Средство от душевной боли

Ибн Каййим аль-Джаузийя d. 751 AH
62

Средство от душевной боли

الداء والدواء

Издатель

دار المعرفة

Номер издания

الأولى

Год публикации

1418 AH

Место издания

المغرب

Жанры

Суфизм
وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِقْبَاحِ، بَلْ يُحَسِّنُ الْفَوَاحِشَ وَالظُّلْمَ لِغَيْرِهِ، وَيُزَيِّنُهُ لَهُ، وَيَدْعُوهُ إِلَيْهِ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ، وَيَسْعَى لَهُ فِي تَحْصِيلِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الدَّيُّوثُ أَخْبَثَ خَلْقِ اللَّهِ، وَالْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مُحَلِّلُ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ لِغَيْرِهِ وَمُزَيِّنُهُ لَهُ، فَانْظُرْ مَا الَّذِي حَمَلَتْ عَلَيْهِ قِلَّةُ الْغَيْرَةِ. وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ الْغَيْرَةُ، وَمَنْ لَا غَيْرَةَ لَهُ لَا دِينَ لَهُ، فَالْغَيْرَةُ تَحْمِي الْقَلْبَ فَتَحْمِي لَهُ الْجَوَارِحَ، فَتَدْفَعُ السُّوءَ وَالْفَوَاحِشَ، وَعَدَمُ الْغَيْرَةِ تُمِيتُ الْقَلْبَ، فَتَمُوتُ لَهُ الْجَوَارِحُ؛ فَلَا يَبْقَى عِنْدَهَا دَفْعٌ الْبَتَّةَ. وَمَثَلُ الْغَيْرَةِ فِي الْقَلْبِ مَثَلُ الْقُوَّةِ الَّتِي تَدْفَعُ الْمَرَضَ وَتُقَاوِمُهُ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْقُوَّةُ وَجَدَ الدَّاءُ الْمَحِلَّ قَابِلًا، وَلَمْ يَجِدْ دَافِعًا، فَتَمَكَّنَ، فَكَانَ الْهَلَاكُ، وَمِثْلُهَا مِثْلُ صَيَاصِيِّ الْجَامُوسِ الَّتِي تَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، فَإِذَا تَكَسَّرَتْ طَمِعَ فِيهَا عَدُوُّهُ. [فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُذْهِبُ الْحَيَاءَ] فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُذْهِبُ الْحَيَاءَ وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: ذَهَابُ الْحَيَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ حَيَاةِ الْقَلْبِ، وَهُوَ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الْخَيْرِ أَجْمَعِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» . وَقَالَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» وَفِيهِ تَفْسِيرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْمَعْنَى مَنْ لَمْ يَسْتَحِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ مَا شَاءَ مِنَ الْقَبَائِحِ، إِذِ الْحَامِلُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَيَاءٌ يَرْدَعُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ، فَإِنَّهُ يُوَاقِعُهَا، وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا لَمْ تَسْتَحِ مِنْهُ مِنَ اللَّهِ فَافْعَلْهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ هُوَ مَا يُسْتَحَى مِنْهُ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ تَهْدِيدًا، كَقَوْلِهِ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [سُورَةُ فُصِّلَتْ: ٤٠] . وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ إِذْنًا وَإِبَاحَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ؟

1 / 68