الأذان والإقامة
الأذان والإقامة
Издатель
مطبعة سفير
Место издания
الرياض
Жанры
٢١
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
_
الأذان والإقامة
في ضوء الكتاب والسنة
Неизвестная страница
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد.
فهذه رسالة مختصرة في «الأذان والإقامة» بيَّنت فيها بإيجاز: حكم الأذان والإقامة، ومفهومهما، وفضل الأذان، وصفته، وآداب المؤذن، وشروط الأذان والمؤذن، وحكم الأذان الأول قبل طلوع الفجر، ومشروعية الأذان والإقامة لقضاء الفوائت والجمع بين الصلاتين، وفضل إجابة المؤذن، وحكم الخروج من المسجد بعد الأذان،
1 / 3
وكم بين الأذان والإقامة؟ كل ذلك مقرونًا بالأدلة.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رفع الله درجاته في الفردوس الأعلى.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا، وخالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ضحى يوم الجمعة الموافق ١٨/ ٨/١٤٢٠هـ
1 / 4
الأذان والإقامة
أولًا: مفهوم الأذان والإقامة، وحكمهما:
١ - الأذان في اللغة: الإعلام بالشيء، قال الله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ﴾ (١) أي إعلام. وقوله: ﴿آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ (٢) أي أعلمتكم فاستوينا في العلم (٣).
والأذان في الشرع: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مخصوصة مشروعة (٤)، وسُمِّي بذلك؛ لأن المؤذن يعلم الناس بمواقيت الصلاة، ويُسمَّى النداء؛ لأن المؤذن ينادي الناس ويدعوهم إلى الصلاة (٥)، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ٣.
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٩.
(٣) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الهمزة مع الذال،١/ ٣٤،والمغني لابن قدامة،٢/ ٥٣
(٤) انظر: المغني لابن قدامة،٢/ ٥٣،والتعريفات للجرجاني، ص٣٧،وسبل السلام للصنعاني،٢/ ٥٥.
(٥) شرح العمدة لابن تيمية، ٢/ ٩٥.
1 / 5
قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ (١) وقال سبحانه: ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجمعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله﴾ (٢).
٢ - الإقامة في اللغة: مصدر أقام، من إقامة الشيء إذا جعله مستقيمًا.
٣ - الأذان والإقامة فرضا كفاية على الرجال دون النساء للصلوات الخمس المكتوبة، وصلاة الجمعة خامسة يومها، فهما مشروعان بالكتاب، لقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ (٣)، وقوله ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجمعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله﴾ (٤). وبالسنة؛ لقوله ﷺ في حديث مالك بن الحويرث: «فإذا
_________
(١) سورة المائدة، الآية: ٥٨.
(٢) سورة الجمعة، الآية: ٩.
(٣) سورة المائدة، الآية: ٥٨.
(٤) سورة الجمعة، الآية: ٩.
1 / 6
حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم وليؤمَّكم أكبركم» (١). فقوله ﷺ: «أحدكم» يدل على أن الأذان فرض كفاية (٢).
قال ابن تيمية ﵀: «وفي السنة المتواترة أنه كان يُنادى للصلوات الخمس على عهد رسول الله ﷺ، وبإجماع الأمة وعملها المتواتر خلفًا عن سلف» (٣).
والصواب أن الأذان يجب على الرجال: في الحضر، والسفر، وعلى المنفرد، وللصلوات المؤدَّاة والمقْضيّة، وعلى الأحرار والعبيد (٤).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد، برقم ٦٢٨، ومسلم، كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة، برقم ٦٧٤.
(٢) قال الحافظ ابن حجر: «واختلف في السنة التي فرض فيها، فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى [أي من الهجرة] وقيل: بل كان في السنة الثانية».فتح الباري،٢/ ٧٨.
(٣) شرح العمدة لابن تيمية، ٢/ ٩٦، وانظر: فتاوى ابن تيمية، ٢٢/ ٦٤.
