الولاء والبراء في الإسلام
الولاء والبراء في الإسلام
Издатель
دار طيبة
Номер издания
الأولى
Место издания
الرياض - المملكة العربية السعودية
Жанры
الولاء والبراء
في الإسلام
تأليف
محمد بن سعيد القحطاني
تقديم فضيلة الشيخ
عبد الرزاق عفيفي
Неизвестная страница
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة فضيلة الشيخ العلامة
عبد الرزاق عفيفي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فموضوع هذا الكتاب له شأنه وله أهميته في نفسه، وبالنسبة لكتابته في هذا الوقت، فبين كتابته وبين الوقت الذي نعيش فيه الآن مناسبة قوية.
أما أهميته في نفسه: فذلك لأنه في أصل من أصول الإسلام هو: (الولاء والبراء) .
وهما مظهران من مظاهر إخلاص المحبة لله، ثم لأنبيائه وللمؤمنين.
والبراء: مظهر من مظاهر كراهية الباطل وأهله. وهذا أصل من أصول الإيمان وأما أهميته بالنظر للوقت الحاضر: فلأنه قد اختلط الحابل بالنابل!، وغفل الناس عن مميزات المؤمنين التي يتميزون بها عن
1 / 7
الكافرين، وضعف الإيمان في قلوبهم حتى ظهرت فيهم مظاهر يكرهها المؤمن.
والوا الكافرين أممًا ودولًا، وزهدوا في كثير من المؤمنين، وحطوا من قدرهم وساموهم سوء العذاب.
ومن هنا: تأتي أهمية نشر هذا الكتاب في هذا الوقت الحاضر بالذات.
ولقد جاء المؤلف على جوانب الولاء والبراء، ونقل في ذلك كثيرًا من كلام العلماء، وقدم له ومهد، وعقب عليه وعلق، واستدل على ما جاء به من مبادئ الولاء والبراء بآيات من القرآن، وبأحاديث صحيحة عن رسول الله ﷺ، وبكثير من آثار الصحابة ومن تبعهم من السلف.
وبين وجه الاستشهاد بهذا وبهذا، ورقم للآيات وبين سورها، وأخرج الأحاديث والآثار وبين درجتها في الغالب الكثير.
وبرزت شخصية الباحث في كتابه مما يدل على سعة اطلاعه وقوة بحثه. وأسأل الله جل شأنه أن ينفع المسلمين بهذا الكتاب، وأن يهيئ لمؤلفه إخوانًا ينهجون نهجه، فالأمل كبير، الأمل في الله عظيم أن ينشأ كثير من شبابنا الحاضر على هذا المبدأ القيم، مبدأ نصرة دين الإسلام وإحياء ما اندرس منه فإن ربي مجيب الدعاء.
عبد الرزاق عفيفي
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه ومن يسلك سبيله إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد شاء الله ﵎ أن يطبع هذا الكتاب أول مرة في لبنان إبان اشتداد الحرب الدائرة هناك، مما حال بيني وبين تصحيحه بعد الطبع فخرجت الطبعة الأولى وبها نقص في بعض المواضع، وأخطاء تحيل المعنى في مواضع أخرى.
لذلك فقد أعدت النظر فيه مستفيدًا من ملاحظات القراء الكرام سائلًا المولى ﷿ أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن تكون هذه الطبعة أقرب إلى المراد والله ولي التوفيق.
المؤلف
1 / 9
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل الله فلن تجد له وليًا مرشدًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإنه من رحمة الله ﷾ وعظيم لطفه بخلقه: أن جعل الرسالة المحمدية هي خاتمة الرسالات السماوية، وجعلها ﷾ كاملة صافية نقية لا يزيغ عنها إلا هالك. وكتب تبارك اسمه وتعالى جدّه السعادة في الدّارين لأتباع هذه الرسالة الذين قدروها حق قدرها، وقاموا بها على وفق ما أراد الله وعلى هدي نبي الله ﷺ وسماهم أولياء الله وحزبه. وكتب ﷿ الشقاء والذلة على من حاد عن هذه الشريعة وتنكب الصراط المستقيم وسماهم أولياء الشيطان وجنده.
