعيده فوق الأرض. فانشقت الأرض على الفور، ونجا الصبي. عاد علاء الدين إلى المنزل، وبكت أمه من الفرحة، فهي لم تره منذ ثلاثة أيام. أخبرها علاء الدين بكل ما حدث له، ثم ذهب للنوم.
نام علاء الدين مدة ثلاثة أيام. وعندما استيقظ، طلبت منه أمه أن يأخذ بعض القماش الذي نسجته إلى السوق، ويبيعه للحصول على طعام. واقترح الصبي بيع المصباح بدلا من القماش، ورأت والدته أنها فكرة جيدة. فأخذت قطعة من القماش، وبدأت تمسح المصباح حتى يبدو جيدا للبيع. لكن فجأة ظهر جني أمامها، وكانت قوته ضعف قوة الجني الذي رآه علاء الدين قبل ذلك.
قال الجني بصوت هز الأرض التي يقفون عليها: «شبيك لبيك، أنا عبد من يحمل هذا المصباح بين يديه.»
فقدت الأم وعيها عندما تحدث الجني، لكن علاء الدين التقط المصباح وطلب من الجني طعاما. وفي هذه اللحظة، اختفى الجني، وعاد بعد لحظات ومعه ثلاث صوان فضية زاخرة بصنوف اللحوم الشهية والخبز الذي كان يضاهي الثلج في لونه الأبيض.
فزعت أم علاء الدين بشدة. وطلبت منه التخلص من المصباح والخاتم. لكن الصبي رفض، وتمكن من تهدئتها. وبعد تناولهما أكبر قدر ممكن من الطعام، أخذ علاء الدين أحد الأطباق الفضية الكبيرة إلى السوق، وباعه مقابل مبلغ كبير من المال.
وبهذه الطريقة، لم يعد علاء الدين ووالدته بحاجة إلى المال أو الطعام ثانية أبدا. كان علاء الدين يأمر الجني بجلب المزيد من الأطباق الكبيرة كل بضعة أيام، ويذهب ليبيعها بعد ذلك. وبينما كان في طريقه إلى السوق في أحد الأيام، سمع صوت الأبواق العالية يدوي. كانت ابنة الملك بالجوار، وأخلي الشارع حتى تتمكن من المرور.
اختبأ علاء الدين خلف أحد الأبواب أثناء مرورها. ولم ير الفتاة إلا بضع ثوان فقط، لكنه وقع في حبها على الفور. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا، إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الثانية والثلاثون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة علاء الدين.» فأجابت شهرزاد: «بالتأكيد!» •••
بلغني - أيها الملك - أن علاء الدين وقع في حب ابنة الملك. وعاد إلى المنزل، وترجى أمه أن تطلب من الملك يد ابنته.
ظنت أم علاء الدين أن ابنها فقد عقله، لكن علاء الدين أصر على طلبه. وفرك المصباح لاستدعاء الجني وجعله يحضر له إناء ذهبيا مليئا بالمجوهرات. وطلب من أمه إهداء هذه المجوهرات للملك.
وضعت أم علاء الدين المجوهرات في كيس حريري، وذهبت إلى بوابات قصر الملك. وظلت هناك مدة أسبوع حتى نظر الملك في أمرها، وطلب من وزيره إحضارها إليه.
أخبرت السيدة العجوز الملك بشأن حب ابنها لابنته، ورغبته في الزواج منها. ضحك الملك بصوت مرتفع مما سمعه، وسأل السيدة عما جلبته له.
لكن عندما رأى الملك ما كانت تحمله، اندهش للغاية، وأذهلته الأحجار الكريمة الثمينة والبراقة، وقال: «أقسم بأنه ما من أحد أحق بابنتي ممن أهداني هذه الجواهر.»
وعد الملك أم علاء الدين أن ابنته ستتزوج ابنها في غضون ثلاثة أشهر. وبعد مرور هذه الأشهر الثلاثة، وصل علاء الدين إلى القصر على رأس موكب مهيب يضم جنودا طوال القامة يمتطون خيولا سوداء، وفتيات حسناوات يحملن أطباقا من الذهب الخالص مكدسة بالجواهر.
رحب الملك بالصبي، وأجلسه عن يمينه. كانت هناك موائد طويلة زاخرة بكميات هائلة من الطعام. فأكل الجميع بابتهاج، وأجريت مراسم الزواج لتصبح ابنة الملك زوجة علاء الدين.
