290

البواكير

البواكير

Издатель

دار المنارة للنشر والتوزيع

Номер издания

الأولى

Год публикации

١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م

Место издания

جدة - المملكة العربية السعودية

Жанры

عليه، فقلت: لعله قد بدا له فأحب أن يقصر من هذا الشعر، ولن يطول أمد هذا التقصير، وإني منتظر. وانتظرت والحلاق ماضٍ في عمله، حتى إذا تم النفش غدا على رأس صاحبنا شجرةٌ ذات فروع، فعجبت كيف كان هذا الشعر كله مصفَّفًا مستقرًا، ورثيت له إذ يحمل على رأسه أبدَ الدهر هذا الحمل الثقيل، وأعجبني منه أن يزمع الخلاص منه. ولكنه لم يقصّه كما قدَّرت أن يفعل، بل أشار إلى الحلاق فعمد إلى هنات سوداء -لا والله ما عرفتها من قبل وسنّي سنّي! - فأدخلها النار حتى احمرّت، ثم أدناها منه، فأشفقت أن يصيبه منها أذى، ثم فكرت فقلت: لعله مريض يكتوي، وقديمًا قالت العرب: «آخر الدواء الكَيّ». ونظرت فإذا هو يقبض على شعره بإحدى هناته تلك ويديره عليها، ثم يستلّها منه استلالًا، ثم يفعل مثل ذلك، وأنا أعجب منه. حتى انتهى، فإذا صاحبنا قد عاد جَعْدَ الشعر وقد كان سَبْطًا، فقلت: إنّا لله! رجل أصله من البربر فهو يجب أن يتشبه بأصله، والتمست له المعاذير. وحسبته قد انتهى وظننت أنه قائم، ولكنه لم يقم بل أشار إلى الحلاق، فضمخ رأسه بماء «كلونية» وأقبل فسرّحَه تسريحًا، وعاد فمسَّه بدهن استخرجه من حُقّ صغير، فصار لرأسه وميض ولمعان، فقلت: الحمد لله، قد انتهى. ونزعت عني طربوشي، ثم أعدته إلى رأسي حين لم يقم، ولبثت أنتظر، وجاء الحلاق بكُمَّة (١) فوضع فيها رأسه وشدّها من حوله شدًا، فقلت: مُصَدَّع

(١) الكمة غطاء يحتوي الرأس، كالقلنسوة أو الطاقية (مجاهد).

1 / 293