وأصل هذه الرسالة الخالدة: كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هذه الكلمة العظيمة - كما يقول ابن القيم -:
(التي لأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدوواين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار وأسست الملة، ولأجلها جردت السيوف للجهاد، وهي حق الله على جميع العباد) .
وحقيقة هذه الكلمة: (مركبة من معرفة ما جاء به الرسول ﷺ علمًا، والتصديق به عقدًا، والإقرار به نطقًا، والانقياد له محبة
1 / 10
وخضوعًا، والعمل به باطنًا وظاهرًا، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان، وكماله في الحب في الله، والبغض في الله، والعطاء لله، والمنع لله، وأن يكون الله وحده إلهه ومعبوده.
والطريق إليه: تجريد متابعة رسوله الله ﷺ ظاهرًا وباطنًا، وتغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله ورسوله) (١) .
هذه الكلمة العظيمة بكل مفاهيمها ومقتضياتها قد غابت عن حس الناس اليوم إلا من رحم الله، ومن هذه المفاهيم بل من أهمها موضوع: الولاء والبراء.
ولئن كان هذا المفهوم العقدي الهام قد غاب اليوم عن واقع حياة المسلمين - إلا من رحم ربك - فإن ذلك لا يغير من حقيقته الناصعة شيئًا.
ذلك أن الولاء والبراء: هما الصورة الفعلية للتطبيق الواقعي لهذه العقيدة. وهو مفهوم ضخم في حس المسلم بمقدار ضخامة وعظمة هذه العقيدة.
ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلا بتحقيق الولاء لمن يستحق الولاء والبراء ممن يستحق البراء.
ويحسب بعض الناس أن هذا المفهوم العقدي الكبير يدرج ضمن القضايا الجزئية أو الثانوية ولكن حقيقة الأمر بعكس ذلك.
إنها قضية إيمان وكفر كما قال الله تعالى:﴾ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٣﴾ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ
_________
(١) (الفوائد) تحقيق جابر يوسف: (ص١٤٣) .
1 / 11
وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿[سورة التوبة:٢٣: ٢٤]
وقال ﷻ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿. [سورة المائدة:٥١]
وقد قال أحد العلماء - وهو الشيخ حمد بن عتيق ﵀ (إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم - أي الولاء والبراء - بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده) (١) .
ولقد قامت الأمة الإسلامية بقيادة البشرية دهرًا طويلًا حيث نشرت هذه العقيدة الغراء في ربوع المعمورة، وأخرجت الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
ثم ما الذي حدث؟
* لقد تقهقرت هذه الأمة إلى الوراء بعد أن تركت الجهاد وأخذت بأذناب البقر!
* تراجعت بعد أن زهدت في الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام.
* تبعت الأمم الأخرى بعد أن ركنت إلى حياة الدعة والرفاهية والبذخ والمجون.
* تبلبلت أفكارها بعد أن خلطت نبعها الصافي بالفلسفات الجاهلية والهرطقة البشرية.
* دخلت هذه الأمة في طاعة الكافرين واطمأنت إليهم، وطلبت صلاح دنياها بذهاب دينها فخسرت الدنيا والآخرة.
وبرزت صور موالاة الكفار في أمور شتى منها:
(١) محبة الكفار وتعظيمهم ونصرتهم على حرب أولياء الله، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض ورميها بالقصور والجمود وعدم مسايرة العصر ومواكبة التقدم الحضاري.
(٢) ومنها: استيراد القوانين الكافرة - شرقية كانت أم غربية - وإحلالها محل شريعة الله الغراء وغمز كل مسلم يطالب بشرع الله بـ: التعصب والرجعية والتخلف!
(٣) ومنها: التشكيك في سنة رسول الله ﷺ والطعن في دواوينها الكريمة والحط من قدر أولئك الرجال الأعلام الذين خدموا هذه السنة حتى وصلت إلينا.
(٤) قيام دعوات جاهلية جديدة تعتبر جديدة في حياة المسلمين، ذلك مثل دعوة القومية الطورانية والقومية العربية والقومية الهندية و.. و... الخ.