أما في أفريقيا فقد سمع الساحر بهروب علاء الدين، وتعجب من الأمور التي فعلها. فعاد إلى الصين، ورأى القصر الذي بناه علاء الدين لعروسه بجدرانه الجميلة المكسوة بالقرميد، وسجاجيده المنسوجة من الذهب. علم الساحر أن كل هذه الثروة العظيمة سببها المصباح، وأقسم بأن يعثر عليه.
ذهب الساحر إلى السوق، واشترى بعض المصابيح، ثم أخذها، وجاب الشوارع وهو يصيح: «مصابيح! مصابيح! من يقايض مصباحا قديما بواحد من هذه المصابيح الجديدة؟»
ظن الناس في المدينة أنه مجنون، وسارع الكثيرون إلى مقايضة أحد مصابيحهم القديمة بواحد من مصابيحه الجديدة. وحرص الساحر على المرور بقصر علاء الدين، وصاح بصوت مرتفع: «مصابيح! مصابيح! من يقايض مصباحا قديما بواحد من هذه المصابيح الجديدة؟»
سمعت إحدى خادمات القصر نداء الساحر، وتذكرت أنها رأت مصباحا قديما كان علاء الدين يحتفظ به على أحد الأرفف في غرفة نومه. فذهبت لإحضاره، وقايضته مع الغريب، وهي تفكر في مدى حكمتها ومدى سذاجة الرجل العجوز.
وابتهج الساحر عندما رأى المصباح بين يديه، وفر من المدينة حتى وصل إلى الصحراء المحيطة بها بعد أن تأكد أنه ما من أحد يتبعه. ثم فرك المصباح، فظهر الجني المهيب، وقال: «شبيك لبيك، أنا عبد من يحمل هذا المصباح بين يديه.»
كان الساحر سعيدا للغاية، وطلب من الجني أن يسلب القصر من علاء الدين وينقله إلى أفريقيا.
فصاح الجني بصوت مدو: «أغمض عينيك، وسوف تجد ما أردته مجابا كما أمرت.» •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الثالثة والثلاثون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا المزيد من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة علاء الدين.» فأجابت شهرزاد: «بكل سرور!» •••
بلغني - أيها الملك العظيم - أن كل ما طلبه الساحر نفذ بالضبط كما شاء. وفي الصباح، عندما كان الملك ينظر من نافذته، رأى أن قصر علاء الدين ليس موجودا، وأن ابنته اختفت أيضا.
غضب الملك، وطلب إحضار علاء الدين للمثول أمامه. وكبل علاء الدين بالسلاسل، وأمر الملك بحبسه.
حزن الناس كثيرا لهذا الأمر. وخر علاء الدين على ركبتيه، وتوسل إلى الملك ليرحمه. فقال له: «أيها الملك العظيم، أعطني أربعين يوما لأحضر لك ابنتك وأعيد كل شيء كما كان من قبل. إذا مر أربعون يوما، ولم أستطع فعل ذلك، فاحبسني، وافعل بي ما شئت.»
وافق الملك، وبدأ علاء الدين رحلة بحثه. بحث في المدينة، ثم الصحراء، لكنه لم يعثر على أثر لقصره أو زوجته. كان علاء الدين بائسا، وألقى بنفسه على الأرض، ودعا الله أن يساعده.
وأثناء دعائه، فرك علاء الدين أحد أصابعه في خاتم الساحر، فظهر الجني أمامه ثانية.
قال علاء الدين عندما رأى ما حدث: «أيها الجني، أعد إلي زوجتي وقصري.»
فأجاب الجني: «لا أستطيع القيام بذلك، هذا عمل جني المصباح. فقوته تفوق قوتي.»
فكر علاء الدين لحظة، وقال: «إذن، لتنقلني إلى جانب قصري.»
أجاب الجني: «طلبك سينفذ.»
أغلق علاء الدين عينيه. وعندما فتحهما، كان في أفريقيا، خارج قصره. فتلى صلواته شاكرا الله على إنقاذه من بؤسه.
ذهب علاء الدين إلى غرفة زوجته، ووقف أمام نافذتها أملا في أن تراه. كانت إحدى خادماتها هناك، فصحبته إلى داخل القصر عبر باب سري. فرحت الأميرة لرؤية زوجها، وعانق كل منهما الآخر، وبكيا من الفرحة.
أخبرت الأميرة علاء الدين عن كيفية حصول الساحر على المصباح ونقله للقصر بكل ما فيه من ناس وثروات. وأخبرته أن الساحر حاول أن يكسب حبها بتقديم الجواهر والذهب لها. استمع علاء الدين إلى كل ما قالته، وفكر بإمعان حتى توصل إلى خطة. وقبل زوجته، وأخبرها بما سيفعله.
