Альбер Камю: Попытка исследования его философской мысли

Абдель-Гаффар Маккави d. 1434 AH
74

Альбер Камю: Попытка исследования его философской мысли

ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي

Жанры

16

الذي نسميه بالفانوس السحري، يسلط ضوءه في كل مرة على صورة تختلف عن الصورة التي قبلها. وتظل الصور مفككة معزولة عن بعضها البعض، كما نرى في شريط سينمائي، لا تجمع بينها رابطة علية. ولعل هذه الهوى الموحشة الصامتة التي تفصل بين الصور والعبارات، وتجعلها تقف كالمخلوقات العارية المرتعشة في برد الشتاء، هي السبب الذي نحس من أجله عند قراءة هذه الرواية بالوحدة العميقة الجارفة.

إن مرسو يهب نفسه للتجربة الخالصة، للسعادة التي تمنحها اللحظة المباشرة، وكأنه طفل كبير يفتح عينيه لأول مرة على براءة النور، ويفرح من قلبه بعرس الألوان، ويرتعش لنبض الحياة في كل الموجودات. لقد ألقي به في عالم لا يعرفه، وحكم عليه بالحياة في مجتمع لا يفهم لغته، وارتبط مصيره بأناس تبدو له أفكارهم وتصوراتهم وعاداتهم شيئا غريبا لا يستطيع ولا يريد أن يألفه. إنه يحيا كالغريب بين غرباء. وهو بالنسبة لنا، نحن الذين نقرأ عنه ونتتبع قدره، إنسان غريب أيضا، لا نعرف له موضعا يناسبه في أنظمتنا الجاهزة من القيم والمعايير. إننا نحس بغربته وبراءته في آن واحد، ولكنه إحساس يختلط فيه السخط والخوف والرثاء؛ فنحن لا ندري ماذا نفعل إزاء هذا الإنسان المدهش الذي يبدأ من الصفر ويريد ألا يتحول عنه.

والحق أن مرسو إنسان بريء بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. وقمة براءته وتهمته في وقت واحد هي أنه عاش حياته حتى الآن بغير أن يثير الريبة من ناحيته في نفس إنسان. إن الرصاصة التي تنطلق من مسدسه لتردي الأعرابي قتيلا هي التي تفتح الأعين عليه. هذه الجريمة التي ألقت بها الصدف العمياء في طريقه هي بالنسبة لوكيل النيابة نتيجة لا بداية. لقد سلطت الأضواء على حياته التي قضاها حتى الآن في غير اكتراث، وتصبح السيجارة التي دخنها بغير قصد منه أمام تابوت أمه المسجاة في ملجأ العجزة، والدموع التي لم يذرفها وهم يوارونها التراب، واللحظات القليلة التي تسلل فيها النوم إلى جفونه، والفيلم الذي شاهده في صحبة عشيقته بعد ذلك بأيام قليلة؛ كل ذلك يصبح جريمة لا يريد أحد أن يغفرها له. لقد كان مرسو إذن مجرما عريقا في الجريمة. وذنبه الأكبر أنه لم يعتقد في «الذنب» أو لم يفهم له معنى، وأنه ظل يقف من مواضعات المجتمع وتقاليده موقف من لا يبالي بشيء. إنه الآن في نظر المحقق والقاضي «وحش» و«عدو للمسيح».

ويظل مرسو يراقب القضية وكأنهم يحاكمون إنسانا آخر لا تربطه به صلة. ويظل الوعي بالمحال راقدا في نفسه لا يستيقظ. ومع أن هذا الفرد الوحيد يصطدم بالمجتمع، ممثلا في أشخاص المحقق والقضاة والمحلفين وقسيس السجن وكل القيم الأخلاقية التي يدافعون عنها من عدالة وواجب وحب ووفاء ... إلخ، فإن هذا الإحساس بالمحال لا يصل عنده إلى مرحلة الوعي. إن كل كلمة يقولها مرسو تشف عن إحساس وعن صورة وراءها، في حين أن كل كلمة ينطق بها المحقق تدل على معنى أو تصور أو شكل من أشكال النظام المدني والاجتماعي. ويبقى مرسو غريبا أمام نفسه وأمام المجتمع الذي يتهمه ويشده إلى المقصلة.

ولكن حكم الإعدام يسقط كسيف الجلاد. ويزوره قسيس السجن في زنزانته. ويصطدم مرسو به فيستيقظ الوعي بالمحال الذي ظل كامنا فيه. وبينما يتشبث مرسو بسعادة من هذا العالم، نجد القسيس يعده بسعادة أخرى في عالم آخر، ويزين له «القفزة» التي حرمها على نفسه الإنسان الذي يعيش في المحال ويخلص له.

17

ويرفض مرسو هذا الأمل السهل، وينقض على القسيس ليصرخ به: إن كل اليقين الذي تعدني به لا يساوي شعرة واحدة في رأس امرأة. إن تمرده ليس هو التمرد الحق الذي يثور فيه الإنسان باسم إخوته جميعا من البشر، ولا باسم الطبيعة الإنسانية، بل هو تمرد باسم السعادة الأرضية التي تمتع بها حتى هذه اللحظة دون أن يدري: «أحسست أنني كنت سعيدا وأنني لم أزل سعيدا.»

18

إنها هي بعينها تلك السعادة التي تحدث عنها كامي في «أعراس»

Неизвестная страница