الإمام الأشعري حياته وأطواره العقدية
الإمام الأشعري حياته وأطواره العقدية
Издатель
دار الفضيلة
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
Место издания
الرياض
Жанры
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ آل عمران (١٠٢) ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا … وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ … عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ النساء (١) ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد:
فقد ألف الإمام الأشعري ﵀ مجموعة من الكتب والرسائل التي تعالج قضايا العقيدة، بعضها قد كتب في الفترة التي سبقت تحوله عن الاعتزال، وبعضها قد كتب في الفترة التي أعقبت انتقاله ﵀ إلى منهج أهل السنة والجماعة. وقد كانت هذه الكتب - ولا زالت - موضع دراسة الباحثين المهتمين
1 / 3
بالأشعري ومذهب الأشاعرة، وقد أثارت - ولا تزال - تثير الجدل حول نسبتها إلى الأشعري وظهورها التاريخي عما استقر عليه حاله. ومنشأ ذلك الكذب عليه من جهة محبيه، ومن جهة مبغضيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالأشعري ابتلي بطائفتين: طائفة تبغضه، وطائفه تحبه، كل منهما يكذب عليه ويقول: إنما صنف هذه الكتب تقية، وإظهارًا لموافقة أهل الحديث والسنة، من الحنابلة وغيرهم. وهذا كذب على الرجل، فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحد من خواص أصحابه، ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته، فدعوى المدعي بأنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعًا وعقلًا. بل من تدبر كلامه في هذا الباب - في مواضع - تبين له قطعًا أنه كان ينصر ما أظهره، ولكن الذين يحبونه ويخالفون في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفي ذلك عنه، لئلا يقال: إنهم خالفوه مع كون ما ذهبوا إليه من السنة، قد اقتدوا بحجته التي على ذكرها يعولون، وعليها يعتمدون. والفريق الآخر: دافعوا عنه لكونهم رأوا المنتسبين إليه لا يظهرون إلا خلاف هذا القول ولكونهم اتهموه بالتقية (^١). ولهذا اخترت بعد استخارة الله - جل وعلا - واستشارة عدد من العلماء
_________
(^١) انظر مجموع الفتاوى ١٢/ ٤٠٢.
1 / 4
وطلبة العلم الكتابة عن الإمام الأشعري ﵀ من رجوعه إلى أهل السنة والجماعة وترك الاعتزال وعلم الكلام، حيث ظل الإمام الأشعري - ﵀ بعد رجوعه إلى الحق يدافع عن دين الله، ويؤلف في الرد على أهل الأهواء والبدع المخالفين لمذهب السلف إلى أن توفاه الله تعالى، فانتشرت كتبه في الآفاق، وتوزع تلامذته بين الأمصار - ولكن بعض متأخري الأشاعرة للأسف - خالفوا إمامهم في كثير من الأمور، وسلكوا طريقة ابن كلاب، والتي بين الأشعري في المقالات أنها ليست على طريقة أهل الحديث (^١)، بل سار بعض أتباعه المتأخرين وهم قلة ولله الحمد، على منهج التجهم والاعتزال، والذي نسبوه ظلمًا وجورًا لأهل السنة والجماعة، ولكن الحق يرفض ذلك، وكان الأحرى بهم والأولى أن يرجعوا إلى نصوص الوحيين وفهم السلف الصالح لهما، والذي تنبه له إمامهم ﵀ في طوره الأخير، فكان الأحرى بهم إن كانوا حقًا منتسبين إليه أن يقفوا على منهجه، ويستفيدوا من كتبه وخاصة الإبانة، ورسالته إلى أهل الثغر، والمقالات وألا ينسبوا له زورًا وبهتانًا ما لم يقل به، ولتوضيح هذه الحقيقة اخترت الكتابة للإمام الأشعري ليكون موضوعًا لرسالتي وإني أسأل الله أن أكون قد وفقت فيما
_________
(^١) انظر المقالات ص ١٣٨، ١٤٢، ١٤٤.
1 / 5
كتبته، وأن يكتب لهذه الرسالة القبول وأن يجعلها ذخرًا لي ولجميع من وقفوا معي، أو استفادوا منها في ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)﴾ [الشعراء].
