Ал-Рудуд аль-Муфхимах 'Ала Мункари аль-Суннх аль-Мутахарах
الردود المفحمة على منكري السنة المطهرة
Жанры
الردود المفحمة على منكري السنة المطهرة
فضيلة الشيخ
عدنان بن محمد العرعور
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، أنعم علينا بكتاب محفوظ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم جعله نبراسًا للعالمين.
وأشهد أن لا إله إلا هو إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا رسوله ﷺ الأمين أرسله بالسنة الوحي المبين، ثم جعلها هديًا للمؤمنين، فتم دينه بكتابه الحكِيم، وسنة نبيه الكريم.
فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
تظهر بين الحين والآخر، دعوات بصور مختلفة، وأساليب متباينة، ودعايات قوية لإنكار السنة، وترك العمل بها، بدعاوى باردة .. وحجج واهية .. تغر الساذج، وتخدع الجاهل.
ولما كانت هذه البضاعة مزجاة عند المسلمين الواعين، وباطلة عند العالِمين، دلّسوا عليها بزعمهم: إن القرآن يكفيهم عن السنة.
وأخطر ما في هذه الدعوات أنها تلبس لبُوس الدين، وأنها تُريد المحافظة عليه من العبث، وتالله ما بعد الطعن بالسنة إلا الكفر البواح، ولا بعد التفريق بين الكتاب والسنة من خُبثٍ وعبث.
وبغض النظر عن كون هذه الدعوات دعوات مغرضة، وبأهداف خبيثة، وظاهرةٌ لأهل الإسلام، لفصل السُّنة عن القرآن، حتى لا يعرف المسلم أداء عباداته، ولا معظم أحكامه، ولا هدي رسوله ﷺ، بغض النظر عن هذا كله، وبفرض حسن النية في بعضهم مع الجهالة.
1 / 2
يقال لهؤلاء الذين لا يأخذون بالسنة:
١ - من أين عرفتم أنّ هذا القرآن وحيٌ من الله تعالى ..؟ !؟ لولا تبليغ رسول الله ﷺ لنا بذلك .. فإذا أسقطتم السُّنة أسقطتم معها القرآن؛ لأن كلاهما تبليغ من الرسول ﷺ .. ! وإذن سقط الدين كله، ولا ينفعكم القرآن وقتئذ؛ لأنكم لم تعملوا بطاعة الرسول ﷺ التي أمر الله تعالى بها: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله ...﴾ [النساء: ٦٤].
ألا يعني فعلكم هذا؛ أن النبي ﷺ .. صَدَق في تبليغ القرآن .. ولم يصدق في تبليغ السنة .. إنكم لتقولون قولًا عظيمًا -والعياذ بالله تعالى-.
٢ - ما الذي أدراكم من كلام الرسول ﷺ أن هذه آية .. وهذا حديث ..؟ !؟ أليس هو النبي ﷺ الذي بين لنا ذالك ..؟ ! فكيف قبلتم منه ما قال أنه قرآن .. ورفضتم ما قال أنه وحي آخر من الرحمن ..؟ ! كيف فرّقتم بين النوعين من أقواله ﷺ، وكلاهما وحيٌ من الله المنان ..
أفتؤمنون ببعض أقواله وتكفرون ببعض ..؟ ! ليس هذا من سبيل المؤمنين في شيء.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون﴾ [النور: ٥١]
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٤ - ٤٧].
وعن أبي سعيد الخدري ﵁، قال، قال رسول الله ﷺ: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء» (١).
(١) [رواه البخاري ٤٣٥١ ومسلم ١٠٦٤]
1 / 3
وإذا لم يكن فعلكم هذا إيمانًا ببعض ما أنزل الله تعالى، وإعراضًا عن بعض، فماذا يكون .. غير التناقض العقلي .. والإيماني .. أم هو كيد لهذا الدين شيطاني؟ !
٣ - ثم يقال لأحد هؤلاء: لو سمعت رسول الله ﷺ يأمرك بأمر .. هل تطيعه أم تعصيه .. فإن قلت أطيعه فقد أخذت بالسُّنة التي تنكرها وتناقضت! ! وإن عصيته ورددت أمره .. فهل أنت بعد ذلك مسلم ..؟ !
وقد قال تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ...﴾ [النساء: ٨٠].
وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٣٦].
وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: ١٤].
قد يقول قائل منهم: أنا لم أسمع منه ﷺ ولكن نقل لي كلامه .. وأنا غير مطمئن للناقلين ..؟ !
