قلت : وهذا يدل على أنه ليس المراد به قراءة المأموم حال سماعه لجهر الإمام ، فإن أحداً لا يقول إن زيادته على الفاتحة ، وترك إنصاته لقراءة الإمام في هذا الحال خير. ولا أن المأموم مأمور حال الجهر بقراءة زائدة على الفاتحة ، وكذلك عللها البخاري في حديث عبادة ، فإنها تدل على أن المأموم المستمع لم يدخل في الحديث ولكن هب أنها ليست في حديث عبادة ، فهي في حديث أبي هريرة .
وأيضاً فالكتاب والسنة يأمران بإنصات المأموم لقراءة الإمام ، ومن العلماء من أبطل صلاته إذا لم ينصت ، بل قرأ معه .
وحينئذ يقال تعارض عموم قوله: لا صلاة إلا بأم القرآن (١).
وعموم الأمر بالإنصات ، فهؤلاء يقولون : ينصت إلا في حال قراءة الفاتحة، وأولئك يقولون: قوله لا صلاة إلا بأم القرآن (٢) يستثنى منه المأمور بالإنصات ، إن سلموا شمول اللفظ له ، فإنهم يقولون ليس في الحديث دلالة على وجوب القراءة على المأموم، فإنه إنما قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن (٢) . وقد ثبت بالكتاب والسنة وبالإجماع أن إنصات المأموم لقراءة إمامه يتضمن معنى القراءة معه وزيادة ؛ فإن استماعه فيما زاد على الفاتحة أولى به بالقراءة باتفاقهم ، فلو لم يكن المأموم المستمع لقراءة إمامه أفضل من القاريء لكان قراءته أفضل له ، ولأنه قد ثبت الأمر بالإنصات لقراءة القرآن ، ولا يمكنه الجمع بين الإنصات والقراءة ولولا أن الإنصات يحصل به مقصود القراءة وزيادة لم يأمر الله بترك الأفضل لأجل المفضول .
= عن ابن سيد الناس تصحيح إسناده والبيهقي في جزء القراءة ( ٣٣، ٣٤، ٣٥) والبخاري في جزئه ( ١٢ ، ١٠٥ ) .
(١) سبق تخريجه .
(٢) سبق تخريجه .