أهمية البحث:
١ - انتشار المذهب الأشعري قديمًا وحديثًا، حتى أصبحت تتبناه بعض الجامعات والمعاهد المنتشرة في العالم الإسلامي.
٢ - إبراز أقوال أهل السنة والجماعة على لسان الإمام الأشعري ﵀ أدعى لقبوله لدى المنتسبين إليه.
موضوع البحث:
موضوع البحث له علاقة وطيدة بالعقيدة؛ حيث إنّ الإمام الإشعري ﵀ يتناول في مؤلفاته مسائل الصفات، والقدر، واليوم الآخر وما يتعلق فيه من رؤيا الرب - جلا وعلا - وإثبات الحوض، والصراط، والميزان، وعذاب القبر، والإمامة، وإثبات صحة خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة ﵃ وغيرها من مسائل العقيدة، ويستدل لهذه المسائل بأدلة من الكتاب والسنة والعقل
أهداف الدراسة:
١ - بيان آراء أبي الحسن الأشعري التي توافق أهل السنة في هذا
1 / 6
الكتاب، وتخالف ما عليه متأخرو الأشاعرة، وخاصة في مسائل الصفات الخبرية، والعلو، والاستواء.
٢ - إبراز وجوه الارتباط في الاستدلال عند الأشعري بين النقل والعقل.
حدود الدراسة:
دراسة حياة الإمام الأشعري ﵀ وما مر به من أطوار.
إجراءات الدراسة:
الإجراءات التي سوف أسير عليها بإذنه تعالى في هذه الدراسة تتلخص فيما يلي:
١ - ذكر مقدمة تبين أهمية الموضوع وخطة البحث ومنهجي فيه.
٢ - الاعتناء بعزو الآيات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الآية.
٣ - وأما الأحاديث والآثار فخرجتها من مصادرها الأصلية مضيفًا إلى ذلك الحكم عليهما حسب ما وقفت عليه من أقوال أهل العلم بشيء من الاختصار، وإن كان في ا لصحيحين أو أحدهما. اكتفيت بعزوه إليهما.
٤ - نسبة الأقوال إلى قائليها، وذلك بأخذ الحكم والكلام من مصادره الأصلية المعتمدة تفاديًا لحصول الخطأ وتمسكًا بمنهج البحث
1 / 7
السليم فإذا كان الكلام المنقول بعينه وضع بين قوسين وكتب في الهامش المرجع مباشرة، وإذا كان المقصود الإحالة أو مع شيء من الاختصار كتب في الهامش انظر.
٥ - إيضاح الألفاظ الغامضة بالرجوع إلى القواميس التي تعتني بذلك.
٦ - التعريف بالأعلام وعرفت بالبلدان الواردة في أصل الدراسة.
تصور أجزاء الدراسة، ويشمل المقدمة والتمهيد وأربعة فصول.
المقدمة:
التمهيد ويشمل:
١ - أهمية البحث.
٢ - موضوع البحث.
٣ - مشكلة البحث.
٤ - أهداف الدراسة.
٥ - حدود الدراسة.
٦ - الصعوبات التي واجهها الباحث.
٧ - إجراءات الدراسة.
1 / 8
قسم الدراسة، ويحتوي على أربعة فصول:
الفصل الأول: حياة أبي الحسن الأشعري وفيه مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبه.
المبحث الثاني: كنيته ولقبه.
المبحث الثالث: ولادته تاريخها ومكانها.
المبحث الرابع: ثناء العلماء عليه.
المبحث الخامس: مذهبه الفقهي.
المبحث السادس: شيوخه.
المبحث السابع: تلاميذه.
المبحث الثامن: وفاته.
الفصل الثاني: عصره، وفيه مباحث:
المبحث الأول: الحالة السياسية.
المبحث الثاني: الحالة الاجتماعية.
المبحث الثالث: الناحية العلمية.
الفصل الثالث: تطوّر حياته العقدية والفكرية، وفيه مباحث:
المبحث الأول: طور الاعتزال.