والجواب من وجهين:
الأول: أن الذين نقلوا السُّنة وحفظوها .. هم أنفسهم الذين نقلوا القرآن وحفظوه، فكيف صدقتهم بنقلهم للقرآن .. ولم تصدقهم بنقلهم للسنة ..؟ ! هذا ورب النبي في العقول عجيب .. !
الوجه الثاني: أن الله حفظ الدين بالقرآن والسنة:
فإن قيل: إن الله تعالى حفظ القرآن ولم يحفظ السنة .. قيل له: أخطأت وجهلت، فما كان الله تعالى ليحفظ جزءًا من دينه .. ووحيه .. وتنزيله، ويترك الشطر الآخر منه، -وهو الأكثر والمهم- بلا حفظ، معرضًا للضياع، ويكون دينه حينئذ ناقصًا غير كامل.
وهو القائل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ﴾ [المائدة: ٣].
فلا كمال لهذا الدين إذن إلا باجتماع القرآن والسنة.
ثم أن الله أخبرنا بصريح القول أنه حفظ دينه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
1 / 4
فلفظة ﴿الذِّكْرَ﴾ في الآية ليست مقتصرة على القرآن فحسب .. بل هي شاملة للقرآن والسنة، بدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ...﴾ [النحل: ٤٤].
ولفظة الذكر مرادفة كذلك للدين، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ...﴾ [الفرقان: ٢٩]. و(عَنِ الذِّكْرِ) أي: عن الدين وأحكامه.
وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ...﴾ [يس: ١١]. (اتَّبَعَ الذِّكْرَ) أي: اتبع دينه.
فيَتبيّن من هذه الآيات وغيرها؛ أن كلمة الذكر لا يقتصر معناها على القرآن فحسب، بل يشمل الدين كله، إذ في السُّنة أحكام ليست في القرآن كما سلف ذكره، كعدد الصلوات والركعات، فمن زاد عليها أو أنقص منها عامدًا ضل .. وما يقال عن الصلاة وركعاتها؛ يقال عن الحج ومناسكه، وعن الزكاة ومقدارها، وقس عليه أمورًا كثيرة ذُكرت في السُّنة هي أكثر منها في القرآن ..
ثم .. كيف لا يحفظ الله ما يفسر كتابه، ويُبيّن ناسخه من منسوخة ..؟ !
كيف لا يحفظ ما يوضح دينه، ويُبيّن معالمه، ويُفصّل أحكامه ..؟ !
بل كيف لا يحفظ أحكامًا في دينه زائدة عن كتابه؛ كتحريم كثير من أبواب الربا، والدواب كالسباع والحمير والحشرات، وغير ذلك كثير.
فإذا لم يحفظها الله أصبح دينه ناقصًا محرفًا ..
لذلك حفظ الله تعالى دينه المشتمل على الكتاب والسنة، لإكماله، وإتمام نعمته، فالسُّنة؛ رديفة القرآن .. وموضحته .. ومتممته .. فلا يتم كمال الدين، ولا تمام نعمة الإسلام، إلا بحفظ مصدريه؛ الكتاب والسنة.
فالواجب على المسلم؛ العلم بل الإيمان بأن السُّنة محفوظة بحفظ الله لوحيه، ولا ينخدع بهذه الدعوات المغرضة، فكما أن القرآن وحي محفوظ، فكذلك السنة محفوظة، إلا أن طريقة حفظها وتناقلها يختلف عن طريقة القرآن وحفظه .. والحمد لله رب العالمين.
1 / 5
٤ - ثم يقال لهم: هل أنتم مهتدون ..؟
فإن قالوا: نعم، قيل لهم: إن الهداية كما أخبر الله تعالى لا تتم إلا باتباع النبي ﷺ فقال: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ...﴾ [النور: ٥٤]. وأنتم غير مطيعين له .. فكيف اهتديتم .. وأنتم لسيرة سيد المرسلين رفضتم؟ ! فأنتم بنص القرآن الكريم .. الذي تزعمون أنكم تأخذون به .. غير مهتدين .. ! فكن يا عبد الله من الفطنين.
٥ - ثم يُسألون: هل أنتم متبعون للرسول ﷺ طاعة لله كما أمر بذلك قال تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨].
فإن قالوا: نعم، قيل: فكيف تحققون هذا الاتباع .. !؟ ما دمتم عن سيرة سيد الخلق ناكسون.