تسلل علاء الدين بحذر إلى خارج القصر، وسافر في اتجاه المدينة. فقابل امرأة عجوز، ودفع لها مالا مقابل أن تقايض ملابسها بملابسه. وذهب علاء الدين مرتديا هذه الملابس إلى أحد المتاجر في المدينة، وابتاع سما قوي المفعول، ثم عاد إلى القصر.
وصل الساحر وهو يتمنى أن يقنع الأميرة بحبه لها. وفي هذه المرة، لم تصده، بل ابتسمت له ودعته لتناول العشاء معها. فجلس مع الأميرة بينما وضع الخدم الطعام على المائدة. ونظرا لسعادته الغامرة، أكل الساحر وشرب دون أن يلاحظ أن الأميرة لم تتناول أي شيء. كان علاء الدين قد ملأ كأس الساحر بالسم سرا، فسقط أرضا على الفور.
خرج علاء الدين من مخبئه، وأخذ يفتش الساحر حتى عثر على المصباح مخبئا في كمه. فرك المصباح حتى ظهر الجني، ثم طلب منه إعادة القصر إلى موطنه الأصلي.
ابتهج الملك عند رؤيته لابنته سالمة، ورحب بعلاء الدين بحرارة.
وعاش الجميع سعداء فترة طويلة بعد ذلك اليوم. وعندما مات الملك، أخذ علاء الدين قصره. وسعد الناس لأنهم أحبوه كثيرا، وعاش علاء الدين في سعادة مع الأميرة حتى آخر عمرهما. •••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارن بما سأرويه لكما غدا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الفصل التاسع
قصة علي بابا واللصوص الأربعون
الليلة الرابعة والثلاثون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاء يا أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن أكثر القصص إثارة على الإطلاق.» فأجابت شهرزاد: «كما تشاءان!» •••
بلغني - أيها الملك - أن أخوان يدعيان قاسم وعلي بابا عاشا قديما في إحدى مدن بلاد فارس. عندما توفي والدهما، تزوج قاسم بابا من ابنة تاجر ثري، وعندما توفي هذا التاجر، ورث قاسم أمواله. وتزوج علي من امرأة تدعى مرجانة، وكانت فقيرة للغاية، لكنها ماهرة جدا في الوقت نفسه. وكسب علي بابا قوت يومه من جمع الأخشاب في الغابة.
وفي أحد الأيام، بينما كان علي بابا يحمل أخشابه ليأخذها إلى المدينة، سمع صوت حوافر خيول، ورأى أربعين فارسا يقتربون. أفزع مشهد الرجال علي بابا، واختبأ سريعا في الأحراش. وعندما اقترب الرجال أكثر، رأى علي بابا أن خيولهم كانت محملة بالثروات. وتوجهوا بخيولهم إلى واجهة صخرة كبيرة، وصاح قائدهم: «افتح يا سمسم!»
ظهر فجأة في الصخرة باب عريض يؤدي إلى كهف. توجه الأربعون لصا إلى الداخل، وانغلق الباب خلفهم. اندهش علي بابا مما رآه. وبعد فترة قصيرة، فتح الباب مرة أخرى، وغادر الرجال في الاتجاه ذاته الذي جاءوا منه.
عندما تأكد علي بابا من مغادرة الرجال، اقترب من الصخرة وكرر الكلمات: «افتح يا سمسم!»
ظهر الباب، ودخل علي بابا. فوجد نفسه في غرفة ضخمة مليئة بالسجاجيد الجميلة، ولفائف الحرير، وأكوام الذهب والجواهر. عبأ علي بابا أكبر قدر يمكنه حمله من العملات الذهبية، وعاد إلى زوجته.
اقترض علي بابا ميزانا من أخيه ليزن الذهب. وأثار الأمر فضول زوجة أخيه، فأرادت أن تعرف ما الذي سيزنه علي بابا، فغطت الميزان بطبقة من الشمع. وعندما أعاد علي بابا الميزان، وجدت عملة معدنية ملتصقة به. فأخبرت زوجها أن علي بابا قد أصبح ثريا الآن، وأظهرت له العملة الذهبية.
ذهب قاسم بابا للتحدث مع أخيه، وأخبره علي بابا بكل شيء حدث له عند الصخرة الكبيرة، وذهب قاسم بابا إلى الكهف وحده، وكرر: «افتح يا سمسم!»