1 / 9
المبحث الثاني: أسباب رجوعه عن الاعتزال.
المبحث الثالث: ما بعد مرحلة الاعتزال.
الفصل الرابع: مؤلفاته، وفيه مباحث:
المبحث الأول: المصنفات التي وصلت إلينا وبعضها مطبوع الآن.
المبحث الثاني: النسخ المخطوطة.
المبحث الثالث: المؤلفات التي لم تصل إلينا ونسبها بعض الباحثين للأشعري.
المبحث الرابع: الكتب التي ألفها من سنة ٣٢٠ إلى وفاته سنة ٣٢٤.
تم تذييل البحث بالفهارس التالية:
- فهرس الآيات القرآنية.
- فهرس الأحاديث النبوية.
- فهرس الآثار.
- فهرس الأعلام المترجم لهم في الحاشية.
- فهرس الفرق والطوائف والملل.
1 / 10
- فهرس الكلمات الغريبة
- فهرس الأماكن والبلدان.
- فهرس المراجع.
- فهرس محتويات البحث.
1 / 11
الفصل الأول
حياة أبي الحسن الأشعري
وفيه ثمانية مباحث
المبحث الأول: اسمه ونسبه.
المبحث الثاني: كنيته ولقبه.
المبحث الثالث: ولادته تاريخها ومكانها.
المبحث الرابع: ثناء العلماء عليه.
المبحث الخامس: مذهبه الفقهي.
المبحث السادس: شيوخه.
المبحث السابع: تلاميذه.
المبحث الثامن: وفاته.
1 / 15
الفصل الأول: حياة أبي الحسن الأشعري، وفيه مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبه
هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله ﷺ، أبو موسى عبد الله بن قيس بن حضار الأشعري اليماني الأصل البصري المولد. أما والده، فهو أبو إسماعيل بن إسحاق كان من أهل السنة والجماعة، كما كان محدثًا، ويدل على ذلك أن والده لما حضرته الوفاة، وكان ابنه علي صغيرًا، أوصى به إلى أحد أئمة الحديث، وهو الإمام زكريا بن يحيى الساجي (^١). ولاشك أن هذا يؤكد أن والده كان من أهل السنة والجماعة حيث قال ابن عساكر (^٢): ذكر الإمام أبو بكر بن فورك (^٣): أن أباه أبو بشر
_________
(^١) هو أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي، الشافعي، كان من أئمة الحديث؛ له كتاب (اختلاف العلماء وكتاب علل الحديث) قال عنه الذهبي: الإمام الثبت الحافظ، محدث البصرة وشيخها ومفتيها، أخذ عنه أبو الحسن الأِشعري مقالة السلف في الصفات، توفي سنة (٣٠٧) بالبصرة، انظر سير أعلام النبلاء (١٤/ ١٩٧) باختصار.
(^٢) أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الشافعي. ولد سنة (٤٩٩ هـ) وكان من أئمة أهل الحديث في زمانه. توفي سنة (٥٧٠) هـ في دمشق. انظر مقدمة تهذيب تاريخ دمشق (١/ ٧) وانظر شذرات الذهب ٦/ ٣٩٥ والسير ٢٠/ ٥٥٤.
(^٣) هو محمد بن الحسن بن فُوَركِ، أبو بكر الأنصاري، الأصبهاني. قال عنه الذهبي: الإمام العلامة الصالح، شيخ المتكلمين، حدث عنه أبو بكر البيهقي، وصنف التصانيف الكثيرة كان أشعريًا، رأسًا في فن الكلام، روى عنه الحاكم حديثًا، وقال عنه ابن عساكر: قال عنه عبد الغفار بن إسماعيل: محمد بن الحسن بن فُوَرك أبو بكر، بلغت تصانيفه في أصول الدين، وأصول الفقه، ومعاني القرآن، قريبًا من المئة، توفي سنة (٤٠٦) هـ. انظر سير أعلام النبلاء (١٧/ ٢١٤). وتبيين كذب المفتري ص ٢٣٢.