(٤) ورجح سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀: أن الأذان فرض على الرجال، سواء كانوا أحرارًا أو عبيدًا، أو واحدًا، أو مسافرين. سمعته منه أثناء تعليقه على شرح الروض المربع، ١/ ٤٣٠، بتاريخ ٣٠/ ١١/١٤١٨هـ، وانظر: المختارات الجلية للسعدي، ص٣٧، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، ٢/ ٢٢٤، والشرح الممتع للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ٢/ ٤١.
1 / 7
ثانيًا: فضائل الأذان:
ثبت في فضائل الأذان والمؤذنين نصوص كثيرة، منها الفضائل الآتية:
١ - المنادي من الدعاة إلى الله، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (١).
٢ - المؤذِّنون أطول أعناقًا يوم القيامة؛ لحديث معاوية بن أبي سفيان ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» (٢).
٣ - يطرد الشيطان؛ لحديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا نُودي للصلاة أدبر الشيطان له ضُراط حتى لا يسمع التأذينَ، فإذا قُضِيَ النداءُ أقبل حتى إذا ثُوِّب للصلاة أدبَرَ، حتى إذا قُضِيَ التَّثْويبُ (٣) أقبلَ حتى يَخطُرُ بين المرء
_________
(١) سورة فصلت، الآية: ٣٣.
(٢) أخرجه مسلم، في كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهروب الشيطان عند سماعه، برقم ٣٨٧.
(٣) التثويب: الإقامة.
1 / 8
ونفسه، يقول له: اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظلَّ الرجلُ لا يدري كم صلى» (١).
٤ - لو يعلم الناس ما في النداء لاستهموا عليه؛ لحديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لو يعلمُ الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير (٢) لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة (٣) والصبح لأتوهما ولو حبوًا» (٤).
٥ - لا يسمع صوت المؤذِّن شيء إلا شهد له، قال أبو سعيد الخدري ﵁ لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري: «إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمعُ مدى صوت المؤذّن جنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيء إلا شهد له يوم
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل التأذين، برقم ٦٠٨، ومسلم، كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهروب الشيطان عند سماعه، برقم ٣٨٩.
(٢) التهجير: التبكير إلى الصلاة.
(٣) العتمة: صلاة العشاء.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الاستهام في الأذان، برقم ٦١٥، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، برقم ٤٣٧.
1 / 9
القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله ﷺ» (١).
٦ - يُغفر للمؤذن مدى صوته وله مثل أجر من صلى معه؛ لحديث البراء بن عازب ﵄ أن نبي الله ﷺ قال: «إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدَّم، والمؤذنُ يغفرُ له بمدِّ صوته، ويصدقه من سمعه من رطبٍ ويابسٍ وله مثلُ أجر من صلى معه» (٢).
٧ - دعاء النبي ﷺ له بالمغفرة؛ لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الإمام ضامنٌ (٣) والمؤذن مؤتمن (٤)، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين» (٥).
_________
(١) البخاري، كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالنداء، برقم ٦٠٩.
(٢) النسائي، كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالأذان، ٢/ ١٣، برقم ٦٤٦، وأحمد، ٤/ ٢٨٤، وقال المنذري في الترغيب والترهيب، ١/ ٢٤٣: «رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن جيد». وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٩٩.
(٣) ضامن: الضمان هنا الحفظ والرعاية؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم، وصلاتهم في عهدته. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الضاد مع الميم، ٣/ ١٠٣.
(٤) مؤتمن: أمين الناس على صلاتهم وصيامهم. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الهمزة مع الميم، ١/ ٧١.
(٥) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، ١/ ١٤٣، برقم ٥١٧، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، ١/ ٤٠٢، برقم ٢٠٧، وابن خزيمة برقم ٥٢٨، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ١٠٠، وله شاهد من حديث عائشة ﵂ عند ابن حبان بسند صحيح، برقم ١٦٦٩.
