عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وكذلك إخفاء السر، وحفظ العهد. إنما تواصى بهما الناس لما فيهما من المصالح. فمن يحتمل في سبيلهما الضرر فإنما يحتمله لأجل الثناء، فإن فرض حيث لا ثناء، فقد وجد مقرونا بالثناء، فيميل الوهم إلى المقرون باللذيذ وإن كان خاليا عنه.
تحرير هذا البحث
هذه خلاصة ما يراه الغزالي في تأييد أهل السنة، وتخطئة المعتزلة. وتكون النتيجة على رأي أهل السنة أنه لا حسن ولا قبح قبل ورود الشرع، وأنه لا ثواب ولا عقاب قبل ورود الشرع، وهذا الرأي خطأ من وجهين:
الأول:
مخالفته لجوهر الشريعة، فإن الشريعة إنما جاءت لهداية الناس، ولا معنى للهداية غير إرشادهم إلى ما حسن أو قبح من الأفعال ليفعلوا الحسن، ويجتنبوا القبيح. ولو كانت الأعمال خالصة في ذاتها من صفة الحسن والقبح، لما كانت هناك حاجة إلى الشرائع، ولكان خيرا للناس أن لا يحملوا أعباء التكاليف.
الثاني:
استهانته بالشخصية الإنسانية، فإنه إذا صح أن لا حكم للعقل قبل ورود الشرع، فإن معنى ذلك أن الشخصية الإنسانية لا تصلح لفهم حقائق الأشياء، وما أدري كيف صلحت بعد ذلك لحمل أمانة الدين الحنيف؟
والواقع أن الأشاعرة يجنون على العقل حين يحكمون بأن التحسين والتقبيح لا يكونان إلا بالشرع، فالزنا عندهم قبيح ، لا لضرره كما يحكم بذلك العقل، بل لأن الشرع حكم بقبحه، وعلى ذلك لو حكم الشرع بحسن الزنا لكان حسنا، ولوجد الأشاعرة من أوجه المغالطة ما يثبتون به أنه حسن، ولهذا الرأي نتيجة من أسوأ النتئاج، وهي الركون إلى ما وقع في الشرائع من الأغلاط، فقد يندر أن تجد شريعة لم تمتد إليها يد التحريف، فإذا شئت أن تتحاكم إلى العقل لتنقي الشرائع من أوشاب المسخ والتشويه، وقف في وجهك الجهال باسم الدين، وقالوا ما لنا وللعقل؟
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون !
Неизвестная страница