1 / 16
إسماعيل بن إسحاق، كان سنيًا، جماعيًا، حديثيًا حيث أوصى به أبو الحسن عند وفاته إلى زكريا بن يحيى الساجي ﵀ وهو إمام في الفقه والحديث، وله كتب منها: كتاب اختلاف الفقهاء، وكان يذهب مذهب الشافعي، وقد روى عنه الشيخ أبو الحسن الأشعري في كتاب التفسير أحاديث كثيرة - يعني الساجي - (^١) ونسبه ينتهي إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري
_________
(^١) انظر تبيين كذب المفتري ص ٣٥
1 / 17
﵁ (^١). وقد طعن الحسن بن علي الأهوازي (^٢) في صحة نسبه إلى الصحابي الجليل أبي الحسن الأشعري ﵁ حيث قال: (ومن أعجب الأشياء أنه ليس يعرف بالبصرة إلا بابن أبي بشر، وأصحابه ينفرون من هذا الاسم ولا يصفونه به، وسمعت شيوخًا من أهل البصرة يقولون: ما فرارهم من هذا الاسم إلا لسبب؛ وذلك أن جده أبا بشر كان يهوديًا أسلم على يد رجل ينسب إلى الأشعريين، فانتسب إلى ذلك. والله أعلم) (^٣). وقد رد عليه ابن عساكر حيث قال: «إن في إطباق الناس على تسميته بالأشعري تكذيبًا لما قاله هذا المفتري» (^٤)، ثم بين خطأ الطعن بالحديث الصحيح وهو قوله ﷺ: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعوهن: التطاعن في الأنساب» (^٥). ثم بين أن مجرد الانتساب لا ينفع إذا
_________
(^١) هو الصحابي الجليل عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، التقى بجعفر بن أبي طالب في الحبشة ثم خرج معه إلى المدينة مسلمًا. استعمله النبي ﷺ على زبيد، وعدن، وساحل اليمن، واستعمله عمر على الكوفة والبصرة؛ وكان من أحسن أصحاب النبي ﷺ صوتًا، وروى له الجماعة ومناقبه وفضائله كثيرة جدًا توفي ﵁ سنة (٤٢) وقيل: سنة (٥٠) وقيل: (٥١) وقيل: (٥٢) وقيل: (٥٣) في مكة وهو ابن ٦٣ سنة. انظر: تهذيب الكمال (١٥/ ٤٤٦) وطبقات ابن سعد (٢/ ٣٤٤) وسير أعلام النبلاء (٢/ ٣٨٠).
(^٢) هو أبو علي الأهوازي، الحسن بن علي بن إبراهيم، المقرئ المحدث، مقرئ أهل الشام، وصاحب التصانيف، قال عنه الذهبي: هو الشيخ الإمام العلامة، ولد سنة ٣٦٢ هـ، وألف كتابًا طويلًا في الصفات فيه كذب، توفي - سامحه الله - سنة ٤٤٦ هـ قال الزركلي: كان يحط على الأشعري قلت: وقد استطال ابن عساكر في ذمه. غفر الله للجميع. انظر: سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٣، وشذرات الذهب ٥/ ١٩٩، وتبيين كذب المفتري ص ٣٦٤، والأعلام للزركلي.
(^٣) انظر مثال ابن أبي بشر ص ١٨٥.
(^٤) انظر تبيين كذب المفتري ص ٣٥.
(^٥) أخرجه أحمد في المسند برقم (٩٨٧٢) وبلفظ آخر برقم (٧٩٠٨) كما أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما جاء في كراهية النوح حديث رقم (١٠٠١) كما أخرجه الطيالسي برقم (٢٣٩٥) قال عنه أبو عيسى: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث برقم (٧٣٥)، وقال عنه شعيب: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. انظر: الموسوعة الحديثية (١٥/ ٥٣٩).