1 / 10
٨ - الأذان تُغفر به الذنوب ويُدخِل الجنة؛ لحديث عقبة بن عامر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يعجب ربكم من راعي غنمٍ في رأس شظيَّة (١) بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله ﷿: انظروا إلى عبدي هذا يؤذنُ ويقيمُ يخاف مني، فقد غفرتُ لعبدي وأدخلته الجنة» (٢).
٩ - من أذَّن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة؛ لحديث ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «من أذَّن ثنتَي عشرةَ سنةً وجبتْ له الجنة، وكُتِبَ لهُ بِكُلِّ أذانٍ ستونَ
_________
(١) الشظية: القطعة تنقطع من الجبل ولم تنفصل منه. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الشين مع الظاء، ١/ ٧١.
(٢) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الأذان في السفر، ٢/ ٤، برقم ١٢٠٣، والنسائي، كتاب الأذان، باب الأذان لمن يصلي وحده، ٢/ ٢٠، برقم ٦٦٦، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب،١/ ١٠٢، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم ٤١.
1 / 11
حَسَنةً، وبِكُلِّ إقامةٍ ثلاثونَ حسنةً» (١).
١٠ - المؤذِّن خيار عباد الله؛ لحديث ابن أبي أوفى ﵁: أن النبي قال: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لذكر الله» (٢).
١١ - المؤذِّن إذا أذَّن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه؛ لحديث سلمان الفارسي ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا كان الرجل بأرض قِيّ (٣)، فحانت الصلاة، فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمّم، فإن أقام صلى معه ملكاه،
_________
(١) ابن ماجه، كتاب الأذان والسنة فيها، باب فضل الأذان وثواب المؤذنين، برقم ٧٢٣، والحاكم في المستدرك، ١/ ٢٠٥،واللفظ له، وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وقال المنذري في الترغيب والترهيب،١/ ١١١: «وهو كما قال».وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٤٢، وفي صحيح ابن ماجه،١/ ٢٢٦.
(٢) الطبراني في الكبير واللفظ له كما قاله المنذري في الترغيب والترهيب، قال: والبزار، والحاكم، ١/ ٥١، وقال: «إسناده صحيح»، وقال الألباني في صحيح الترغيب، ١/ ٢١٧: «... في تصحيح الحاكم نظر من وجوه بينتها في الصحيحة، ٣٤٠٠»، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، ١/ ٢٢٧: «رواه الطبراني في الكبير، والبزار، ورجاله موثقون، لكنه معلول»، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب، ١/ ٢١٧.
(٣) القِيّ: بكسر القاف وتشديد الياء: هي الأرض القفر [الترغيب للمنذري].
1 / 12
وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه» (١).
ثالثًا: صفة الأذان والإقامة:
الأذان الذي استمر عليه بلال بين يدي رسول الله ﷺ - هو ما ثبت من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وصفته: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله»، والإقامة في هذا الحديث: «الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاةُ، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله» (٢).
_________
(١) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، ١٠/ ٥١٠، ٥١١، والطبراني في المعجم الكبير،
٨/ ٣٠٥، برقم ٦١٢٠، وابن أبي شيبة في مصنفه، ١/ ٢١٩، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٢١٩.
(٢) أخرجه أحمد، ٤/ ٤٢ - ٤٣، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، ١/ ١٣٥، برقم ٤٩٩، والترمذي مختصرًا، كتاب الصلاة، باب ما جاء في بدء الأذان، ١/ ٣٥٨، برقم ١٨٩، وابن خزيمة في صحيحه، ١/ ١٩٣، برقم ٣٧١،وابن ماجه، كتاب الأذان، باب بدء الأذان،١/ ٢٣٢،برقم ٧٠٦.