(٥) إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق وسائل التربية والتعليم وبث سموم الغزو الفكري في المناهج والوسائل الإعلامية بكل أصنافها.
وأمام هذه الصور وغيرها من الصور الكثيرة تنشأ أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات صادقة وافية يدعمها الدليل من الكتاب والسنة والاسترشاد بآراء العلماء الأعلام ومن هذه الأسئلة:
لمن ينتمي المسلم؟
ولمن يكون ولاؤه؟
وممن يكون براؤه؟
ما حكم تولي الكفار ونصرتهم؟
ما حكم الإسلام في المذاهب الفكرية التي يروج لها المستغفلون أو الحاقدون من أبناء أمتنا وممن ينطقون بألسنتنا؟
كيف ينبغي أن تكون صورة الولاء للمسلمين الذين يضطهدون اليوم وغير اليوم في مشارق الأرض ومغاربها حيث تكالبت عليهم قوى الشر والكفر؟
ما هو طريق الخلاص بعدما تقبل المسلمون لباس العبودية العقلية الذي خلعته عليهم المدنية الأجنبية؟
_________
(١) النجاة والفكاك (ص ١٤) .
1 / 12
يستثير هذه الأسئلة وغيرها غياب المفهوم الصحيح لكلمة التوحيد، وبعد ذلك عن واقع المسلمين اليوم حيث مسخت مفاهيمها حتى صار من يقر بتوحيد الربوبية فقط دون توحيد الألوهية يعتبر موحدًا عند كثير من الناس!!!
أما كون لا إله إلا الله ولاء وبراء، أما كونها توحيد ألوهية وعبادة: فهذه معان لا تخطر على أذهان الكثير - إلا من رحم الله -
ورحم الله الإمام الداعية شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حين قال: (إن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين كما قال تعالى في سورة المجادلة):
﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿[سورة المجادلة: ٢٢] .
وانطلاقًا من مجموع هذه الأمور، وحبًا في خدمة هذه العقيدة، ورغبة في تفنيد الباطل وبيان الحق: عقدت العزم واستعنت بالله وكتبت هذا الموضوع وسميته: الولاء والبراء في الإسلام.
وأنا أعلم - يقينًا - أن مثلي لا يعطي هذا الموضوع حقه من البحث والدراسة نظرًا لقلة البضاعة وسعة الموضوع، لكنني بذلت جهد المقل، واجتهدت أن أصل به إلى الصورة التي تليق به، فإن أصبت فذاك ما أردت والفضل لله أولًا وآخرًا.
وإن كانت الأخرى فأستغفر الله لذنبي. وحسبي أني بذلت طاقتي ووضعت لبنة في طريق من يريد إكمال البناء.
وأقول كما قال سلفنا الصالح: رحم الله امرءًا أهدى إلي عيوبي.
1 / 13
كما أنني أطلب من كل قارئ كريم - عالم أو متعلم - قرأ هذا الكتاب ووجد فيه خللًا أن ينبهني إلى ذلك وله من الله الأجر والمثوبة على قيامه بواجب النصح ثم له مني الدعاء بظاهر الغيب.
وأخيرًا أتقدم بخالص الشكر والتقدير لأستاذي الكبير العالم العامل الشيخ محمد قطب حفظه الله لما أسداه إلي من نصح وتوجيه، وإرشاد وتنبيه إبان إشرافه على هذا البحث، سائلًا الله العلي القدير أن يجزيه عني خير ما جازى معلم عن تلميذه والله الهادي إلى سواء السبيل.
اللهم اجعل عملنا خالصًا صائبًا، خالصًا لوجهك الكريم صائبًا وفق كتابك وسنة نبيك ﷺ.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
محمد بن سعيد بن سالم القحطاني
مكة المكرمة
١٥/٥/١٤٠٢هـ
1 / 14
التمهيد
لكي نتحدث عن الولاء والبراء من واقع التصور الإسلامي الصحيح لا بد أن نتحدث في هذا التمهيد عن حقائق ثلاث هي:
(١) حقيقة الإسلام الممثلة في كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ومدلول هذه الكلمة وشروطها.