1 / 18
عُري المنتسب عن فعل الخير والاكتساب وهذا مما لا يدفع، إلا أن الأصل إذا طاب وسما زكا الفرع المنسوب إليه ونما لاسيما إذا كان الفرع طيبًا في نفسه مميزًا بالصفات الحميدة عن أبناء جنسه مشهودًا له بالزكاء في نبته وغرسه مشهورًا بحسن فهمه وصحة حسه، وقد استدل بحفظ الله تعالى للأبناء كثمرة لصلاح آبائهم بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)﴾ (^١) كما أراد أن يبين فضل الأشعري بفضل نسبه بقوله ﷺ: «الناس معادن، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا» (^٢) ثم استطرد في ذكر الأدلة في تأكيد هذا المعنى (^٣).
قلت: والأمر لا يحتمل كل هذا فالأكرم عند الله هو الأتقى كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (^٤). فإن انضم إلى التقى نسب شريف فنورٌ على نور، وإلا فلا يضر من لا نسب له شيء إذا كان صالحًا
_________
(^١) سورة الكهف الآية [٨٢].
(^٢) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قوله تعالى: ﴿لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين﴾ حديث رقم [٣٣٨٣]. وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف ﵇. برقم [٢٣٧٨].
(^٣) انظر تبيين كذب المفتري من صـ (٣٦٤ - ٣٧٦).
(^٤) سورة الحجرات، آية: ١٣.
1 / 19
تقيًا، وخير ما يؤكد ذلك بلال بن رباح الحبشي ﵁ (^١)، وسلمان الفارسي ﵁ (^٢). فهؤلاء الأفذاذ لم يحظوا بنسب عريق لكنهم حظوا بصحبة النبي الكريم ﷺ.
_________
(^١) هو بلال بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله ﷺ ووالدته حمامه، اشتراه الصديق ﵁ من أمية بن خلف عندما كان يعذبه، فأعتقه فلازم بلال بعد ذلك النبي ﷺ، وأذن له وشهد معه جميع المشاهد، وكان خازن رسول الله ﷺ، مات ﵁ بالشام زمن عمر بن الخطاب ﵁ في طاعون عمواس وقيل مات سنة [٢٦]. انظر الإصابة في تمييز الصحابة (١/ ٤٥٥) وأسد الغابة ترجمة (٤٩٣).
(^٢) هو سلمان أبو عبد الله الفارسي ويقال له: سلمان ابن الإسلام وسلمان الخير، قيل أصله من أصبهان، قال ابن عبد البر: يقال إنه شهد بدرًا، وكان عالمًا زاهدًا، ذكر البخاري أنه تداوله بضعة عشر سيدًا. اختلف في عمره اختلافًا كثيرًا، وقال الذهبي: ظهر لي أنه مازاد عن الثمانين، آخى النبي ﷺ بينه وبين أبي الدرداء، قيل مات سنة [٣٦] هـ وقيل [٣٧]. انظر الإصابة في تمييز الصحابة (٣/ ١١٨). وسير أعلام النبلاء (١/ ٥٠٥) وأسد الغابة (٢/ ٤١٧) ترجمة (٢١٤٩).
1 / 20
المبحث الثاني
كنيته ولقبه
كان يكنى بأبي الحسن، ويلقب بالأشعري، واختلف في سبب تسميته بالأشعري إلى قولين:
القول الأول: لأن والدته ولدته والشعر على بدنه وقد أوردها ابن خلكان (^١) حيث قال: «وإنما قيل له أشعر، لأن أمه ولدته، والشعر على بدنه. ثم قال: هذا ما قاله السمعاني (^٢) والله أعلم» (^٣) وقد أشار بعض الباحثين إلى استبعاد هذه الرواية لما يلي:
_________
(^١) هو: أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان ولد سنة [٦٠٨] هـ تولى قضاء الشام وسكن مصر له كتاب جليل القدر وهو وفيات الأعيان. قال عنه الذهبي: كان إمامًا فاضلًا، متقنًا، عارفًا بالمذاهب، توفي في رجب سنة [٦٨١]. انظر: شذرات الذهب (٧/ ٦٤٧)، ومقدمة وفيات الأعيان (١/ ٥).
