الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Жанры
حب أبي بكر للنبي ﷺ
الصفة الأولى: حب رسول الله ﷺ، إذا أردنا أن نصل إلى ما وصل إليه الصديق ﵁ وأرضاه أو إلى جزء منه فعلينا بحب رسول الله ﷺ، فـ الصديق أحب رسول الله ﷺ حبًا خالط لحمه ودمه وعظامه وروحه، حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من تكوينه، والصحابة جميعًا أحبوا رسول الله ﷺ حبًا عظيمًا فريدًا، ولكن ليس كحب أبي بكر الصديق ﵁، فإنه أحبه الحب الذي فاق حب المال والولد والأهل والبلد، بل فاق حب الدنيا جميعًا.
روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
فـ أبو بكر الصديق ﵁ وأرضاه كان أشد الناس حبًا لرسول الله ﷺ، ففي حديث رسول الله ﷺ في مسند الإمام أحمد: (إن أبا بكر وزن بأمة محمد ﷺ فوزن بها).
وفي رواية: (إن أبا بكر وضع في كفة وأمتي في كفة فعدلها).
إذًا: هذا الرجل كان أشد الناس إيمانًا بعد النبي ﷺ، وهو أشد الناس حبًا لرسول الله ﷺ، هذا الحب المتناهي له دليل من كل موقف من مواقف السيرة، ولو تتبعت رحلة الصديق ﵁ وأرضاه مع الرسول الكريم ﷺ لرأيت حبًا قلما يتكرر في التاريخ.
وتعالوا نقلب بعض الصفحات في حادث واحد من أحداث السيرة النبوية، إنه حادث الهجرة إلى المدينة المنورة، ثم سنتبعه بأحداث في مواقع أخرى من هذه المحاضرات.
لما جاء رسول الله ﷺ إلى بيت أبي بكر الصديق في ساعة لم يكن يأت إليهم فيها كان أول ما قال أبو بكر ﵁ وأرضاه: (فداء له أبي وأمي، والله! ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر) يعني: هناك أمر خطير جاء برسول الله ﷺ في هذه الساعة، فإنه لم يكن ﷺ يأتي الصديق في هذا الوقت في الظهيرة.
ولما أخبره ﷺ بأمر الهجرة قال أبو بكر الصديق بلهفة: (الصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فقال ﷺ: نعم، الصحبة).
فماذا كان رد فعل أبي بكر الصديق لما علم أنه سيصاحب رسول الله ﷺ؟ اسمعوا إلى السيدة عائشة تروي هذا الحدث، جاء في صحيح البخاري عنها ﵂ أنها قالت: (فوالله! ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ) سبحان الله! يبكي من الفرح لصحبة رسول الله ﷺ في أمر الهجرة، مع أن هذه الصحبة الخطيرة قد يكون فيها ضياع النفس، فمكة كلها تطارده ﷺ، وسيكون فيها ضياع المال، وسيكون فيها ضياع الأهل، وسيكون فيها ترك البلد، لكن ما دام في صحبة رسول الله ﷺ فهذا أمر جعله يبكي من الفرح لأجله.
وهنا نقطة أخرى من نقاط الهجرة، وهي عند الوصول إلى غار ثور، (ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله! لا تدخله حتى أدخله قبلك؛ فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه -يعني: كنس الغار ونضفه- ثم وجد في جانبه ثقوبًا فشق إزاره وسدها، وبقي منها اثنان فألقمهما رجليه)، يعني: بقي ثقبان لم يسدا، فـ الصديق ﵁ وأرضاه وضع رجليه كل رجل تسد ثقبًا من هذه الثقوب، ثم قال لرسول الله ﷺ: (ادخل، فدخل رسول الله ﷺ ووضع رأسه في حجره -يعني: في حجر الصديق - ثم نام ﷺ، فلدغ أبو بكر في رجله) يعني: عقرب أو حية لدغت الصديق في رجله، قال: (ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله ﷺ، ثم سقطت دموعه على وجه رسول الله ﷺ يعني: أصابه ألم شديد ولم يتحرك حتى بكى من شدة الألم، قال: (فسقطت دموعه على وجه رسول الله ﷺ، فقال ﷺ: ما لك يا أبا بكر؟! قال: لدغت فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله ﷺ فذهب ما يجده)، يعني: أن الرسول ﵊ وضع على الإصابة من ريقه ﷺ فذهب ما يجده من الألم ومن الإصابة، وهذا يدل على حب عجيب لرسول الله ﷺ.
ونقطة أخرى من نقاط الهجرة الجميلة: روى البخاري ﵀ في صحيحه عن أبي بكر الصديق رضي ا
1 / 11