(٢) الولاء والبراء من لوازم كلمة التوحيد.
(٣) نواقض الإسلام: الشرك والكفر والنفاق والردة.
وهدفي من هذا هو: أن أحاول - بقدر الطاقة - إبراز حقيقة الإسلام، وحقيقة ما يناقضه. مع إبراز حقيقة قضية الولاء والبراء ودورهما في حياة المسلمين. لأن الولاء والبراء جزء من هذه العقيدة فالحديث عنه يستلزم الحديث عن أساس هذه العقيدة وهي كلمة التوحيد. ومعرفة هذه العقيدة معرفة صحيحة أمر ضروري للمسلم ليكون ولاؤه وبراؤه بحبسها. إذ من المحال أن تكون هناك عقيدة سليمة بدون تحقيق الموالاة والمعاداة الشرعية.
ثم إن الوقوف على حقيقة دعوة رسول الله ﷺ وما أحدثته هذه الدعوة من تحول في تاريخ البشرية، وما بنته من حضارة سعد بها الإنسان المسلم منذ أول لحظة عرف فيها ربه ودينه ونبيه: لأمر جدير بالتأمل، تلك الدعوة التي جاءت وقد كان الناس يعيشون في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، ثم أنقذتهم وأحيتهم بعد ممات:
﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿[سورة الأنعام: ١٢٢] .
1 / 17
ولقد أوضح حقيقة تلك الحال التي كانوا عليها الصحابي الجليل المقداد (١) بن الأسود ﵁ فيما رواه أبو نعيم في الحلية (.. والله لقد بعث النبي ﷺ على أشد حال بعث عليه نبي من الأنبياء، في فترة وجاهلية. ما يرون دينًا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى أن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافرًا – وقد فتح الله تعالى قفل قلبه للإيمان – ليعلم أنه قد هلك من دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار، وإنها للتي قال الله ﷿:
﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴿[سورة الفرقان: ٧٤] (٢) .
هذه الجاهلية التي تحدث القرآن عنها وهو يمتن على المسلمين بالهداية. قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فأنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿[سورة آل عمران:١٠٣] .
_________
(١) هو المقداد بن الأسود. أسلم قديمًا وشهد بدرًا والمشاهد، وكان فارسًا يوم بدر. توفي سنة ٣٣ هـ قال بعضهم وهو ابن سبعين سنة. وكان ذلك بالجوف على بعد ثلاثة أميال من المدينة وحمل إلى المدينة ودفن بها. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (١٠/٢٨٥) .
(٢) حلية الأولياء لأبي نعيم (١/١٧٥) وذكر صاحب كتاب حياة الصحابة (١/٢٤١) وقال إن الطبراني أخرجه أيضًا بمعناه بأسانيد في أحدهما يحيى بن صالح. وثقه الذهبي، وقد تكلموا فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/١٧) .
1 / 18
ولما عرف الصحابة رضوان الله عليهم الجاهلية، ثم عرفوا الإسلام خرجوا – نتيجة للتربية القرآنية والعناية النبوية – وهم أعظم جيل عرفه تاريخ هذه الدعوة.
ترى، ما سر تلك العظمة التي نقرأ عنها ونسمع، وكأنها شبه أحلام، نظرًا للهوة السحيقة التي وصلنا إليها؟ ذلك الجيل الذي كان الواحد منهم إذا دخل في الإسلام خلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية، وانتقل نقلة بعيدة من عالم مظلم سحيق، وتصور قاصر، ومفاهيم كليلة، وعبودية للمال والعبيد، إلى حياة رحبة فسيحة، وعالم يملؤه نور الله، وتصور كامل شامل، واستعلاء على كل عبودية إلا العبودية لله ﷿. (١) .
إن سر ذلك النجاح، وتلك العظمة هو نقطة البدء التي بدأ بها رسول الله ﷺ وهي كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هذه الكلمة التي مزقت كل رابطة، وأهدرت كل وشيجة إلا وشيجة العقيدة. رابطة الحب في الله، رابطة المؤاخاة الإيمانية التي يتهاوى دونها كل عرق ودم وتراب وجنس ولون.
ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: - قال رسول الله ﷺ (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي. اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلي إلا ظلي) (٢)
وعن عمر بن الخطاب ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (إن من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم
_________
(١) انظر معالم في الطريق للأستاذ سيد قطب (ص١٦) فصل جيل قرآني فريد. طبع دار الشروق. وانظر كتاب: أبو بصير قمة في العزة الإسلامية للأستاذ محمد حسن بريغش (ص٤٧) ط -٢ سنة ١٣٩٧ هـ الناشر مكتبة الحرمين بالرياض.
(٢) صحيح مسلم ط - ٤ (٤/١٩٨٨) (ح ٢٥٦٦) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي كتاب البر الطبعة الأولى سنة ١٣٧٤هـ /دار إحياء الكتب العربية وانظر المسند للإمام أحمد (ج١٦/١٩٢) (ح٨٤٣٦) تحقيق الشيخ أحمد شاكر الطبعة الرابعة سنة ١٣٧٣ هـ دار المعارف بمصر والموطأ (ج٢/٩٥٢) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
1 / 19
من الله تعالى) قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: (هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس) وقرأ هذه الآية:
﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿(١) [سورة يونس: ٦٢] .
ولقد مكث رسول الله ﷺ بمكة ثلاثة عشر عامًا يدعو الناس إلى هذه العقيدة ويمكنها في نفوس العصبة المسلمة، مما جعل آثار ذلك تنعكس في أفعالهم الحميدة، وجهادهم المستمر لنشر كلمة الله في الأرض، حيث قامت دولة المصطفي ﷺ في المدينة المنورة.
إن الذي يجعلنا نتحدث عن قضية الألوهية، ومفهومها الصحيح الذي جاء به الإسلام هو الحاجة الماسة لشرحها اليوم، وبيانها للناس. بعد أن انحرف الناس - إلا من رحم الله - عن العقيدة الصافية التي جاء بها الرسول ﷺ.
لقد أصبحت هذه القضية عند سواد الناس اليوم مجرد لفظة ترددها الألسنة دون وعي وتدبر لمعناها ولوازمها، ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل تعداه إلى إيراد بعض النصوص للاستشهاد بها على ما يرون من معتقد، دون نظر لكامل النصوص في هذه القضية، ودون رجوع إلى بيان ذلك في كتب أهل العلم من كتب الحديث وشروحها وكتب التفسير وشروح جهابذة رجال الدعوة والإصلاح على مدار تاريخ هذه الأمة.
ومسخ أيضًا مفهوم العبادة الشامل الكامل للحياة الدنيا والآخرة إلى جزء يسير منها وهو الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وحج.
أما النظام الذي تقوم عليه الحياة. أما الولاء لمن يكون؟ والبراء ممن يكون؟
_________
(١) سنن أبي داود (ج٣/٧٩٩) (ح ٣٥٢٧) كتاب البيوع وإسناده صحيح. تعليق عزت الدعاس الطبعة الأولى سنة ١٣٩١ هـ الناشر محمد علي السيد بسوريا.
1 / 20
أما الحب لمن؟ والبغض لمن؟ فهذه معان بعيدة عن تصورهم ومجال تفكيرهم!!
إن هذا الدين لم يكن توحيد ربوبية فحسب. وإنما هو أيضًا توحيد ألوهية وتوحيد أسماء وصفات تليق بجلال الله وعظمته.
وتأمل - كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀:
(حال رسول الله ﷺ لما قام ينذر المشركين عن الشرك، ويأمرهم بضده وهو التوحيد، لم يكرهوا واستحسنوا، وحدثوا أنفسهم بالدخول فيه، إلى أن صرح بسب دينهم وتجهيل علمائهم، فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة، وقالوا: سفه أحلامنا، وعاب ديننا، وشتم آلهتنا، ومعلوم أنه ﷺ لم يشتم عيسى وأمه، ولا الملائكة، ولا الصالحين، ولكن لما ذكر أنهم لا يدعون ولا ينفعون، ولا يضرون: جعلوا ذلك شتمًا.
