(بَاب التَّرْتِيب لَيْسَ بِشَرْط فِي الْوضُوء وَلَا فِي التَّيَمُّم)
لقَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ﴾ . / (عقب) الْقيام إِلَى الصَّلَاة بِغسْل مَجْمُوع الْأَعْضَاء، لِأَنَّهُ عطف بَعْضهَا على بعض بِحرف الْوَاو، وَهِي لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب، وَلَا يُمكن التَّعْبِير عَنْهَا مفصلة إِلَّا بِذكر اسْم كل وَاحِد مِنْهَا، فَوَقع ذكر الأول من ضَرُورَة التَّفْصِيل، وَنَظِيره قَول الْقَائِل: " (إِذا) دخلت السُّوق فاشتر الْخبز وَاللَّحم والفاكهة "، فَإِن ذَلِك لَا يَقْتَضِي تَقْدِيم مَا بَدَأَ بِهِ، ثمَّ التَّرْتِيب وَقع فِي الْآيَة لبَيَان أَن أَعْضَاء الْوضُوء انقسمت إِلَى مَكْشُوف غَالِبا وَهُوَ الْوَجْه وَالْيَدَانِ، وَإِلَى مَا يتَّخذ لَهُ سَاتِر على حياله وَهُوَ الرَّأْس وَالرجلَانِ، فَكَانَت الْبدَاءَة بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أولى، لتعرضهما للتلويث، وَالْوَجْه أشرفهما، فَلذَلِك قدم كَمَا قدمت الْيَمين على الْيَسَار، ثمَّ قدم الرَّأْس على الرجلَيْن لِأَنَّهُ أشرف المستورين. وَيُؤَيّد هَذَا مَا روى أَبُو دَاوُد: عَن عمار بن يَاسر قَالَ: " بَعَثَنِي رَسُول الله [ﷺ] فِي حَاجَة فأجنبت، فَلم أجد المَاء، فتمرغت بالصعيد كَمَا تتمرغ الدَّابَّة، ثمَّ أتيت النَّبِي [ﷺ] فَذكرت لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تصنع هَكَذَا، فَضرب بيدَيْهِ على الأَرْض فنفضهما ثمَّ ضرب بِشمَالِهِ على يَمِينه، وبيمينه على شِمَاله إِلَى الْكَفَّيْنِ، ثمَّ مسح وَجهه ". وَأخرجه البُخَارِيّ بِأَلْفَاظ قريبَة من هَذَا.
فقد ترك رَسُول الله [ﷺ] التَّرْتِيب فِي التَّيَمُّم، وَمَتى سقط اشْتِرَاطه فِي التَّيَمُّم سقط فِي الْوضُوء، إِذْ لَا قَائِل بِالْفرقِ.