(^٢) هو: عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد تاج الإسلام السمعاني المروزي، ولد بمرو سنة [٥٠٦] هـ تتلمذ على عدد كبير من أهل العلم حتى أوصلهم ابن خلكان إلى أكثر من (٤٠٠٠) بل عدهم البعض إلى (٧٠٠٠) من مؤلفاته (معجم البلدان)، (ومعجم الشيوخ) و(الأنساب) من أبرز تلامذته الحافظ ابن عساكر وأبو المظفر السمعاني، توفي ﵀ بمرو سنة (٥٦٢) هـ. انظر سير أعلام النبلاء (٢٠/ ٤٥٦). ومقدمة كتابه الأنساب (١/ ٣).
(^٣) وفيات الأعيان (٣/ ٢٨٥).
1 / 21
١ - أن العقل يستبعد أن يولد الطفل والشعر على بدنه.
٢ - أن الرواية التي ذكرت الخبر وردت بصيغة التمريض.
٣ - أن رواية السمعاني لم يقتنع بها ابن خلكان فهو يلقي تبعة القول على السمعاني ولحقه بعبارة «هذا ما قاله السمعاني والله أعلم» والعبارة ظنية (^١). قلت: ولكني رجعت إلى قول الإمام السمعاني، فوجدته يتحدث عن أصل القبيلة وليس عن شخص أبي الحسن الأشعري ﵀ -حيث قال: والأشعري هو نبت بن أدد. قال ابن الكلبي (^٢): «وإنما سمي الأشعر بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ: الأشعر، لأن أمه ولدته وهو: أشعر، والشعر على كل شيء منه، فسمي الأشعري (^٣). وهذا يدل على أن قول السمعاني ليس المقصود به أبا الحسن، كما أن هذا القول هو قول الكلبي، وليس قول السمعاني، كما أن العقل لا يستبعد أن يولد الطفل وعليه شعر.
_________
(^١) انظر نشأة الأشعرية وتطورها صـ ١٦٨.
(^٢) محمد بن السائب أبو النظر الكلبي الكوخي، الإخباري، النسابة، صاحب كتاب الجمهرة في النسب، مصنفاته تزيد على مائة وخمسين. من مصنفاته: التاريخ، والأخبار. وكان حافظًا علامة إلا أنه متروك الحديث، روى عن أبيه وعمه مجالد. توفي عام ٢٠٤ هـ انظر شذرات الذهب ٣/ ٢٧ والأعلام ٨/ ٥٤. ووالده محمد بن السائب الكلبي المفسر المتوفى سنة ١٤٦ هـ حيث كان من أصحابه: عبد الله بن سبأ ذكرت هذا من قبيل التبيين.
(^٣) انظر الأنساب ١/ ١٧٣.
1 / 22
القول الثاني: أنه نسبه إلى جده المجاهر بن الأشعر، والأشعر من أهل اليمن وقد أطال ابن عساكر في الحديث عن نسبه (^١).
الترجيح: أنه لقب بذلك بسبب انتسابه لقبيلة أشعر (^٢) لأن من قدح بذلك ليس معه دليل.
أما ألقابه وكناه: فله عدة ألقاب أشهرها:
١ - أبو الحسن وهو الأشهر عند عامة أهل العلم.
٢ - ناصر الدين: حيث قال ابن عساكر بأنه نودي على جنازته بناصر الدين (^٣).
٣ - إمام المتكلمين: حيث قال الذهبي (^٤) في ترجمته: العلامة إمام
_________
(^١) انظر تبيين كذب المفتري من صـ ٣٤ وما بعدها.
(^٢) قبيلة مشهورة من اليمن تنتسب إلى الأشعر وهو: نبت بن أود، بن زيد بن يشخب بن غريب بن زيد بن كهلان بن سبا. انظر الأنساب للسمعاني ١/ ١٧٣.
(^٣) انظر تبيين كذب المفتري (صـ ١٤٧).