ولا أدري بماذا يجيبون ..؟ ! بل سيصعقون .. ! وأما العقلاء منهم فسيتراجعون ويهتدون.
ولعل هذه من أكبر الحجج عليهم، فإن الله أمر المؤمنين كلهم إلى يوم القيامة باتباع رسوله ﷺ فقال: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ... وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨].
فكيف يحقق المؤمنون هذا الاتباع بعد وفاته ﷺ بقرون .. إلا بأخذ ما نقلته الأمة المزكّاة من الله تعالى، من سيرته العطرة، وسنته الطاهرة، بأبي هو وأمي ﷺ.
فإن كانت السنة لم تُحفظ كما زعمتم .. ! فكيف يكلف الله الأمة بأخذ شيء غير موجود، وكيف يأمر بأمر يعجز الناس عن فعله .. ! وهو القائل: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ...﴾ [البقرة: ٢٨٦].
تالله لا يأمر بمثل هذا سلطان عادل .. فكيف برب العدل والسلاطين سبحانه ..
اللهم اشهد أنا بك وبكتابك وبنبيك وسنته وصحابته وعدلهم وصدقهم من المؤمنين ..
٦ - ثم يقال لهم: إن الله أمر نبيه ببيان ما أنزل إليه .. ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ...﴾ [النحل: ٤٤]
فكيف سيبين رسول الله ﷺ الدين!؟ أليس بأقواله .. وأفعاله .. فإذا رددتموها .. فكيف وصلكم البيان .. أم أنتم أعلم وأفقه من الصحابة تفهمون بلا بيان؟ !؟
1 / 6
٧ - ثم كيف عرفنا أن محمدًا هو رسول الله ﷺ، وأن هذا كتاب ربنا ودينه .. لولا بيان رسول الله ﷺ، وتبليغه لنا بذلك.
علمًا؛ أن النبي ﷺ لم يكن أول ما نطق به بعد البعثة هو القرآن، وإنما أخبرهم أنه يوحى إليه، وكذلك لم يكن كل حياته لا ينطق إلا بالقرآن.
فعن جابر ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: «فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فَجُئِثْتُ منه رعبًا، فرجعت فقلت: (زملوني زملوني) فدثروني، فأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ (١).
وعن طارق بن عبد الله المحاربي ﵁ قال: رأيتُ رسول الله ﷺ مرَّ في سوقِ ذي المَجازِ وعليهِ حلَّةٌ حمراءُ وهو يقول: «يا أيُّها النَّاس: قولوا لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفلِحوا» (٢).
ثم كيف صدقته أنه يوحى إليه، ولم تقبل بعد ذلك ما أوحى إليه .. مما أمرك به، أو نهاك عنه، من غير القرآن.
أيفعل هذا رجل عاقل .. فضلًا عن كونه مؤمن؟؟ ! !
فإذا لم يُقبل إلا القرآن، فلا يُقبل إذن كلامه ﷺ أنه يوحى إليه؛ لأنه ليس قرآنًا، ولازمه أن لا يقبل منه القرآن.
وعليه؛ لا يمكن لأحد أن يدخل الإسلام إلا بعد أن يَقبل أمر رسول الله ﷺ ونهيه .. وحتى إذا لم يكن أمره الذي أمر به، أو نهيه الذي نهى عنه، موجودًا في القرآن الكريم، ولو كان الرسول ﷺ مطاعًا فيما ورد في القرآن فحسب، لما أطلق الله الأمر بطاعته ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ...﴾ ولقيّد الله طاعة رسوله ﷺ .. ولقال مثلًا: (أطيعوا الرسول ولا تعصوه فيما ورد من القرآن) فتدبّر فهو هدىً للمتدبرين.
(١) [رواه البخاري ٤٩٢٥ ومسلم ١٦١]. (٢) [رواه أحمد (١٦٠٢٣) والحاكم (٤٢١٩) وابن حبان (٦٥٦٢) وابن خزيمة (١٥٩) وصححه الألباني في التعليقات الحسان رقم (٦٥٢٨)].
