أمّا ابنُ كَيْسان فقد نَقَل عنه الجِبْلي في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (^١)، فقال (^٢): "و﴿ومَا﴾: في موضع رَفْع بـ ﴿سَاءَ﴾ عند سيبوَيْه (^٣)، و﴿كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾: صلةُ ﴿مَا﴾، والهاء محذوفةٌ أي: يَعْمَلُونَهُ، وقال الأخفش (^٤): ﴿مَا﴾: نكرةٌ في موضع نصب، و﴿كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ نَعْتُهُ، والهاء محذوفةٌ أيضًا من الصِّفة، وحذْفُها من الصِّلةِ أحسنُ، وهو جائزٌ من الصِّفة، وقال ابنُ كَيْسان (^٥): ﴿مَا﴾ والفعلُ: مصدرٌ في موضع رَفْع بـ ﴿سَاءَ﴾. فلا يُحتاجُ إلى هاءٍ محذوفةٍ على قوله".
وأمّا الزَّجّاجيُّ فمن المواضع التي نَقَلَ فيها الجِبْليُّ عنه:
١ - في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ (^٦)، قال الجِبْلي (^٧): "وإنّما رَفَع المصدرَ وهو النَّفخةُ لأنه لَمّا نَعَتَها أقامها مُقامَ المرفوع؛ لأنّ الرَّفع بالمصدر -إذا نُعِتَ- أحسَنُ؛ لأنه يَقْرُبُ من الاسم، والنَّصب جائزٌ، ومثله في الكلام: ضُرِبَ بِزَيْدٍ ضَرْبٌ شَدِيدٌ، فإذا لم يُنْعَت المصدرُ كان الوجهُ النَّصبَ وقَبُحَ الرَّفعُ، وذلك قولك: ضُرِبَ بِزَيْدٍ ضَرْبًا، وسِيرَ بِزَيْدٍ سَيْرًا". اهـ، وهذا الكلام بنصِّه تقريبًا قاله الزَّجّاجي في الجُمَل (^٨).
(^١) المنافقون ٢.
(^٢) البستان ٣/ ٤٢٤.
(^٣) أشار سيبويه إلى ذلك في كتابه ٣/ ١٥٦.
(^٤) معانِي القرآن ص ٣٧، ٣٨، ١٣٩.
(^٥) ينظر قوله في إعراب القرآن للنحاس ٣/ ٢٤٨، ومشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٨٠، وغيرهما.
(^٦) الحاقة ١٣.
(^٧) البستان ٤/ ٤١.
(^٨) ص ٨١.