13

البدعة وأثرها في محنة المسلمين

البدعة وأثرها في محنة المسلمين

Жанры

وجوب هجر أهل البدع بعد هذه المقدمة الضرورية -وفيها التنفير من البدعة- نذكر شيئًا آخر نذيل به النتيجة النهائية، وهو: وجوب هجران أهل البدع، فلو أننا وقفنا في وجه المبتدعة وقوفًا حازمًا وهجرناهم في الله ﷿؛ لانحصرت دائرة المبتدعة. إن العاصي ليس أولى بالهجران من المبتدع؛ لأن كلًا يعطى ما يستحقه، وبما أن المبتدع أشر من العاصي، كان التأكيد في حق هجر المبتدع، أعظم من التأكيد في حق هجر العاصي. إن الرسول ﵊ سنَّ لنا هجران العصاة، فهجر كعب بن مالك وأصحابه: مرارة بن الربيع وهلال بن أمية لما تخلفوا عن غزوة تبوك، وهجرهم المسلمون خمسين ليلة، وهو يعلم أنهم يحبون الله ورسوله، وظاهر ذلك من حالهم، فـ هلال بن أمية ربط نفسه في البيت، وظل يبكي طيلة خمسين ليلة، ولا يكون البكاء المتواصل إلا من رجلٍ نادمٍ حق الندم، حتى إن النبي ﷺ لما أمرهم أن يعتزلوا نساءهم جاءت امرأة هلال وقالت: يا رسول الله! إن هلالًا رجلٌ فانٍ ما له من أرب في النساء، يعني: رجل عجوز، وشهوة العجوز مكسورة، لأن الشهوة لا تكون في القوة والشدة إلا في الشباب، أضف إلى ذلك إذا انضم إلى امتثال الشهوة بسبب تقدم السن الغم الذي يملأ الصدر، فلو أن رجلًا فتيًا مليء بالقوة والحيوية أصابه غم لا يكون له أرب إلى النساء، فكيف إذا اجتمع الغم مع تقدم السن؟! فقالت: أفتأذن لي أن أخدمه، قال: (بشرط ألا يقربك؟ قالت: والله ما به من أرب وهو يحب الله ورسوله)، وظاهر من حاله الندم الحقيقي، ومع ذلك هجرهم خمسين ليلة. فالرسول ﵊ سنَّ لنا هجر العاصي، فهجر المبتدع من باب أولى، لأن جرمه أعظم من جرم العاصي. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم

2 / 4