انفتح الباب العريض، كما قال علي بابا، ودخل قاسم مذهولا بكل الثروات التي رآها أمامه. وقضى وقتا طويلا هناك، يجمع كل ما يمكنه حمله من هذا الكنز. كان الباب قد انغلق خلفه، فصاح قاسم بابا قائلا: «افتح يا بم بم!»
ظل الباب مغلقا، فقد نسي قاسم بابا كلمة السر. وأخذ ينطق بالكثير من الكلمات الأخرى، لكن الباب لم يتحرك. وحبس قاسم بابا بالداخل. وفي اليوم التالي، عاد الأربعون لصا، ووجدوا قاسم بابا هناك. فتخلصوا منه سريعا.
شك علي بابا فيما حدث. فدفن أخاه، وعاد للكهف لأخذ المزيد من حقائب الذهب.
بدأ اللصوص يلاحظون اختفاء بعض ذهبهم، فذهب قائدهم إلى المدينة ليعرف هل هناك من توفي قريبا. وإن كانت الإجابة بنعم، فمن هو؟ وعندما يعرف اللصوص ذلك سوف يكتشفون شريك الرجل المتوفى.
وبعد فترة قصيرة علم زعيم اللصوص بشأن قاسم ، وتمكن من الوصول إلى باب علي بابا. وميز الباب بالطباشير الأبيض، وعاد إلى الكهف ليخبر اللصوص بكل ما علمه.
رأت زوجة علي بابا علامة الطباشير على الباب، وأحست بخطر ما. فأخذت قطعة من الطباشير الأبيض، ووضعت علامة على كل الأبواب الأخرى في المدينة. وفي هذه الليلة، عاد الأربعون لصا إلى المدينة، عازمين على قتل علي بابا. لكنهم عندما وجودوا أن كل الأبواب عليها علامة بالطباشير الأبيض، أصابهم ارتباك شديد.
وفي اليوم التالي عاد الزعيم، وتمكن ثانية من الوصول إلى باب علي بابا. وحرص على أن يتذكره هذه المرة، ثم عاد إلى الكهف، وأعد الأربعون لصا جرارا كبيرة ليختبئوا بداخلها. وملئوا إحدى هذه الجرار ببذور الخردل، في حين اختبأ اللصوص التسعة والثلاثون في الجرار الأخرى. حمل الزعيم هذه الجرار على ظهور بغال قادها إلى المدينة، مدعيا أنه تاجر زيت. ووصل إلى منزل علي بابا، وطرق عليه متوسلا أن يسمح له بالدخول، ويمنح غرفة لينام فيها تلك الليلة.
اصطحب علي بابا الرجل إلى الداخل، ووضع الجرار مع الحيوانات خلف المنزل. وأثناء تناولهما العشاء مع مرجانة، ذهبت مرجانة خلف المنزل للحصول على بعض الزيت.
وعندما اقتربت من الجرار، سمعت صوتا يسأل: «هل حان الوقت؟»
فأدركت مرجانة سريعا ما حدث، وأجابت بصوت أجش: «لم يحن الوقت بعد.»
وأسرعت متنقلة من جرة إلى أخرى، مكررة الرسالة ومغلقة الجرار حتى يعجز الرجال عن الهرب. عادت مرجانة بعد ذلك إلى المطبخ، وسكبت بعض السم في كوب من النبيذ، وقدمته لزعيم اللصوص الذي شربه وسقط أرضا على الفور.
غضب علي بابا من زوجته، لكنها سحبت عباءة الزعيم، موضحة لعلي بابا الخنجر الذي خبأه ليقتله به. وأخبرته أيضا عن اللصوص التسعة والثلاثين المحبوسين في الجرار بالخارج.
قبل علي بابا زوجته، وحمد الله أن وهبه زوجة حكيمة مثلها. وعاشا معا في سعادة، وهم يأخذون سرا من الثروة العظيمة التي لا تزال مخبأة في الكهف.
خاتمة
أمتعت شهرزاد الملك بهذه القصص ليال كثيرة. وأنجبت منه ثلاثة أطفال طوال حياتهما معا. ويقال إن الملك أحبها، وأنها سامحته. وعاد الملك إلى صوابه، وتدارك الأمور بإعتاقه لها وتتويجها ملكة له. تعلق الملك بزوجته وبالقصص التي كانت ترويها له، وعاشا معا في سعادة غامرة.
Неизвестная страница