1 / 13
ويقول في أذان الفجر بعد حي على الفلاح: «الصلاةُ خيرٌ مِنَ النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم» (١)؛ ولحديث أنس ﵁ قال: «من السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حيّ على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم» (٢)، فيكون أذان بلال بحضرة النبي ﷺ خمس عشرة جملة، والإقامة إحدى عشرة جملة، ومما يؤكد ذلك حديث أنس ﵁ قال: «أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، إلا الإقامة» (٣)، والمعنى يأتي بالأذان مثنى مثنى، أو أربعًا أربعًا، فالكل يصدق عليه أنه شفع، وهذا إجمال بينه حديث عبد الله بن
_________
(١) أخرجه النسائي من حديث أبي محذورة، في كتاب الأذان، باب الأذان في السفر، ٢/ ٧، برقم ٦٣٣، وابن خزيمة في صحيحه، ١/ ٢٠٠، برقم ٣٨٥.
(٢) أخرجه ابن خزيمة، ١/ ٢٠٢، برقم ٣٨٦.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب: الأذان مثنى مثنى، برقم ٦٠٥، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة، ١/برقم ٣٧٨.
1 / 14
زيد، وحديث أبي محذورة، فشفع التكبير في أوله أن يأتي به أربعًا أربعًا، وشفع غيره أن يأتي به مرتين مرتين، وهذا بالنظر إلى الأغلب، وإلا فإن كلمة التوحيد في آخر الأذان، وفي آخر الإقامة مفردة بالاتفاق، والتكبير في الإقامة وتر بالنسبة إلى التكبير الرباعي في الأذان، وكذلك يكرر التكبير في آخر الإقامة، ويكرر لفظ الإقامة وتفرد بقية الألفاظ (١).وإن أذن وأقام بما في حديث أبي محذورة فلا بأس (٢).
_________
(١) انظر: فتح الباري لابن حجر، ٢/ ٨٣، وسبل السلام للصنعاني ٢/ ٦٥.
(٢) وصفة الأذان في حديث أبي محذورة فيه الترجيع، وهو أن يقول: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله يخفض بها صوته، ثم يرفع صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله»، ويكمل كما في حديث عبد الله بن زيد. أحمد في المسند، ٣/ ٤٠٩، ٦/ ٤٠١، وأبو داود برقم ٥٠٢،والنسائي، برقم ٦٣١،والترمذي، برقم ١٩٢، وابن ماجه، برقم ٧٠٩، ورواه مسلم، برقم ٣٧٩ لكن بتثنية التكبير في أوله.
والإقامة في حديث أبي محذورة ﵁ بتربيع التكبير، والباقي مثنى: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله». النسائي، برقم ٦٣٣،فيكون أذان أبي محذورة تسع عشرة كلمة، وإقامته سبع عشرة كلمة، كما رواه النسائي، برقم ٦٣٠.قال ابن تيمية – ﵀: «وإذا كان ذلك كذلك، فالصواب مذهب أهل الحديث ومن وافقهم، وهو تسويغ كل ما ثبت من ذلك عن النبي ﷺ لا يكرهون شيئًا من ذلك، إذ تنوع صفة الأذان والإقامة كتنوع صفة القراءات والتشهدات». الفتاوى، ٢٢/ ٦٦، وسمعت سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – ﵀ – يقول: إن الأفضل أذان بلال وإقامته بين يدي رسول الله ﷺ، والصواب أن هذا من خلاف التنوع كالتحيات والاستفتاحات. سمعته أثناء شرحه للحديث رقم ٩٣ من بلوغ المرام، وانظر: مجموع فتاواه، ١٠/ ٤٣٤، ٣٣٧، ٣٦٦.
1 / 15
رابعًا: آداب المؤذن:
ويكون المؤذن متطهرًا (١)، ويتمهل في ألفاظ الأذان، ويسرع في الإقامة، ويكون ذلك جزمًا (٢)، ويؤذن على موضعٍ عالٍ، قائمًا، مستقبل القبلة؛ لفعل بلال ﵁ (٣)،
_________
(١) وهذا هو الأفضل، انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، ٣/ ٧٥.
