جمعية شبه سرية. اجتمعت في البصرة في منتصف القرن الرابع. وإنما كانت سرية لكره عامة الناس الفلسفة إذ ذاك. وكان غرض هذه الجمعية نشر المعارف التي يرونها صحيحة في جميع الأقطار الإسلامية، فقد كانوا يرون: «إن الشريعة قد دنست بالجهالات ، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية، والمصلحة الاجتهادية.» وقد ألفوا إحدى وخمسين رسالة ضمنوها خلاصة العلوم المعروفة لعهدهم، وقالوا في أول هذه الرسائل: «إن الحكماء الفلاسفة الذين كانوا قبل الإسلام تكلموا في علم النفس، ولكنهم لما طولوا الخطب فيها، ونقلوها من لغة إلى لغة، من لم يكن قد فهم معانيها حرفها وغيرها، حتى انغلق فيها فهم معانيها. ونحن قد أخذنا لب معانيها، وأقصى أغراضهم فيها، وأوردناها بأوجز ما يمكن من الألفاظ في إحدى وخمسين رسالة».
وقد نقل الأستاذ أحمد أمين عن مكدونالد أن بعض الباحثين ظن أن هذه الجمعية جمعية باطنية، لما بين ما يجيء فيها أحيانا وبين تعاليم الباطنية من التطابق، وقد عثر المغول عند فتحهم قلعة الموت على كثير من نسخ رسائل إخوان الصفا.
2
وذكر الأستاذ الكونت دي جلارزا في محاضراته بالجامعة المصرية أن أحد إخوان الصفا وهو أبو حيان التوحيدي المتوفى نحو سنة 389ه كان يقول: «إن الشريعة لم تكن كاملة، بل فيها غلطات وجب إصلاحها بواسطة الفلسفة».
ورسائل إخوان الصفا تحتاج إلى درس طويل لمعرفة ما فيها من الأغراض الفلسفية، والدينية، والسياسية، ويكفي أن يعرف القارئ أن الغزالي اطلع على هذه الرسائل، واستفاد منها، وإن صب على أصحابها جام سخطه وغضبه، لأن استفادة المرء من كتاب لا تتوقف على حبه لصاحبه، بل صرح الغزالي بأنه أقبل في أول حياته العلمية على درس ما عرف لعهده من المذاهب والآراء.
الفارابي
هو أبو نصر محمد بن طرخان. وهو فارسي من بلدة تسمى فاراب من بلاد خراسان، جاء إلى بغداد. وأخذ علم المنطق عن أبي بشر متى بن يونان النصراني الذي توفي سنة 328ه، ثم انتقل إلى مدينة حران وتعلم بها الفلسفة، وعاد بعد ذلك إلى بغداد، ثم رحل إلى دمشق وأقام بها أيام سيف الدولة بن حمدان.
قال سلطان (بك) محمد في محاضراته بالجامعة المصرية: «وهو في مقدمة الفلاسفة الإسلاميين الذين طالعوا كتب أفلاطون وأرسطو ووقفوا على أغراضها، وأحسنوا فهمها، يدل لذلك ما حكاه الشيخ الرئيس من أنه عرف غوامض الفلسفة، ووقف على مقاصدها، واستظهر القسم الإلهي منها ولم يقف على حقيقة أغراضه ومباحثه، فسئمته نفسه. وكان ذات يوم لدى الوراقين ومر عليه دلال كتب، وبيده مجلد، وقال له: اشتر هذا. فلما علم أنه في الفلسفة الإلهية، قال لا حاجة لي به. فقال له الدلال: إن صاحبه محتاج إلى بيعه، ويطلب به ثمنا قليلا. وأبيعكه بثلاثة دراهم. قال فأخذته ووجدته تأليف أبي نصر الفارابي، فلما قرأته وقفت منه على أغراض ذلك العلم وفهمته بعد أن مللت الاشتغال به ويئست من فهم أغراضه».
وكان معشوق الفارابي من فلاسفة اليونان أرسطو، حتى قيل إنه وجد كتاب النفس لأرسطو وعليه بخط الفارابي: «إني قرأت هذا الكتاب مائة مرة» ولكثرة شرحه لآراء الفلاسفة لقب بالمعلم الثاني كما لقب أرسطو بالمعلم الأول. وسئل: أنت أعلم أم أرسطو؟ فقال: لو أدركته لكنت أكبر تلاميذه. وتوفي الفارابي رحمه الله سنة 339ه وهو يناهز الثمانين.
وللفارابي آثار كثيرة عدا عليها الفناء، ومن مؤلفاته الباقية «آراء أهل المدينة الفاضلة» وهو يحاكي فيه جمهورية أفلاطون.
Неизвестная страница