Средство от душевной боли

Ибн Каййим аль-Джаузийя d. 751 AH
98

Средство от душевной боли

الداء والدواء

Издатель

دار المعرفة

Номер издания

الأولى

Год публикации

1418 AH

Место издания

المغرب

Жанры

Суфизм
مُتَرَامٍ بِهِ إِلَى التَّلَفِ، وَلَا يَشْعُرُ بِمَرَضِهِ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ مُدَاوَاتُهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ. فَأَيُّ عُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ مَنْ أَهْمَلَ نَفْسَهُ وَضَيَّعَهَا، وَنَسِيَ مَصَالِحَهَا وَدَاءَهَا وَدَوَاءَهَا، وَأَسْبَابَ سَعَادَتِهَا وَفَلَاحِهَا وَصَلَاحِهَا وَحَيَاتِهَا الْأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ؟ وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَوْضِعَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ أَكْثَرَ هَذَا الْخَلْقِ قَدْ نَسُوا حَقِيقَةَ أَنْفُسِهِمْ وَضَيَّعُوهَا وَأَضَاعُوا حَظَّهَا مِنَ اللَّهِ، وَبَاعُوهَا رَخِيصَةً بِثَمَنٍ بَخْسٍ بَيْعَ الْغَبْنِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ لَهُمْ هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيَظْهَرُ هَذَا كُلَّ الظُّهُورِ يَوْمَ التَّغَابُنِ، يَوْمَ يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ غُبِنَ فِي الْعَقْدِ الَّذِي عَقَدَهُ لِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَالتِّجَارَةِ الَّتِي اتَّجَرَ فِيهَا لِمَعَادِهِ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَتَّجِرُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِآخِرَتِهِ. فَالْخَاسِرُونَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الرِّبْحِ وَالْكَسْبِ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَحَظَّهُمْ فِيهَا وَلَذَّاتِهِمْ، بِالْآخِرَةِ وَحَظِّهِمْ فِيهَا، فَأَذْهَبُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، وَاسْتَمْتَعُوا بِهَا، وَرَضُوا بِهَا، وَاطْمَأَنُّوا إِلَيْهَا، وَكَانَ سَعْيُهُمْ لِتَحْصِيلِهَا، فَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا وَاتَّجَرُوا وَبَاعُوا آجِلًا بِعَاجِلٍ، وَنَسِيئَةً بِنَقْدٍ، وَغَائِبًا بِنَاجِزٍ، وَقَالُوا: هَذَا هُوَ الْحَزْمُ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: خُذْ مَا تَرَاهُ وَدَعْ شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ فَكَيْفَ أَبِيعُ حَاضِرًا نَقْدًا مُشَاهَدًا فِي هَذِهِ الدَّارِ بِغَائِبٍ نَسِيئَةً فِي دَارٍ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ؟ وَيَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ ضَعْفُ الْإِيمَانِ وَقُوَّةُ دَاعِي الشَّهْوَةِ، وَمَحَبَّةُ الْعَاجِلَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِبَنِي الْجِنْسِ، فَأَكْثَرُ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ الْخَاسِرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي أَهْلِهَا: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ٨٦]، وَقَالَ فِيهِمْ: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ١٦]، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ظَهَرَ لَهُمُ الْغَبْنُ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ، فَتَتَقَطَّعُ عَلَيْهِمُ النُّفُوسُ حَسَرَاتٍ. وَأَمَّا الرَّابِحُونَ فَإِنَّهُمْ بَاعُوا فَانِيًا بِبَاقٍ، وَخَسِيسًا بِنَفِيسٍ، وَحَقِيرًا بِعَظِيمٍ، وَقَالُوا: مَا مِقْدَارُ هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، حَتَّى نَبِيعَ حَظَّنَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ الْآخِرَةِ بِهَا؟ فَكَيْفَ يَنَالُ الْعَبْدُ مِنْهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ الْقَصِيرِ الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَغَفْوَةِ حُلْمٍ، لَا نِسْبَةَ لَهُ إِلَى

1 / 104