فإذا عرفت هذا، عرفت أن الإنسان لا يستقيم له إسلام - ولو وحد الله وترك الشرك - إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعدواة والبغض، كما قال تعالى في سورة المجادلة:
﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان ﴿[سورة المجادلة: ٢٢] .
(فإذا فهمت هذا جيدًا عرفت أن كثير من الذين يدعون الدين لا يعرفونها - أي لا إله إلا الله - وإلا فما الذي حمل المسلمين على الصبر على ذلك والعذاب والأسر، والضرب، والهجرة للحبشة، مع أنه ﷺ أرحم الناس لو يجد لهم رخصة لأرخص لهم) (١) .
_________
(١) مجموعة التوحيد لابن تيمية وابن عبد الوهاب وغيرهم (ص١٩) الناشر دار الفكر بالقاهرة.
1 / 21
وما دام أن هناك من يجهل حقيقة (لا إله إلا الله) فلا بد من الشرح لها، والبيان لمدلولها وحقيقتها، وشروطها ونواقضها ولوازمها وإليك ذلك مفصلًا.
ومن الله نستمد العون والسداد.
1 / 22
كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)
ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، وبذلك تنفي الإلهية عما سوى الله ونثبتها لله وحده (١) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
(ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) وهي ملة إبراهيم الخليل ﵇ وسائر الأنبياء والمرسلين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين) (٢) أما شقها الثاني (محمد رسول الله) فمعناه تجريد متابعته ﷺ فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
ومن هنا كانت (لا إله إلا الله) ولاء وبراء، نفيًا وإثباتًا.
ولاء لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين.
وبراء من كل طاغوت عبد من دون الله (٣):
﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ ﴿[سورة البقرة:٢٥٦] .
_________
(١) انظر فتح المجيد ص ٣٦.
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (ج ٢٨/٣٢) . جمع عبد الرحمن بن قاسم ط أولى مطبعة الحكومة سنة ١٣٨١ هـ.
(٣) عرف ابن القيم الطاغوت تعريفًا جامعًا فقال: الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله انظر فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسين ص ١٦ ط ٧ سنة ١٣٧٧ هـ مطبعة أنصار السنة
1 / 23
وفي هذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنًا بالله إلا بالكفر بالطاغوت والدليل هذه الآية (١) يعني الآية السابقة ٢٥٦ سورة البقرة.
وكلمة التوحيد ولاء لشرع الله: ﴿
اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴿[سورة الأعراف:٣] .
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴿[سورة الروم:٣٠] .
وبراء من حكم الجاهلية:
﴿أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون﴾ [سورة المائدة:٥٠] .
وبراء من كل دين غير دين الإسلام:
﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿. [سورة آل عمران:٨٥] .
ثم هي نفي وإثبات تنفي أربعة أمور. وتثبت أربعة أمور.
(تنفي: الآلهة، والطواغيت، والأنداد، والأرباب.
_________
(١) الدرر السنية (ج١/٩٥) جمع عبد الرحمن بن قاسم.
1 / 24
فالآلهة: ما قصدته بشيء من جلب خير أو دفع ضر، فأنت متخذه إلهًا.
والطواغيت: من عبد وهو راض، أو رشح للعبادة.
والأنداد: ما جذبك عن دين الإسلام، من أهل، أو مسكن، أو عشيرة، أو مال: فهو ند لقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ﴿[سورة البقرة: ١٦٥] .
والأرباب: من أفتاك بمخالفة الحق وأطعته، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله ﴿[سورة التوبة:٣١] .
وتثبيت أربعة أمور:
القصد: وهو كونك ما تقصد إلا الله.
والتعظيم والمحبة: لقوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ ﴿[سورة البقرة:١٦٥] .
والخوف والرجاء: لقوله تعالى:
﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ راد لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿[سورة يونس: ١٠٧] .
