فلو كان الْمُسْتَعْمَلُ نَجِسًا لَنَجُسَ الماءُ الذي يقَع فيه، وقد رُوِىَ عن النبيِّ ﷺ، أنَّه قَدَّمَتْ إليه امرأةٌ مِن نِسائِه قصعةً ليَتَوضَّأ منها، فقالت امرأة: إنِّي غَمَسْتُ يَدِى فيها وأنا جُنُبٌ. فقال: "الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ (١٣) "، ورَوَاه الإِمام أبو عبد اللَّه في "المُسْنَد" (١٤): "الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ"، وعندهم الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ مِن غيرِ نِيَّةٍ، ولأنه ماءٌ طاهر لَاقَى مَحَلًّا طاهِرًا، فكان طاهِرًا، كالذى غُسِلَ به الثَّوبُ الطاهِر، والدليلُ علَى أنَّ الْمُحْدِث طاهِر ما رَوَى أبو هريرة، رضى اللَّه عنه، قال: " لَقِيَنِى رسولُ اللهِ ﷺ وأنا جُنُبٌ. فانْخَنَسْتُ منه فاغتسلتُ ثم جئتُ، فقال: "أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ " قلتُ: يا رسولَ اللهِ كنتُ جُنُبًا، فكرهتُ أن أُجَالِسَك، فذهبتُ فاغْتَسَلْتُ ثم جئتُ. فقال: "سُبْحَانَ اللهِ، الْمُسْلمُ لَا يَنْجُسُ". مُتَّفَقٌ عليه (١٥)، ولأنه لو غَمَس يدَه في الماءِ لم يُنَجِّسْه، ولو مسَّ شيئًا رَطْبًا، ولو حَمَلَه مُصَلٍّ لم تَبْطُلْ صلاتهُ.
وقولهم: إنه نَهَى عن الغُسْلِ مِن الجنابة في الماءِ الدَّائِم، كنَهْيِه عن البَوْلِ فيه. قلنا: النَّهْىُ يدلُّ علَى أنه يُؤثِّرُ في الماءِ، وهو الْمَنعُ مِن التَّوَضُّؤِ به، والاقِتْرانُ يقْتَضِى التَّسْوِيةَ في أصل الحُكْمِ، لا في تفْصيلهِ، وإنَّما سُمِّىَ الوضوءُ والغُسْلُ طهارةً لكَوْنِه يُنَقِّى الذُّنوبَ والآثامَ، كما ورد في الأخْبار، بدليلِ ما ذكرْناه.
إذا ثبَت هذا فالدليلُ علَى خرُوجِه عن الطُّهُورِيَّةِ قولُ النبيِّ ﷺ: "لَا يَغْتَسِلْ