58

Аль-Шафии: его жизнь и эпоха – его мнения и правоведение

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

Издатель

دار الفكر العربي

Издание

الثانية

Год публикации

1398 AH

ولا شك أن ذلك كان له الأثر الكبير في ثقافة الشافعي، وخصوصاً أن فقه هذه المدائن كان يدون، وينشر في الأقاليم المختلفة، ويتناوله العلماء بالنقد والتمحيص في مناظراتهم، ثم إن الشافعي قد رحل إلى كثير من هذه الأقاليم، فهو قد رحل إلى أطراف الجزيرة العربية وجاب صحراءها، ورحل إلى اليمن عاملاً في بعض ولاياتها، ورحل إلى الكوفة والبصرة، وناقش علماءها، أخذ عنهم، ورد عليهم، وكتاب الأم يسجل لنا أنه ناقش علماء البصرة الذين ينكرون حجية الحديث، وهكذا أخذ في التطواف والتردد بين مكة، وبغداد، دارساً متعرفاً قارئاً ما يدونه العلماء في كل مدينة وإقليم حتى ألقى عصا التسيار في مصر، وهنالك ألقى بكل ثمرات هذه الدراسة وكل نتائج هذه التجارب.

٣٨ - ولقد كان لخلفاء الدولة العباسية نزعة دينية وإن انغمسوا في الترف واجترعوا من اللهو، واستساغوا بعض المحرمات، أو محاموا حول حماها، وأوغلوا في بعض المشتبهات مما هي بين الحلال والحرام، إن أخذنا بأبعد الأخبار عن الاتهام، ولماذا نزعت تلك الدولة هذا المنزع؟ الجواب عن ذلك أنها دولة قامت على أساس نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتصالها به، فهي قامت بسلطان بمت إلى صاحب الشرع بسبب، إذ يمتون هم إليه بنسب، وما كان للدولة الأموية أن تدعي مثل هذه الدعوى، لأن مؤسسها انتزع ذلك الأمر ممن هو أقرب إلى الرسول نسباً، وأوثق بهذا الدين سبباً، وهم: علي وأولاده من بعده رضي عنهم، ولهذه النزعة الدينية عند خلفاء بني العباس قربوا إليهم العلماء، ورفعوا درجاتهم، وأجروا عليهم الأعطيات، وسهلوا لهم طرائق العلم، ولقد كان العلماء المقربون في عهد المهدي والهادي والمأمون، والمعتصم والواثق - المعتزلة، ليحاربوا بهم الزنادقة، ومن يهاجمون المبادئ الإسلامية من غير المسلمين، وأما في عهد الرشيد، فقد كان الفقهاء والمحدثون والوعاظ هم المقربين، وروي أنه حبس المعتزلة، ومنعهم من الاشتغال بعلم الكلام ولعل ذلك كان مما يرغب الشافعي في المقام في بغداد في عهد الرشيد ،

58