(^٤) هو الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايمان بن عبد الله الذهبي، ولد في عام ٦٧٣ هـ كان من أسرة تركمانية الأصل، تتلمذ على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وعلى جمال الدين المزي والبرزالي وغيرهم. وقد أحبه شيخ الإسلام - «وحق له ذلك»، ومن أهم كتبه ومؤلفاته: تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء، والمستدرك على مستدرك الحاكم، والموقظة على مصطلح الحديث والعلو للعلي الغفار، حتى أوصلها بعض الباحثين إلى مائتين وأربعة عشر مؤلفًا. توفي ﵀ سنة ٧٤٨ هـ. انظر الترجمة الوافية في مقدمة سير أعلام النبلاء ١/ ١٢ - ٩٠.
1 / 23
المتكلمين (^١)، كما وصفه بذلك ابن خلدون (^٢) عندما قال: إمام المتكلمين (^٣).
٤ - ناصر السنة (^٤). وله ألقاب أخرى منها: إمام أهل السنة، وقدوة أهل السنة. ولكن من النادر أن يعرف الأشعري باسمه الحقيقي (علي) حيث لا يوجد هذا الاسم إلا في كتب التراجم، أما ما عدا ذلك فلا يذكر إلا بلقبه أو كنيته. (^٥)
_________
(^١) انظر سير أعلام النبلاء (١٥/ ٨٥).
(^٢) هو: ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الحضري الأشبيلي ولد سنة ٧٣٢ في تونس، برع في الأدب والكتابة، تولى قضاء المالكية في القاهرة، وقد سجن عدة مرات في عدد من البلدان. من أهم كتبه: التاريخ الكبير، والمقدمة. توفي في رمضان سنة ٨٠٨ انظر: شذرات الذهب ٩/ ١١٤ والأعلام ٣/ ٣٣٠.
(^٣) انظر مقدمة ابن خلدون ص ٤٣٥.
(^٤) إتحاف السادة المتقين ٢/ ٤.
(^٥) للمزيد في هذه المسألة. انظر كشف الظنون (١/ ٤٤٠). وصبح الأعشى (١/ ٤٥٤).
1 / 24
المبحث الثالث
ولادته: تاريخها، ومكانها
اختلف المترجمون للأشعري في تحديد سنة ولادته، فقيل ولد سنة [٢٦٠] هـ وقد انتصر لهذا القول ابن عساكر حتى قال: لا أعلم لقائل هذا القول في تاريخ مولده مخالفًا (^١). في حين ذكر ابن خلكان بأن هناك قولًا بأن ولادته سنة [٢٧٠] هـ (^٢). وأما المقريزي (^٣) فقد ذكر بأن ولادته سنة [٢٦٦] هـ (^٤). ولعل الأقرب في تاريخ ولادته هو ما ذكره ابن عساكر، بل وعليه أغلب المصادر القديمة. وقال الزبيدي (^٥): (قيل: ولد
_________
(^١) انظر تبيين كذب المفترى صـ (١٤٦)، والمنتظم لابن الجوزي ١٤/ ٢٩.
(^٢) انظر وفيات الأعيان (٣/ ٢٨٤).
(^٣) وهو تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر العبيدي المقريزي قال عنه ابن العباد: الإمام العالم البارع، عمدة المؤرخين وعين المحدثين. ولد سنة [٧٦١] هـ في القاهرة، وكان يميل إلى المذهب الظاهري. له العديد من المؤلفات ومن أبرزها (الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية) (والسلوك في معرفة دول الملوك) توفي بالقاهرة عام [٨٤٥] هـ انظر شذرات الذهب (٩/ ٣٧٠).
(^٤) الخطط ٣/ ٣١٤.
(^٥) محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الزبيدي، أبو الفيض، الملقب والمعروف بمرتضى، علامة باللغة والحديث والرجال والأنساب، من كبار المصنفين. أصله من واسط في - العراق - ولد في بلجرام إحدى مدن الهند عام ١١٤٥ ونشأ في زبيد - إحدى مدن اليمن - رحل إلى الحجاز وأقام في مصر - من أهم كتبه - تاج العروس في شرح القاموس طبع في عشرة مجلدات، وكذلك كتاب إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين، وأسانيد الكتب الستة، وله عدة مؤلفات قيمة. توفي في مصر عام ١٢٠٥. انظر: الأعلام للزركلي ٧/ ٧٠.
1 / 25