1 / 7
فالسنة؛ هي التي دلتنا على الدين قبل القرآن، وتالله لولاها لما عرفنا ربًا، ولا تعلمنا دينًا، ولا قرأنا قرآنًا، وإذن لا يتم الدين، ولا معرفة الشريعة إلا بها، فهي التي تُفصّل لنا مجمل القُرآنِ، وتفسّر مُبْهَمة، وتقيّد مُطلَقه، وتُخصّص عَامَّه، فضلًا عن أنها تضيف أحكامًا ليست في القرآن، حتى قَالَ مَكْحُولٌ رحمه الله تعالى: "القُرْآنُ أَحْوَجُ إِلَى السُّنة مِنَ السُّنة إِلَى القُرْآنِ" (١) .. أليس منكم رجل رشيد ..؟ !
٨ - ثم يقال لهم: كيف تعرفون أركان الإسلام، وأحكامه، وتفاصيله .. كيف تصلون!؟ كيف تزكون!؟ كيف تصومون!؟ وكيف تحجون ..؟ ! وكيف .. تعرفون الحلال والحرام .. وكيف .. وكيف ..؟ ! إذا لم تأخذوا بالسنة ..؟ !
وإذا لم يعرف المرء أحكام الإسلام، وأركانه، سقطت هذه الأحكام والأركان .. ومن أسقط ركنًا من أركان الإسلام .. فليس بمسلم، فكيف إذا أسقط الأركان كلها .. !
وعلى أصحاب هذه الأفكار أن يبيحوا أكل الحمير الأهلية والكلاب .. والثعابين والذئاب .. فكل أولئك غير محرّم في الكتاب! !؟؟ .
٩ - من المعلوم ضرورة من دين الإسلام؛ أن الله تعالى أمر بالإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام بعامّة .. وبمحمد ﷺ بخاصّة .. وجعل ذلك ركنًا من أركان الإيمان .. فقال سبحانه: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ...﴾ [آل عمران: ١٧٩].
ولم يقتصر على إيجاب الإيمان بالرسل فحسب، بل أمر باتباعه بقوله: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨].
وشهد للذين يؤمنون بالرسل بالصدق، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩].
(١) هو ثقة فقيه من الطبقة الخامسة من طبقات رواة الحديث النبوي
1 / 8
فهل المقصود بالإيمان بالأنبياء؛ الإيمان بأسمائهم .. وأنسابهم .. وأشكالهم .. فحسب! ! أم المقصود؛ الإيمان بأقوالهم .. والاقتداء بأفعالهم .. والتأسي بسيرهم.
ومما لا ريب فيه؛ أن الإيمان بالرسل هو التصديق بما أخبروا، والعمل بما أمروا، والانتهاء عما نهوا عنه.
وعليه؛ لا يصح إيمان، ولا يقبل عمل إلا بالإيمان بالرسول ﷺ، وليس المقصود بالإيمان بالرسول ﷺ مجرد الإيمان بوجوده، وبشخصه وباسمه وبتبجيله ومحبته .. إنما المقصود من الإيمان بالرسول ﷺ وبأقواله، والإقتداء بأفعاله، وقبول أحكامه، ولزوم هديه ﷺ، ومن ادعى الإيمان بالأنبياء ولم يأخذ بسنتهم .. فهو كاذب .. فكيف بمن يدعو لإنكار سنة سيدهم محمد ﷺ .. قليلًا من الفهم والحياء يا دعاته العقول .. !
١٠ - لذلك؛ كان الإعراض عن سنة رسول الله ﷺ ووحيه ضلالًا مبينًا، وتَرْكُ الأخذ بها فتنة عظيمة، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤].
فليحذر المسلم من الدخول في هذه الفتنة العظيمة، فهي من أعظم الفتن على الإسلام والمسلمين.
وكثير من أولئك الذين افتتنوا في هذه المسألة؛ كانت فتنة بعضهم أن انتكسوا عن الإيمان، وارتدوا عن الإسلام، أو ارتكسوا عن التقوى والهداية، إلى الفساد والغواية، عقوبة لهم في هذا؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣]. هذا في الدنيا، وما أعدّه الله في الآخرة لمن يرد سنة نبيه ﷺ أشدّ وأنكى، قال سبحانه: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٤٢].
أفبعد هذا البيان من بيان ..؟ !
أفبعد هذا التهديد للذين لا يأخذون بسنة رسول الله ﷺ من تهديد ..؟ !
تالله إن آية واحدة تكفي للعاقل الصادق، فكيف بعشرات الآيات، تصدح بوجوب اتباع الرسول، وتصدع بحرمة مخالفته.
1 / 9
١١ - ثمّ يقال لهؤلاء: هل أنتم مؤمنون ..؟ !؟ فيقولون: نعم، فيقال لهم: لقد أمر الله ﷿ المؤمنين حين التنازع بالرد إلى الله تعالى، وإلى رسوله ﷺ، فقال تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...﴾ [النساء: ٥٩].
