التحفة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية
التحفة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية
Издатель
مطبعة الجمالية
Номер издания
الأولى
Год публикации
1330 AH
Место издания
مصر
Жанры
مطلب المراد بغروب الشمس
مطلب السلف الصالح لم تكن لهم آلات
(قال الإمام الخطاب) رحمه الله تعالى المراد بالغروب غروب قرص الشمس جميعه بحيث لا يرى منه شيء لا من سهل ولا من جبل فإنها تغيب عمن في الأرض وترى من رؤوس الجبال اهـ فإذا قيل في الشمس إنها تغيب عمن في الأرض وترى من رؤوس الجبال ولا يحكم بدخول وقت المغرب من أجل ذلك حتى يتحقق فالشفق أولى وأحرى أن يقال فيه ذلك ولا سيما في الأرض المنخفضة مثل البلد التي وقع النزاع والكلام فيه.
الثاني ما قدمناه من أن حمرة الشفق إذا ضعفت تخفى على بعض الناس ولذا قال الفقيه سيدي الناودي في جوابه السابق أن مغيب الشفق ليس من الأمور الجلية التي يشترك في معرفته الخاص والعام وقد صرح إمام الحرمين بغموض مدرك أول الفجر حسبما نقل ذلك عنه الشيخ حلولو في شرحه لجمع الجوامع ويؤخذ منه غموض مدرك الشفق كما لا يخفى ومن الدليل على مغيب الشفق إمكان وقوع الاختلاف بين الناظر إليه بأن لا يكادوا يتفقون على إدراك اللحظة من الزمان التي غاب الشفق فيها إذ ليس هو شيئاً ثابتاً في ذات الفلك مثل النجم أو القمر يغيب في مرة واحدة وإنما الشفق عبارة عن الحمرة الموجودة في جهة المغرب بارتسام شعاع الشمس في الأبخرة ثم كلما بعد جرم الشمس عن الأفق وضعفت الأبخرة ضعفت الحمرة شيئاً فشيئاً حتى تنعدم وتستحيل بياضاً زيادة بعد الشمس وقلة الشعاع وذلك وقت الشعاع (١) عندنا وما كان كذلك لا يستوي في إدراكه جميع الناس ولا يقدح فيه من ادعى معرفته دون اختبار ووددنا لو خرجنا مع جماعة من زعم في هذه البلدة أن الشفق واضح لا يخفى على أحد إلى موضع يرونه منه ويجلس كل واحد في ناحية ومعه من يسمع منه تعيين الوقت الذي غاب فيه بحسب رؤيته فإن توافقوا على وقت واحد بعينه وما أظن ذلك يقع صح قولهم إنه جلي وإن اختلفوا ظهر بطلان قولهم لأنه لا يخفى على أحد إذ قد أدرك كل من تأخر منهم من الحمرة ما لم يدركه من قبله وما جاز من الخفاء على السابق يجوز على من تأخر ولو قدر هذا الاجتماع لقامت به الحجة ووضحت به المحجة.
الثالث يقال الإدراك عند الاختبار بمثل الأسطرلاب المحكم الصنعة القريب الرصد بعدم غيب الشفق في نظر وزعم أنه يعرفه دليل على خطأه وعدم معرفته للشفق في تلك الليلة ومن جاز تطرق الخطإ لرؤيته في ليلة لم تقدرؤيته اليقين فيما بعد تلك الليلة أه( فإن قيل) رؤية مغيب الشفق دليل على دخول وقت العشاء شرعاً والدليل يلزم من وجوده الوجود وكلامك يعطي إلغاء الرؤية واعتماد الآلة فيلزم وجود الدليل مع تخلف المدلول (أجيب) بأن الرؤية التي جعل الشرع الحكم منوطاً بها هي رؤية العارف لا غيره ونحن لم نفكر كون الرؤية دليلاً على دخول الوقت ولكنا لما رأينا الآلة القطعية دلت حينئذ على عدم دخوله علمنا أن تلك الرؤية من غير العارف الممارس ليست صادقة وأن الوهم دخل على صاحبها ولو كانت صادقة لوافقت مدلول الآلة القطعية وإدراك بعض الناس الحمرة الضعيفة دون بعض لا غرابة فيه.
إذا ثبت هذا فاعلم أن المخالف لنا استدل على ما ذهب إليه من إلغاء التوقيت بالآلات ومن اعتماد الرؤية فقط بأن السلف الصالح لم تكن لهم آلة يعتبرونها ويعتمدونها بل كانوا يعرفون الأوقات ويصونون الصلوات دونها فقيل له السلف الصالح لمعرفتهم بالأوقات استغنوا عنها وكذا يستغني عنها اليوم من عرفه بغيرها ومن لم يعرفه وجب عليه تقليد من يعرفه بها أو بغيرها أو التأخير الكثير الذي لا يبقى معه شك لأحد وذكر أنهم سألوا المخالف عن استناده في صلاته في ذلك الوقت لأنهم رأوه لا يراقب الوقت فقال لهم إنه يقد المؤذن ويسألوا المؤذن هل يعرف أن المدة التي بين العشاء والمغرب تطول في بعض الأزمان وتقصر في بعضها فإذا هو جاهل بذلك فيكم بجلهما وقال وليس حكمنا على المؤذن بالجهل من جهة استناده في معرفة الوقت إلى التقدير والاجتهاد فإن ذلك جائز منصوص عليه ولكن التقدير أنه بتصور من يكون قد عرف الوقت قبل بآلة أو غيرها ليقيس المجهول على المعلوم والمؤذن عندنا في هذه النازلة يقيس مجهولاً على مجهول ويدل على ما ذكرنا من اشتراط عدم المعرفة في حق من يقدر.
(١) كذا بالأحمل ولعله وقت العشاء كما يفهم بالتأمل
69