(٢) والمعنى تقطيع الكلمات بالوقف على كل جملة، فيحصل الجزم والسكون بالوقف. انظر: المرجع السابق، ٣/ ٧٢.
(٣) لأن بلالًا ﵁ «كان يؤذن على سطح امرأة من بني النجار، بيتها من أطول بيت حول المسجد». أبو داود، كتاب الصلاة، باب الأذان فوق المنارة، برقم ٥١٩، وحسنه الألباني بطرقه في إرواء الغليل، ١/ ٢٤٦، وذكر الألباني أنه ثبت استقبال القبلة من الملك الذي رآه عبد الله بن زيد الأنصاري، انظر: إرواء الغليل، ١/ ٢٥٠، برقم ٢٣٢، وانظر: سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، برقم ٥٠٧.
1 / 16
ويجعل أصبعيه في أذنيه؛ لحديث أبي جحيفة ﵁،قال: «رأيت بلالًا يؤذن، أتتبع فاه، هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه» (١)،ويلوي عنقه فيلتفت يمينًا لحيَّ على الصلاة، وشمالًا لحيَّ على الفلاح؛ لحديث أبي جحيفة ﵁ قال: «رأيت بلالًا خرج إلى الأبطح فأذَّنَ، فلما بلغ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح لوى عُنُقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر» (٢).
ويؤذِّن في أول الوقت؛ لقول جابر بن سمرة ﵁: «كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخَّر الإقامة
_________
(١) أحمد في المسند، ٤/ ٣٠٨، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في إدخال الإصبع في الأذن عند الأذان، برقم ١٩٧، وابن ماجه، كتاب الأذان، باب السنة في الأذان، برقم ٧١١.
(٢) أبو داود، كتاب الصلاة، باب المؤذن يستدير في أذانه، برقم ٥٢٠، وأصل حديث أبي جحيفة متفق عليه: البخاري، برقم ٦٣٤، ومسلم، برقم ٥٠٣.
1 / 17
شيئًا» (١)،ومن السنة أن يكون المؤذن قوي الصوت؛ لحديث عبد الله بن زيد ﵁ يرفعه: «فقمْ مع بلالٍ فألقِ عليه ما رأيتَ فليؤذِّن به؛ فإنه أندى صوتًا منك» (٢). ويستحب أن يكون صوت المؤذن حسنًا (٣)؛ لحديث أبي محذورة ﵁: أن النبي ﷺ أعجبَه صوتُهُ، فعلَّمَهُ الأذان (٤)، والأفضل أن يكون عالمًا بالوقت بنفسه؛ ليتمكن من الأذان في أوَّل الوقت؛ ولأنه قد يتعذّر عليه من يخبره بالوقت، ولكن لا حرج في أذان الأعمى إذا كان له من يخبره بدخول الوقت؛ لأن ابن أمِّ مكتوم ﵁ كان رجلًا أعمى لا يؤذن حتى يقال: «أصبحت أصبحت» (٥)، ويجب أن يكون المؤذن
_________
(١) أخرجه ابن ماجه، في كتاب الأذان، باب السنة في الأذان، برقم ٧١٣، وأحمد بنحوه في المسند، ٥/ ٩١، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، ١/ ٢٤٣.
(٢) أبو داود، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، برقم ٤٩٩، وابن ماجه، كتاب الأذان، باب بدء الأذان، برقم ٧٠٦، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، ١/ ٢٦٥.
(٣) انظر: سبل السلام للصنعاني، ٢/ ٧٠.
(٤) ابن خزيمة في صحيحه، ١/ ١٩٥، برقم ٣٧٧.
(٥) متفق عليه من حديث ابن عمر وعائشة ﵃: البخاري، كتاب الأذان، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، برقم ٦١٧، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بأذان الفجر، برقم ١٠٩٢.