فمن عرف هذا قطع العلاقة مع غير الله ولا تكبر عليه جهامة الباطل، كما
1 / 25
أخبر تعالى عن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بتكسير الأصنام وتبريه من قومه:
﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴿[سورة الممتحنة: ٤] . (١)
ولقد جاء القرآن من أوله إلى آخره يبين معنى لا إله إلا الله، بنفي الشرك وتوابعه، ويقرر الإخلاص وشرائعه، فكل قول وعمل صالح يحبه الله ويرضاه هو من مدلول كلمة الإخلاص، لأن دلالتها على الدين كله إما مطابقة وإما تضمنًا وإما التزامًا (٢)، يقرر ذلك أن الله سماها كلمة التقوى.
والتقوى: أن يتقي سخط الله وعقابه بترك الشرك والمعاصي، وإخلاص العبادة بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله) (٣) .
أما كيف تم لأصحاب رسول الله ﷺ معرفة هذه الكلمة والتزام أحكامها والعمل بمقتضياتها ولوازمها فيشرح ذلك الإمام الجليل سفيان بن عيينة: (٤) .
_________
(١) بضع رسائل في عقائد الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص٣٥) تحقيق محمد رشيد رضا الطبعة الأولى سنة ١٣٤٩ مطبعة المنار بمصر.
(٢) دلالة المطابقة: هي دلالة اللفظ على كل معناه.
دلالة التضمن: هي دلالة اللفظ على جزء معناه.
دلالة الالتزام: هي دلالة اللفظ على معنى خارج عنه لكنه لازم له.
(٣) انظر المورد العذب الزلال ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (ج٤/٩٩) تحقيق رشيد رضا. الطبعة الأولى سنة ١٣٤٦ هـ مطبعة المنار بمصر.
(٤) هو الإمام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي، الحافظ، أحد أعلام الإسلام ولد سنة ١٠٧ هـ وتوفي سنة ١٩٨هـ وله إحدى وتسعون سنة قال فيه الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز وقال فيه أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدًا أعلم بالسنن من ابن عيينة وكان كبير القدر. ومن العباد. حج سبعين سنة. انظر شذرات الذهب (١/٣٥٤) والأعلام (٣/١٠٥) ط - ٤.
1 / 26
(حدث محمد بن عبد الملك المصيصي قال: كنا عند سفيان بن عيينة في سنة سبعين ومائة، فسأله رجل عن الإيمان؟ فقال: قول وعمل. قال: يزيد وينقص؟ قال: يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه مثل هذه، وأشار سفيان بيده. قال الرجل: كيف نصنع بقوم عندنا يزعمون: أن الإيمان قول بلا عمل؟ قال سفيان: كان القول قولهم قبل أن تقرر أحكام الإيمان وحدوده.
إن الله ﷿ بعث نبينا محمدًا ﷺ إلى الناس كلهم كافة أن يقولوا: لا إله إلا الله، وأنه رسول الله. فلما قالوها عصموا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ﷿، فلما علم الله ﷿ صدق ذلك من قلوبهم، أمره أن يأمرهم بالصلاة، فأمرهم ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم (١) .
(فلما علم الله جل وعلا صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالهجرة إلى المدينة فأمرهم ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم، فلما علم الله ﵎ صدق ذلك من قلوبهم أمرهم بالرجوع إلى مكة ليقاتلوا آباءهم وأبنائهم حتى يقولوا كقولهم، ويصلوا صلاتهم ويهاجروا هجرتهم، فأمرهم ففعلوا، حتى أتى أحدهم برأس أبيه فقال: يا رسول الله: هذا رأس شيخ الكافرين، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا هجرتهم، ولا قتالهم، فلما علم الله ﷿ صدق ذلك أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعبدًا، وأن يحلقوا رؤسهم تذللًا ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول، ولا صلاتهم، ولا هجرتهم، ولا قتلهم آباءهم، فلما علم الله ﷿ صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم بها، فأمرهم ففعلوا حتى أتوا بها قليلها وكثيرها، والله لو لم يفعلوا
_________
(١) هكذا بالنص، والذي يبدو لي - والله أعلم - أن سياق الكلام يقتضي أن يكون هكذا (ما نفعهم الإقرار الأول) يدل على ذلك ما سيأتي في بقية النص.
1 / 27