فكيف تردون التنازع إلى الرسول ﷺ اليوم .. لا يمكن ذلك اطلاقًا إلا بالرجوع إلى سنته .. ومحال أن يأمر الله المؤمنين بالرجوع إلى سنة نبيه دون أن يكون قد حفظها لهم .. وإلا يكون قد أحالهم إلى هوى وضلال فهل من مدّكر ..؟ !؟
١٢ - من خلال ما سبق يدرك كل بصير متأمل؛ أن دعوة فصل السُّنة عن القرآن، والتشكيك بها إنما هي لإضعاف الإيمان بها، وهي دعوة بالغة الخطورة والفساد على المسلم، بل هي كفر صريح، ومؤامرة كبيرة، لا يقبلها إلا جاهل جهلًا مكعبًا، أو خبيث نفس، عدو لله وللإسلام والمسلمين.
وإن تعجب؛ فاعجب من إخبار الله تعالى ورسوله لنا عن هؤلاء القوم قبل ألف وأربعمائة سنة، وحذرنا منهم منذ نزول وحيه؛ القرآن والسنة، بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٥٠ - ١٥٢].
فسبحان علام الغيوب، كيف أعمى بصائرهم حتى عن هذه الآية التي تفضحهم ..؟ !؟
وأخبر عنهم رسول الله ﷺ في حديث المقدام بن معدي كرب الكندي ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع» (١).
(١) [رواه أبو داود (٤٦٠٤) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢٦٤٣)].
1 / 10
فسبحان من أوحى إلى رسوله ﷺ بهذا قبل أن يخلق هؤلاء المتمردين في بطون أمهاتهم.
وتالله لولا ضبط السُّنة للعبادات، وبيانها لكثير من أحكام المعاملات؛ لأصبح الدين مهزلة لكل متفكهٍ، وملعبًا لكل مغرض، يصلّون كما يشاؤون، ويطوفون بالبيت كما يرغبون، ويصومون ويزكّون كما يشتهون، ويأكلون ما حرم الله تعالى ورسوله ﷺ بدعوى أن هذا غير محرم في القرآن.
وهكذا تعرضت الأديان السابقة للتغيير والتبديل، فتفرقوا طوائف في الدين نفسه حتى أصبحت كل طائفة من أصحاب الدين نفسه، لها طقوسها، ولها كيفيات مختلفة في عباداتها، بل لها عقائد مختلفة عن غيرها، كل ذلك؛ لعدم التأسي بالأنبياء، ولإحداث البدع والمحدثات.
1 / 11
خلاصة مذهب منكري السنة:
١ - إبعاد الناس عن دينهم .. وتجهيلهم به.
٢ - عدم تقدير منزلة الرسول ﷺ ونبوته واحترام مكانته.
٣ - عصيان الله تعالى حين أمر بطاعة رسوله ﷺ والتحاكم إليها.
٤ - عدم إتمام أركان الإيمان، وهو الإيمان بالرسول قولًا وفعلًا .. فقد أقرّوا باسمه وشخصه دون الأخذ بأقواله .. ودون اتباع منهجه.
٥ - طاعة أعداء الله تعالى، وتقليدهم في التآمر على هذا الدين.
٦ - لازم ترك سنة الرسول ﷺ: أن لا إيمان بأقواله .. ولا اتباع لأفعاله، وهذا نقض لأركان الإيمان.
٧ - كل ما سبق؛ إنما هو لهدم دين الإسلام .. فالقرآن والسنة كالروح والجسد .. إذا افترقا ماتا.
وعليه؛ فليحذر المسلمون من هذه الدعوات المغرضة، فقد قام الإسلام بالقرآن العظيم، تصاحبه بل تعانقه سنة سيد الأنام الكريم، وما يزال الصالحون يأخذون بهما، وينصرهم الله ﷿ .. فلا تلتفت إلى من جاء بذلك من الجاهلين.
فوالله ما جاءتنا هذه الدعوات من المصلحين، إنما جاءت من المفسدين في الأرض الكائدين، ثم تلقفها بعض الجاهلين.
اللهم فقهنا في كتابك، واهدنا لاتباع نبيك، ورد كيد الكائدين عن دينك، وسنة رسولك، إنك قوي عزيز.
وكتبه
عدنان بن محمد العرعور
1 / 12