فغضب من مراجعتي ودعا أعوانه فوقفوا حوله حلقة غاضبة، وكأن كلا منهم ينتظر أمره أن يبطحني على الأرض ليجلدني جزاء مراجعتي.
فقال لي القاضي: عد عشرين من هؤلاء يا جحا.
فعددت عشرين وقفوا صفا واحدا ينتظرون أمر القاضي.
فصاح بهم السيد: ليذهب كل منكم ليأخذ في يده وزة.
فحملوا على الوز فأخذ كل منهم واحدة تحت إبطه إلا واحدا منهم وقف فارغ اليد ينظر نحوي حانقا.
فقال القاضي وعلى وجهه بسمة الفوز: ألا ترى أنها تسع عشرة وزة؟ ألا ترى هذا الرجل الذي لم يجد نصيبا؟
فتذكرت ما قاله لي من قبل؛ إذ قال إن الأرزاق موفورة لكل من أقبل على التماسها، فضحكت ضحكة عالية حتى رأيت وجه القاضي يحمر خجلا، وقال ممتعضا: ماذا يضحكك من قولي؟
فقلت: إن الذنب ذنب هذا الذي لم يجد لنفسه نصيبا؛ فقد كانت الوزات أمامه إذا أقبل على التماسها.
فضحك القاضي ضحكا شديدا، ولست أدري إذا كان قد فهم مقصدي، ولكنه دعاني إليه فوضع ذراعه في ذراعي وذهب بي إلى مجلسه، وقضينا معا ساعة يسألني عن أحوالي، وأقص عليه ما كان مني منذ سمعت نصيحته، فبعت داري واشتغلت تاجرا حتى أكلت ثمنه تجارتي، وكان يضحك من وصفي كأنني كنت ألقي عليه فكاهة مع أن قلبي كان يدمى.
ولما سلمت عليه لأنصرف قال لي: لا بأس عليك يا جحا، فإنك على كل حال تحسن تجارة الوز، فهات لي عشرين وزة أخرى، ثم أخرج لي أربعين درهما.
Неизвестная страница