148

Введение

المدخل

Издатель

دار التراث

Номер издания

الأولى

Место издания

القاهرة

وَلَقَدْ سُجِنَ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ حُسْنِ وَجْهِهِ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ عَلَى بَرَاءَتِهِ بِالشَّاهِدِ الَّذِي أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِتَصْدِيقِهِ وَبَيَانِ بَرَاءَتِهِ، وَبَعْدَ إقْرَارِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ فَحُبِسَ بَعْد ذَلِكَ كُلِّهِ لِحُسْنِ وَجْهِهِ قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ [يوسف: ٣٥] فَدَلَّ قَوْله تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ سُجِنَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ لِعِلَّةِ حُسْنِ وَجْهِهِ وَلِيُغَيِّبُوهُ عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا فَطَالَ فِي السِّجْنِ حَبْسُهُ حَتَّى إذَا عَبَّرَ الرُّؤْيَا وَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ فَاشْتَاقَ إلَيْهِ وَرَغِبَ فِي صُحْبَتِهِ قَالَ ﷿: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ [يوسف: ٥٤] وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ الْمَلِكِ عِنْدَمَا وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِ يُوسُفَ وَمَعْرِفَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ وَحُسْنَ عِبَارَتِهِ صَيَّرَهُ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَفَوَّضَ إلَيْهِ الْأُمُورَ فَتَبَرَّأَ مِنْهَا وَصَارَ يُعِينُ الْمَلِكَ كَأَنَّهُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ، فَكَانَ هَذَا الَّذِي بَلَغَهُ ﷺ بِكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ لَا بِحُسْنِهِ وَلَا بِجَمَالِهِ قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [يوسف: ٥٤] ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥] وَلَمْ يَقُلْ إنِّي حَسَنٌ جَمِيلٌ قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾ [يوسف: ٥٦] فَوَاَللَّهِ مَا يُبَالِي الْمَرْءُ عَلَى هَذَا بِحُسْنِ وَجْهِهِ أَوْ قُبْحِهِ، وَلَا بِحُسْنِ ثَوْبِهِ وَكُمِّهِ كَانَ مَا كَانَ لَا مَنْفَعَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَشِينُهُ عَدَمُ عِلْمِهِ وَسُوءُ فَهْمِهِ، وَاَلَّذِي يُزَيِّنُهُ كَثْرَةُ عِلْمِهِ وَجَوْدَةُ فَهْمِهِ. قَالَ ﵊: «إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ» مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ ﵊. أَنَّهُ كَانَ لَهُ لِبَاسٌ خَاصٌّ لَا يَلْبَسُ إلَّا إيَّاهُ بَلْ كَانَ ﵊ يَلْبَسُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّفَ فَكَانَ يَخْرُجُ بِالْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ وَالرِّدَاءِ وَرُبَّمَا خَرَجَ بِالْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ دُونَ الرِّدَاءِ وَرُبَّمَا خَرَجَ بِالْقَلَنْسُوَةِ دُونَ الْعِمَامَةِ وَالرِّدَاءِ وَرُبَّمَا خَرَجَ عُرْيًا مِنْ الْجَمِيعِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ:

1 / 153