1 / 18
أمينًا؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ (١)؛ ولحديث ابن أبي محذورة عن أبيه عن جده: «أُمناءُ المسلمين على صلاتهم وسحورهم: المؤذنون» (٢)؛ولحديث أبي هريرة ﵁ يرفعه: «والمؤذن مؤتمن» (٣)، وينبغي للمؤذن أن يبتغي بأذانه وجه الله تعالى؛ لحديث عثمان بن أبي العاص ﵁ قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، فقال: «أنت إمامُهُم واقتدِ بأضعفهم، واتَّخِذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» (٤). وأما إعطاء المؤذن من بيت مال المسلمين
_________
(١) سورة القصص، الآية: ٢٦.
(٢) البيهقي ١/ ٤٢٦،وحسنه الألباني لشاهده عن الحسن، في إرواء الغليل،١/ ٢٣٩.
(٣) أبو داود، برقم ٥١٧، والترمذي، برقم ٢٠٧، وتقدم تخريجه.
(٤) أبو داود، كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين، برقم ٥٣١، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرًا، برقم ٢٠٩، والنسائي، كتاب الأذان، باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرًا، برقم ٦٧٢، وابن ماجه، كتاب الأذان، باب السنة في الأذان، برقم ٧١٤، وأحمد، ٤/ ٢١، ٢١٧، وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٥/ ٣١٥، برقم ١٤٩٢.
1 / 19
فلا حرج فيه؛ لأن بيت المال إنما وضع لمصالح المسلمين، والأذان والإقامة من مصالح المسلمين (١).
خامسًا: الأذان المشروع قبل الفجر وحكمه:
الأذان الأول قبل الفجر مشروع؛ ليرجع القائم ويوقظ النائم، فعن عبد الله بن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ قال: «لا يمنعن أحَدَكُم أو أحدًا منكم أذانُ بلال من سحورِهِ؛ فإنه يؤذن أو ينادي بليلٍ، ليَرْجِعَ قائمَكُم وليُنبِّه نائمَكم» (٢). قال الإمام النووي ﵀: «فلفظة: قائمكم منصوبة مفعول يرجع ... ومعناه أنه إنما يؤذن بليل ليعلمكم بأن الفجر ليس ببعيد؛ فيرد القائم المتهجد إلى راحته، لينام غفوةً ليصبح نشيطًا، أو يوتر إن لم يكن أوتر، أو يتأهب للصبح إن احتاج إلى طهارةٍ أخرى، أو
_________
(١) انظر: المغني لابن قدامة، ٢/ ٧٠، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ١٣٢، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٢/ ٤٤.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان قبل الفجر، برقم ٦٢١، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، برقم ١٠٩٣.
1 / 20
نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح، وقوله ﷺ: «ويوقظ نائمكم»: أي ليتأهب للصبح أيضًا، بفعل ما أراد من تهجد قليل، أو إيتار إن لم يكن أوتر، أو سحور إن أراد الصوم، أو اغتسالٍ أو وضوءٍ، أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر» (١).
ولابد - على الصحيح - أن يكون هناك من يؤذن إذا طلع الفجر، والأفضل أن يكون المؤذن الثاني غير المؤذن الأول، والأفضل أن يكون الوقت بين الأذانين يسيرًا؛ لحديث ابن عمر ﵄ قال: «كان لرسول الله ﷺ مؤذنان: بلالٌ وابن أمِّ مكتوم الأعمى، فقال رسول الله ﷺ: «إن بلالًا يؤذِّن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابنُ أمِّ مكتوم». قال: ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا» (٢). فالسنة أن يكون الأذان الأول قريبًا من
_________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ٧/ ٢١١.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي ﷺ: «لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال»، برقم ١٩١٨، ١٩١٩، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، برقم ١٠٩٢.
1 / 21